أحكام مترتبة على سماع الأذان

أحكام مترتبة على سماع الأذان

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن الشريعة رتبت على سماع النداء ثمة أحكام تشمل كل مسلم بالغ عاقل مكلف، ومن تلك الأحكام:

أولاً: حضور صلاة الجمعة:

لا خلاف بين الفقهاء في وجوب صلاة الجمعة على من يكون في البلد الذي تقام فيه صلاة الجمعة، سواء سمع النداء أو لم يسمع1، فلا يشترط سماع النداء، ومن أدلتهم على ذلك ما يلي:

1- قوله – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}2، فإن الله – تعالى – في هذه الآية أمر بالسعي بمجرد النداء، ولم يقيده بالسماع.

2- أن كل موضع من البلد موضع للنداء، ومحل لإقامة الجمعة فيه، وليس لها اختصاص بموضع3، لأنه بلد واحد، فلا فرق بين البعيد والقريب.

واختلفوا بعد ذلك في اعتبار سماع النداء شرطاً في وجوب صلاة الجمعة على من كان خارج البلد، ورأى الجمهور اعتبار سماع النداء شرطاً لوجوب صلاة الجمعة على من كان خارج المصر الذي تقام فيه الجمعة، وذلك لقوة الأدلة وسلامتها من المعارضة، إلا أن اعتبار سماع النداء في زماننا خاصة مع وجود مكبرات الصوت التي يبلغ مدى نداءها الآفاق؛ يجعلنا لا نخوض في المسافة التي  اختلف فيها بين الجمهور، ولا يبقى حجة لأحد في التخلف بسبب عدم السماع.

ثانياًً:  أداء الصلوات الخمس جماعة:

جاءت الأحاديث الصحيحة التي تأمر بإجابة النداء للصلوات الخمس على من سمع الأذان ليشهد صلاة الجماعة في المسجد، ومنها:

1- حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: (( هل تسمع النداء بالصلاة))؟ فقال: نعم، فقال:(( فأجب))4، وفي رواية أخرى أن الأعمى المذكور هو ابن أم مكتوم – رضي الله عنه -، وأنه سأل النبي –  صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله إني رجل ضرير، شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل لي رخصة أصلي في بيتي ؟ قال: (( هل تسمع النداء))؟ قال: نعم، قال: (( لا أجد لك رخصة))5.

2- حديث ابن عباس – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر))6.

ثالثاً: الإمساك عن المفطرات عند سماع أذان الصبح لمن يريد الصوم:

أجمع علماء الأمة على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر الثاني وهو البياض المنتشر في الأفق، ويسمى الفجر الصادق، والمستطير7.

والفجر فجران هما: الفجر الصادق، والفجر الكاذب وهو ما كان مستطيلاً كأنه ذنب السرحان8، ويطلع قبل الفجر الصادق9، واتفق فقهاء المذاهب الأربعة على وجوب الإمساك عن تناول المفطرات للصائم عند سماع الأذان الثاني لصلاة الفجر10، واستدلوا على ذلك بالأحاديث الصحيحة ومنها:

1- حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم))، ثم قال: وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت11، وفي رواية أخرى: (( …فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر))12.

2- حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن بليل، ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم، وليس أن يقول الفجر أو الصبح))13.

3- حديث سمرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (( لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل، هكذا حتى يستطير هكذا))14 يعني معترضاً.

4- حديث عدي بن حاتم – رضي الله عنه – قال: لما نزلت:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}15 عمدت إلى عقال16 أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله –  صلى الله عليه وسلم – فذكرت له ذلك فقال: ((إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار))17.

رابعاً: الإفطار للصائم عند سماع أذان المغرب:

لا خلاف بين أهل العلم أن أول وقت صلاة المغرب غروب الشمس18، وأن آخر وقت الصيام هو غروب الشمس19، واستدلوا على أن آخر وقت الصيام هو غروب الشمس بما يلي:

أولاً: من الكتاب: قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}20، والليل يدخل بغروب الشمس21.

ثانياً: من السنة: حديث عمر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر من ها هنا، وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم))22.

وعلى هذا فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب يكون إعلاماً للصائم بانتهاء وقت الصوم، وأنه قد حل له الفطر.

خامساً: منع البيع عند دخول وقت الأذان للجمعة:

إذا شرع المؤذن في الأذان الثاني لصلاة الجمعة وهو الذي يكون بعد صعود الإمام على المنبر فإن البيع والشراء يمنعان حينئذ على من تلزمه صلاة الجمعة؛ لورود النهي في قوله – تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}23، ولما فيهما من الاشتغال بهما عن الصلاة، وحمل الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة النهي الوارد في الآية على التحريم24.

وأما الحنفية فقد حملوه على أقل أحوال النهي الكراهة، وقالوا: إن ترك البيع واجب فيكره، ويصح إطلاق الحرام عليه25.

وقاس الجمهور جميع العقود من النكاح والإجارة وغيرها على البيع؛ لأن فيها تشاغلاً عن السعي إلي الجماعة، فأخذت حكم البيع من الكراهة والتحريم26، خلافاً للحنابلة فإنهم قالوا: إن النهي مختص بالبيع، وغيره لا يساويه في الشغل عن السعي لقلة وجوده27.

والصحيح ما عليه الجمهور؛ لأن العلة في النهي هي التشاغل عن السعي إلى الجمعة28، وهي موجودة في سائر العقود.

فهذه الأحكام مترتبة كلها على سماع النداء، نسأل الله أن يفقهنا في الدين، ويعيننا أن نعبده على علم وبصيرة إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله رب العالمين.


 


1 بدائع الصنائع 2/ 188، التمهيد 4/83، مواهب الجليل 2/168، المجموع 4/0، وقال النووي: وهذا مجمع عليه .11.

2 سورة الجمعة (9).

3 عون المعبود شرح سنن أبي داود 3/270.

4 مسلم (1044).

5 النسائي برقم (465).

6 رواه ابن ماجة برقم (785).

7 الإجماع لابن المنذر (7)، التمهيد (1/130).

8 السرحان هو: الذنب، غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 173.

9 العناية 2/ 326، المغني 2/ 30.

10 بدائع الصنائع 2/ 554، المجموع 6/310، المغني 4/ 325، المبدع3/43، البناية 3/2296، المدونة 1/2319، التمهيد 3/69.

11 رواه البخاري برقم (582).

12 رواه البخاري برقم (1785).

13 رواه البخاري برقم (586).

14 رواه مسلم برقم (1833).

15 البقرة (187).

16 العقال: الحبل الذي يعقل به البعير (الصحاح 5/ 38).

17 رواه البخاري برقم) 1783).

18 الإجماع لابن المنذر (7).

19 الهداية 2/326، التمهيد 3/ 69، المهذب 6/ 308، المغني 4/325.

20 البقرة (187).

21 معرفة أوقات العبادات لخالد المشيقح2/118.

22 رواه البخاري برقم (1818).

23 الجمعة (9).

24 القوانين الفقهية 65، مواهب الجليل 2/ 180-182، الأم 1/195، المحموع 4/419، المعني 3/162، كشاف القناع 3/1428.

25 المبسوط 134، بدائع الصنائع 2/ 220.

26 مراقي الفلاح 517- 518،المجموع4/419.

27 المغني 3/164.

28 مراقي الفلاح 518.