همسات للطلاب

 

 

همسات للطلاب

  الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

لقد شرَّف الله سبحانه حفظة كتابه بما حفظوا، وأكرم أهل العلم بما علموا، فوضعت الملائكة أجنحتها لهم رضاً بما صنعوا، وكفى بالعلم شرفاً أنه أول تكليف في شريعة الإسلام حين نزل قوله تعالى: {اقْرَأْ}.

وكفى بحافظ كتاب الله أن يكون أهلاً لله كما جاء عن أنس  أنه قال: قال رسول الله  : ((إن لله أهلين من الناس)) قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: ((هم أهل القرآن أهل الله وخاصته))1.

فلك أخي حافظ القرآن، وطالب العلم؛ يا حارساً لحدود الله، ووارثاً لأنبياء الله؛نجتني هذه الثمرات، وإليك نزفها

فأنت تصلحُ للراياتِ تعقدُها وفي المواكبِ تحيي الدينَ والسننا
وفي المنابرِ تنشيْ فوقها خطباً تعيي اللبيبَ النجيبَ العالمَ الفطنا

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد، وأن يهدينا سبيل الرشاد، وأن ينفع بنا العباد والبلاد.

وصية أمير المؤمنين علي رضي الله عنه

القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالمٌ رباني، وعالمٌ متعلمٌ على سبيل نجاة، وهمجٌ رعاعٌ أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيؤوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل، والمال تنقصه النفقة، ومحبة العالم دينٌ يدان بها باكتساب الطاعة في حياته، وجميل إلا حدوثه بعد موته وصنيعه، وصنيعة المال تزول بزوال صاحبه، مات خُزَّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة”2.

كنوز من الأدب

قال ابن مسعود: “ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، ولبكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكياً محزوناً، حليماً حكيماً سكيتاً، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون.. قال أبو بكر: ذكر كلمة لا صخاباً ولا صياحاً ولا حديداً”3.

* العلم الخشية وحسن الخلق

إذا لم يزد علم الفتى قلبه هدى  وسيرته عدلاً وأخلاقه حسناً
وسيرته عدلاً وأخلاقه حسناً تغشيه حرماناً وتوسعه حزناً

* شيخك لا يضره انقطاعك:

قال الإمام الصيمري: سمعت من الدارقطني أجزاء من سننه، وانقطعت لكونه ليَّن أبا يوسف، وليتني لم أفعل، أيش ضر أبا الحسن انصرافي؟ نعم لقد كان الدارقطني فريد عصره،وإمام وقته، وانتهى إليه علم الأثر والمعرفة بالعلل، وأسماء الرجال، مع الصدق والثقة وصحة الاعتقاد كما قال الخطيب وصيته اليوم في الآفاق4.

* قل لي من قرينك أقل لك من أنت

اختر لك جليساً صالحاً تُسمع حفظك عنده، وتذاكر معه، وتتناقش معه، وتعتاد التعامل الخلوق معه، واحذر المزاحين، وضعفاء الهمم، وأهل الكلام، فإنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه، واعلم أن الطيور على أشكالها تقع.

هممُ الجبالِ الشمِّ

اعلم أن الإمام البلقيني رحمه الله تعالى حفظ القرآن العظيم وله من العمر سبع سنين،وحفظ في الفقه المحرر، وفي الأصول مختصر ابن الحاجب، وفي القراءآت الشاطبية، وفي النحو الكافية لابن مالك، وقدم مصر في سنة سبع وثلاثين مع والده، وله اثنتا عشرة سنة فعرض بها محفوظاته على علماء الوقت فبهرهم بذكائه، وسرعة إدراكه.

وعبد الله بن محمد بن أبي بكر الحنبلي طالع المغْني للموفق ثلاثاً وعشرين مرة حتى كان يكاد يستحضره. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال لي أبو زرعة: أبوك يحفظ ألف ألف حديث، فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته، فأخذت عليه الأبواب.

وأملى عبد الله بن أبي داود بأصبهان أربعين ألف حديث، وليس معه كتاب.وقال المزني: قرأت الرسالة خمسمائة مرة، ما من مرة إلا واستفدت منها فائدة جديدة، وقال أيضاً: أنا أنظر في الرسالة من خمسين سنة، ما أعلم أنى نظرت فيها مرة إلا استفدت منها شيئًا لم أكن عرفته.

فيا ترى كيف كان لهم ذلك؟  أجاب الإمام الشعبي عن هذا السؤال حين قيل له: من أين لك كل هذا العلم؟ قال: بنفي الاغتمام، والسير في البلاد، وصبر كصبر الحمام، وبكور كبكور الغراب، وكان الإمام النووي يحضر في اليوم الواحد اثنا عشر درساً، وكان الخليل يرى أثقل ساعاته عليه ساعة يأكل فيها.

من أنجح طرق الحفظ

بعد الإخلاص، وتجديد النية، وعقد العزيمة، وشحذ الهمة، وتفريغ النفس، والرغبة الصادقة، والتشمير عن ساعد الجد، عليك بالآتي:

1. الحلقات: وهي دراسة جماعية يشترك فيها مجموعة من الطلبة متقاربي المستويات، يقع اختيارهم على مقطع من القرآن يدرسونه معاً، يتعاونون على تكراره، واستظهار معانيه،يتحاجُّون فيه، ويُنَشّط بعضهم بعضاً على المواصلة والاستمرار، ومدافعة السآمة والملل.

2. تقسيم المقرر إلى أجزاء صغيرة كخمسة أسطر، أو خمس آيات.

3. اغتنام لحظات السحر في تثبيت الحفظ، فقد كان بعض العلماء إن استشكل عليهم حفظ شيءٍ ما أرجئوه إلى وقت السحر.

4. التفهم والتدبر لما يراد حفظه، والاستعانة بكتب التفسير.

5. الدقيقة الذهبية، سل نفسك: كم تستطيع أن تكرر خمس آيات خلال دقيقة واحدة بقراءة قريبة إلى الحدر؟ لا شك أنك تستطيع خمس مرات على الأقل!. إذن في ربع ساعة يكون تكرارك لمقدار الحفظ تقريباً 75 مرة على الأقل، فما قوة حفظك بعد ذلك، وما مدى ثباته بعد توفيق الله؟ خصص لكل صفحة نصف ساعة، وراقب عقارب ساعتك.

6. وثبات العلم بالعمل، فقد هتف به فإن أجابه وإلا ارتحل، نعوذ بالله من علم لا ينفع.

7. صلِّ بما حفظت من قرآن سواء في الفرائض أو النوافل وقيام الليل، فلو حسبت الرواتب والركعات السرية كالظهر والعصر في اليوم الواحد لكانت قرابة عشرين ركعة، وهذا يعني أن تقرأ جزءاً كاملاً في اليوم بمقدار صفحة واحدة في كل ركعة.

8. عليك بالحالِّ المرتحل فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل: يا رسول الله أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ((الحال المرتحل)) قال: وما الحال المرتحل؟ قال: ((الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل))5.

9. احرص على نيل التقديم عند الله ​​​​​​​  فعن هشام بن عامر قال: شُكي إلى رسول الله   الجراحات يوم أحد، فقال: ((احفروا وأوسعوا، وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبرٍ واحدٍ، وقدموا أكثرهم قرآنًا)) فمات أبي فقُدِّم بين يديْ رَجُلين6.

موسم الامتحانات

1.

التجئ إلى الله بالدعاء والتضرع والتذلل بين يديه، وأكثر من ذلك، فمن أكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، وأكثر من ذكر الله تعالى فإنه يطرد القلق والتوتّر، وإذا استغلقتْ عليك مسألة فادع الله أن يهوِّنها عليك، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا استغلق عليه فهم شيء يقول: يا معلِّم إبراهيم علمني، ويا مفهّم سليمان فهمني.

2. اتّق الله في زملائك فلا تُثر لديهم القلق والفزع قبيل الاختبار، فالقلق مرض معدٍ، بل أدخل عليهم التفاؤل بالعبارات الطيبة المشروعة.

3. أكثر من قراءة القرآن وتكراره، ولا تكتفِ بمرة واحدة.

وبعدُ .. أخي طالب العلم: هل تجد في هذه الكلمات ما يشحذ همتك، ويحرك إرادتك، ويكون مثالاً لك تحتذيه، ويستحثك لجعل حفظ كتاب الله أول طرق العلم الشرعي؟ ذلك ما كنا نبغي، وفضل الله واسع، وعطاؤه جمٌّ، وكم ترك الأول للآخر {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ}(المطففين:26).

وصلى الله وسلم وبارك على النبي وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


1 ابن ماجه برقم (215) وصححه الألباني.

2 تذكرة الحفاظ (1/11) للإمام الذهبي.

3 مصنف ابن أبي شيبة (63).

4 سير أعلام النبلاء (17/616) للإمام الذهبي تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط – مؤسسة الرسالة – الطبعة الثالثة: 1405هـ/1985م.

5 الترمذي (2948) وضعفه الألباني.

6 الترمذي (1713) وصححه الألباني.