موقع المسجد من الحي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن اختيار المكان المناسب للمسجد قبل بنائه له أثر كبير على أهل الحي، وهو من أهم الوسائل المعينة على أداء رسالة المسجد، إذ عندما يكون وجوده وسط الحي مثلاً فإنه يجعل الوصول إليه خالياً من المشقة والعناء، كما أن قربه من جميع السكان يجعل الناس يقبلون على الصلاة دون تكاسل، ولا أن يكون موقعه مدعاة لتهاونهم وتكاسلهم عن الحضور إلى المسجد، لذا كان اختيار المكان المناسب للمسجد مسهماً في حضور الناس إليه، خاصة إذا كان هو الوحيد في الحي.1
ومما يتعلق باتخاذ المسجد في الحي:
* بناء المساجد في الدور:
فما زالت العرب منذ القدم إلى يومنا هذا تجتمع في السكن كل قبيلة على حدة في مكان معين، ولما صارت المدن بدأ الناس يجتمعون في الأحياء، وكان السابقون يسمون الحي ديار بني فلان، وكانوا يطلقون عليه حياً، فيقولون: كان لحي من العرب كذا، ونحو ذلك، ولحاجة الأحياء إلى المساجد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببنائه2 فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب" قال سفيان: قوله ببناء المساجد في الدور يعني القبائل3.
والمقصود بالدور: "جمع دار وهو اسم جامع للبناء والعرصة4 والمحلة، والمراد المحلات، فإنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها قبيلة داراً، أو محمول على اتخاذ بيت في الدار للصلاة كالمسجد يصلي فيه أهل البيت، وحكمة أمره لأهل كل محلة ببناء مسجد فيها أنه قد يتعذر أو يشق على أهل محلة الذهاب للأخرى، فيحرمون أجر المسجد، وفضل إقامة الجماعة فيه، فأمروا بذلك ليتيسر لأهل كل محلة العبادة في مسجدهم من غير مشقة تلحقهم، وقال البغوي: قال عطاء لما فتح الله تعالى على عمر رضي الله عنه الأمصار أمر المسلمين ببناء المساجد، وأمرهم أن لا يبنوا مسجدين يضار أحدهما الآخر، ومن المضارة فعل تفريق الجماعة إذا كان هناك مسجد يسعهم فإن ذاك سن توسعته، أو اتخاذ مسجد يسعهم"5.
* ومن القواعد المهمة في موقع المسجد:
– اختيار الموقع المناسب لبناء المسجد: فتُبنى المساجد في الأحياء والمواقع المناسبة التي يستفيد منها جميع سكان الحي أو على الأقل أغلبهم.
– أن يكون جواره طيباً وطاهراً فلا تجاوره فضاءات تنتج عنها أوساخ أو أذى.
– عدم البناء على الأرض المغصوبة.
– تجنب بنائها على قبور فقد قال ابن تيمية رحمه الله: "اتفق الأئمة أنه لا يُبنى مسجد على قبر"6.
– أن يكون كبيراً بحيث يسع لجميع سكان الحي أو عدد كبير منهم، فلا يحوجهم إلى الذهاب إلى غيره.
– أن يكون مهيأً من جميع النواحي، وذلك بوجود جميع الخدمات المتعلقة بالمسجد كمصلى خاص بالنساء، ودورات المياه، ومكتبة، ومكان مخصص لتغسيل الموتى، وغير ذلك من الأمور.
– عدم بناء مساجد متقاربة في الحي لأن ذلك مما يؤدي إلى مضارة بعض المساجد بعضاً، وتفريق الجماعة، وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى عن ذلك كما تقدم.
والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
2 أحكام المساجد في الشريعة الإسلامية (1/298) إبراهيم بن صالح الخضيري، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد – المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1419هـ.
3 رواه الترمذي في السنن برقم (594) وأبو داوود في السنن برقم (455) وصححه الألباني.
4 عرصة الدار: ساحتها، وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء.
5 تحفة الأحوذي (3/168) لمحمد عبد الرحمن المباركفوري، الناشر: دار الكتب العلمية.
6 مجموع الفتاوى (22/194) لابن تيمية، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، الناشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة:الثانية.