هيبة الأذان

 

 

هيبة الأذان 

الشيخ محمد بن صالح المنجد

  عناصر الموضوع:

1. الأذان من خصائص الإسلام وشعائره الظاهرة.

2. كلمات الأذان وعظم أثرها.

3. لماذا الحرب على المآذن.

4. فضل صوم عاشوراء.

5. حكم حضور أعياد الكفار أو تهنئتهم.

 الأذان من خصائص الإسلام وشعائره الظاهرة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإن إعلان التوحيد شيء عظيم، ومن أعظم ما يعلن به التوحيد في اليوم تكراراً ومراراً “الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله”، إعلان الكبرياء لله، والإعلان بأنه وحده لا شريك له المستحق للعبادة دون سواه، وإعلان شهادة خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبد الله  ، لا شك أن هذه الكلمات العظيمة التي تتردد في أرجاء الأرض في مآذن الدنيا، وعلى مدار التاريخ وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها هي شعيرة الإسلام الظاهرة في البلاد، ومن معالم الدين الواضحة، وإعلان دخول وقت العبادة للمسلمين، والدعوة لصلاة الجماعة، ومما يُعرف به أهل البلد من جهة الإسلام، وكان عليه الصلاة والسلام إذا غزا قوماً لم يكن يغزو حتى يصبح وينظر فإن سمع أذاناً كف عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم،رواه البخاري(610).

فهذا الأذان علامة على أنهم مسلمون، وقد اتفق الفقهاء على أن الأذان من خصائص الإسلام، وشعائره الظاهرة، وأن أهل بلدٍ من المسلمين لو تركوه عمداً قوتلوا.

وقد اجتمع النبي  مع أصحابه بالمدينة بعد الهجرة، فجعلوا يتحاورون ماذا يجعلون لاجتماع صلاتهم علامةً على دخول وقتها، ((فأشار بعضهم بنصب رايةٍ فلم يعجبه ذلك، فذكر له الناقوس فقال: هو من أمر النصارى، فقيل: لو اتخذنا بوقاً فقال: ذاك لليهود، فقالوا: لو رفعنا ناراً، فقال: ذاك للمجوس، فأرى الله عبد الله بن زيد الأذان،فقال   لما قصها عليه: إنهالرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك))أبو داود (498) حسنه الألباني.

وقال  : ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم))متفق عليه،فهو فرض كفاية، وشعيرة الإسلام الظاهرة.

ويُختار له ندي الصوت من المسلمين؛ لأنه أبلغ في الإعلام وأجمع للقلوب على الحضور،هذا العمل الكبير من أفضل الأعمال عند الله.

((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا -أي يقترعوا- عليه لاستهموا))البخاري (615), ومسلم(437)، وأخبر النبي  أن (( المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطبٍ ويابس، وأجره مثل أجر من صلى معه))أبو داود (515).، أليس هو الذي ذكرهم بالصلاة، ودعاهم إليها، والدال على الخير كفاعله، و ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة ))مسلم (387).

وقد تشاحَّ الناس في الأذان يوم القادسية فأقرع بينهم سعد أميرهم  .

الأذان مطردةٌ للشيطان، يولي وله ضراط حتى لا يسمع صوت التأذين، كما قال  .

والأذان داخلٌ في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا}(سورة فصلت: 33)،

قالت عائشة رضي الله عنها: “نزلت في المؤذنين”.أوصى النبي  به في الحضر والبدو، وقال لرجلٍ: ((إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌ ولاإنسٌ ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة)).

وقد تنازع العلماء أيهما أفضل: الأذان أو الإمامة؟ 

فاختار بعضهم الأذان، وقال عمر  : لولا الخلافة لأذنت، وقال بعضهم:الإمامة أفضل لمن كان يفقه، فهذه التي تولاه النبي   وخلفاؤه. قال النووي رحمه الله: “وإذا أذن الكافر وأتى بالشهادتين كان ذلك إسلاماً على الصحيح”، يعني لو أراد الإسلام، فقيل له أذن، فأذن دخل في الإسلام.

كلمات الأذان وعظم أثرها

اشتمل الأذان على كلمات مباركة، فيها ذكرٌ لله، وإعلاء لكلمته، وتوحيد في عبوديته،وشهادة بالرسالة لنبيه  ، نفي الشريك عن الله، ودعاءٌ للتوحيد، وإثبات الرسالة لمحمد بن عبد الله  ، ودعوة إلى الصلاة والفلاح،وفيه إشارة إلى المعاد، وختم بكبرياء الله تعالى وعظمته، وبِصِغَر من سواه.

وهكذا كان الأذان ذكريات عبر التاريخ أيضاً، فلما توفي رسول الله   قال بلال: لا أؤذن لأحدٍ بعد رسول الله  ، فأقام حتى خرجت بعوث الشام، فسار معهم، فلما فتح عمر   بيت المقدس، قال عمر لبلال وكان في الجيش: ألا تؤذن لنا، فأذن بلال، فذكَّر الناس النبي   فبكوا بكاءً شديداً حتى لم يُرَ يوماً أكثر باكياًَ منه من ذلك اليوم.

كم من كافرٍ أسلم بسبب الأذان، وتساءل عن هذه الكلمات، أسلمت نصرانيةٌ من أذانٍ سمعته من جوال صديقتها المسلمة، وأخرى زارت بنتها التي أسلمت، فلما سمعت أذان الفجر ورأتها مستعدةً لأداء الفريضة أحست بيقينٍ يدخل قلبها، وكان ذلك سبب إعلان إسلامها.

هذا الأذان الذي يطرق قلب الذي يدخل في الإسلام فيقول أحدهم: أتيتٌ بلداً للمسلمين وأنا أكره الإسلام، ومع مرور الوقت وأنا أسمع الأذان صرتُ أفكر فيه، وأسأل عن معانيه، فتأثرت بقول الله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}(آل عمران : 85)، فدخل الإسلام قلبي وأسلمت وكانت بدايته في ذلك الأذان الذي أسمع صوت المنادي به.

وهذا الأذان الذي يرفع على أسطح المساجد كان في عهد النبي وخلفائه، ثم صارت المآذن لما ازدحمت المدن بالأبنية علامة على المسجد، يعرف بها المسجد من بين زحام الأبنية، فيقصده المصلون، وتظهر فائدته وسط البنايات المزدحمة المرتفعة فتكون المئذنة دليلاً للناس الذي يريدون الصلاة على مكان المسجد.

الله أكـبر في المـآذن دعـوة في كـل محرابٍ لها تـرداد

ورفع الصوت بالأذان من السنة، وكان بيتُ امرأة من بني النجار من أطول بيتٍ حول المسجد كان بلالٌ يؤذن عليه الفجر،رواه أبو داود وهو حديث حسن.

وكانت دار عبد الله بن عمر فيها اسطوانة في قبلة المسجد يؤذن عليها بلال، ثم صارت هذه المنارات والمآذن.

لماذا الحرب على المآذن

ولما دخل الإسلام بلاد الكفر بهذه الجاليات التي بنت بيوتاً لله في البلاد التي استقرت فيها، ومن طبيعة المسلمين الاجتماع للجمعة والجماعة، واتخاذ بيوت العبادة، وبناء المساجد، وبيوت الله التي يذكر فيها ويرفع فيها اسمه  {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ}(النور :36 – 37).

ولما رأى أعداء الله ظهور الدعوة وارتفاع صوت التوحيد، وهذا التكبير لم يرقهم ذلك،فمسحوا ما يسمى بالتنوع والتسامح والحرية والحياد والعالمية، وصاروا يحاربون رموز الإسلام، وشعائره الظاهرة، وصوتوا على منع بناء المآذن في بعض بلدانهم، وأراد اليهود منع إعلان أذان الفجر في مساجد القدس بدعوى أنه يزعجهم، وجعلت بعض الأحزاب الأوروبية قرارات ودراسات واجتماعات لعلاج هذه القضية بزعمهم، ورفعوا لواء أوروبا بلا مآذن، وقالوا بأن هذه رموز إسلامية لا يمكن تحملها، وكيف نسمح بسماع الأذان في سماء بلادنا، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(البقرة : 114).

وهؤلاء الذين يتبعهم المنافقون ويتخذونهم أئمة لهم وقدوةً في العلمنة والحرية بزعمهم هم الذين يحملون اليوم لواء المعاداة للإسلام والسعي في طمس شعائره، وهكذا يتم قذف بعض مساجد المسلمين بالحجارة والأخشاب وما هو أكثر من ذلك من الأشياء الحارقة، وما هذا إلا غيضاً من انتشار الإسلام في تلك البلاد.

ففي سويسرا على سبيل المثال يوجد ثلاثمائة وعشرة آلاف مسلم وأكثر من مائة وستين جامعاً، ويعتبر الإسلام هو الديانة الثانية في البلاد.

وسراب الديمقراطية وزيف حرية الرأي لدى الغرب ينهار مع الحقد على الإسلام {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}(آل عمران: 118)، وهذا التناقض الصارخ بين الديمقراطيات المزعومة، وحرية الأديان وحرية الرأي يتهاوى أمام هذا السعي، لمنع بناء المساجد، ومنع المآذن، ومنع الأذان، وكذلك منع الحجاب.

وإذا نظرت في قضية منع الأذان ومنع الحجاب وجدت أن هذين الأمرين من الدعوة الظاهرة للإسلام، ومن شعائر الدين الظاهرة التي تدعو بنفسها، وتعلن دين الله ​​​​​​​ ، فصار الخوف والذعر حتى من مقابر المسلمين والمناداة بعدم تخصيص مقابر خاصة للمسلمين، ثم منع عمليات الذبح للحيوانات بحجة عدم تخديرها قبل ذبحها، وأن هذا يخالف الرفق بالحيوان، وكذلك المطالبة بدمج المسلمين، ومعنى ذلك ذوبان الشخصية الإسلامية وزوال المزايا الإسلامية، وهكذا صار المسلمون يحسون بالاضطهاد في توظيفهم وإسكانهم والخدمات ونحو ذلك مما يطالبون به.

ومن ظواهر هذا ما صار من الاعتداء على امرأة مسلمة في محكمة ألمانية حتى أرديت طعناً أمام الجميع.

وهكذا لا يريدون مصليات ولا مساجد صغيرة حتى في المطارات، بل وغرامات لبعض المساجد التي تؤذن اتهاماً بإزعاج العامة، وإحداث ضجيج الصوت، والتلوث الصوتي بزعمهم، وأولياء الشيطان يزعجهم ما يزعج الشيطان.

ولا شك أن الذعر من انتشار الإسلام وازدياد أعداد المسلمين شيء ظاهر، فقد قفزت نسبة الجالية المسلمة في أسبانيا مثلاً من 3.2% في عام 98م إلى 13.4% عام 2007م، وهكذا تشير التوقعات إلى أن أعداد المسلمين ستتفوق على سواهم في معظم دول أوروبا الغربية وأن أسماء محمد وآدم وأيوب وأمين وحمزة ونحو ذلك باتت من أكثر سبعة أسماء شيوعاً واستخداماً في بلجيكا، وصارت المطالبة بتشديد القيود على المسلمين، والمحاصرة وأنواع الإيذاء، {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(سورة التوبة : 32)،

وتراجعٌ حاد في أعداد الكنائس بل وتتحول كنائس إلى مساجد، يشتريها المسلمون،ويجعلونها بيوتاً لله عز وجل، وفي هولندا يستورد القساوسة من أفريقيا بسبب إعراض شبابهم عن هذه الوظيفة وعن الدراسات اللاهوتية، وتغلق عشرات الكنائس، وموجة الأسلمة التي يتحدثون عنها بهذه الأعداد التي تزادد يومياً للداخلين في الإسلام، وثلاثة وستون نمساوياً يعتنقون الإسلام يومياً في (فينَّا)، وتزيد أعداد المساجد في الولايات المتحدة على ألفين، وفي نيويورك أكثر من مائة مسجد وحدها، وترتفع في بريطانيا أكثر من ألف مئذنة، وتعلو في سماء فرنسا ألف وخمسمائة وأربعة وخمسين من مآذن المساجد لا تكاد تتسع للمصلين، وتفوق أعداد المساجد والمصليات في ألمانيا ألفين ومائتين، وفي هولندا تزيد على أربعمائة، وفي بلجيكا تزيد على ثلاثمائة، وفي إيطاليا وحدها مائة وثلاثون مسجداً أبرزها مسجد روما الكبير، وهكذا تزداد رقعة الإسلام في العالم، ويزداد الدين انتشاراً، ويزداد الناس عليه إقبالاً، ويزيد الإعلان والإشهار بشعائره الظاهرة ولا شك أن كل هذا يقلقهم جداً،

ثم يقوم بعض المنافقين ليقولوا: فلماذا لا نجعل لهم كنائس كما أن من حقهم منع مساجدنا لهذا السبب؟، وهذا الجاهل أو المغرض الذي يريد أن يسوي بين الحق والباطل، والإسلام والكفر، والتوحيد والشرك، ويعطي كل واحد منهما الوزن نفسه، ويريد أن يقارن هذا بهذا، ويقول: لماذا لا نبني لهم كنائس كما أنهم يبنون لنا المساجد؟ فنسمح لهم بهذا مقابل هذا، أفترضى أن يعبد غير الله وأن يشرك به، أفتسوي بين الحق والباطل، أفترى أن بيوت النار للمجوس، وبيع اليهود، وكنائس النصارى، وصوامع الرهبان، ومعابد البوذيين والهندوس، عندك وبيوت الله والمساجد سواء، فتقابل هذا بهذا، وتريد أن يكون هذا مع هذا مقايضة، فواعجباً لمن يسوي بين الإسلام والكفر، وقد قال الله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(آل عمران: 85)، وقال النبي  : ((والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار))،رواه الإمام مسلم-رحمه الله تعالى- في صحيحه، والمسلم إذا لم يستطع إقامة شعائر الدين الظاهرة في بلاد الكفر؛ فلا يجوز له الإقامة فيها، لقول النبي  : ((أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين))رواه أبو داود وهوحديث صحيح، ومن أقام فيها لضرورة أو حاجة فلا بد أن يأمن على دينه، وأن يستطيع إقامة شعائر الدين الظاهرة، وكذلك لا بد أن يتمكن من إقامة الجمعة والجماعة، وصوم رمضان ونحو ذلك من إظهار الدين، وإلا وجبت عليه الهجرة والمغادرة بلا ريب ولا شك، قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: “ومتى عجز المسلم عن إظهار دينه في بلد إقامته بحيث لا يأمن على دينه وعرضه وماله، فإنه يجب عليه الهجرة إلى بلاد آمنة يستطيع فيها أن يؤدي شعائر دينه بأمن وراحة بال إذا استطاع ذلك”، وقال: “فتجب الهجرة إلى دار الإسلام على كل مستطيع لها إن عجز عن إظهار دينه، وكذلك من خاف فتنة في الدين وجبت عليه الهجرة حتى لو لم تجد المرأة محرماً لقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}(النساء : 97)، وواجبنا أن ندعم إخواننا المسلمين في أنحاء العالم وأن نناصرهم وأن نفزع لذلك بكل طريق نستطيع إعانتهم به، وأن نوقن بأن المستقبل للإسلام”.

هي الشريعة عـين الله تكلـؤها  فكلما حاولوا تشويهها شاهوا

وما يفعله الغرب في الإسلام الآن سيؤدي في خاتمة المطاف إلى إيمان كثير من أوروبا برب الغلام.

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت   أتـاح لـها لسـان حسـود

حتى قال بعض الغربيين ستشرق الإسلام من جديد، ولكنها في هذه المرة تعكس حقائق الجغرافيا فهي لا تشرق من المشرق عادة، وإنما ستُشرق هذه المرة من جهة الغرب، نسأل الله أن يعز دينه، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم إنا نسألك أن تنصر دينك وكتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم في العالمين، اللهم أعن من نصر الدين، ووفقه وكن معه يا أرحم الراحمين، وأخذل من خذل المسلمين، إنك على كل شيء قدير، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وسبحان الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

فضل صوم عاشوراء

عباد الله: يحل علينا غداً يوم (تاسوعاء)، ومن بعده يوم (عاشوراء) يوم عظيم نجا الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم فرعون، وأغرق فرعون وقومه، فلما ((قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء قال ما هذا؟ قالوا هذا يوم صالح، هذا يوم نجا الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه))رواهالبخاري، فيسن صيامه شكراً لله تعالى وتعظيماً له وجعل فيه أجر عظيم، وهو أنه يكفر سيئات سنة كاملة، فقال  : ((وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله))رواهمسلم.

فهذا من فضل الله علينا، حَرِصَ الصحابة على صيامه، وجعلوا يصوّمون صغارهم حتى إذا بكى الواحد منهم أعطوه اللعبة من العهن يتلهى بها حتى يأتي وقت الإفطار، وقال عليه الصلاة والسلام إذا كان العام المقبل إن شاء صمنا اليوم التاسع، وكان لذلك مناسبة كما جاء في صحيح مسلم، روى الحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((حينما صام رسول الله   يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع))، فهذا إعلان أنه أراد أن يصومه، وبناء عليه فإن صيام التاسع والعاشر، أفضل من صيام العاشر والحادي عشر، ولو قال أصوم الثلاثة، نقول هو خير على خير لأن الإكثار من الصيام في محرم سنة، وهو يوم اثنين في هذه السنة، فله شرف أيضاً، وإن قال أريد أن أصوم عاشوراء فقط قلنا ذلك جائز، والمخالفة هنا من نوع المخالفة المستحبة وليست الواجبة،

قال شيخ الإسلام بن تيمية: “ولا يكره إفراد عاشوراء بالصوم” وقال النووي: “والحكمة في استحباب صوم تاسوعاء مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر”، فإذاً هذا من نوع المخالفة المستحبة كالصلاة في النعال مخالفة لليهود، هذا موضعه فيما إذا كان المكان مناسباً كالأماكن المفروشة بالرمل والحصى ويتزامن مع عاشوراء هذا أيضاً، ومع هذه المناسبة الإسلامية العظيمة التي نجا الله فيها موسى ومن معه، ما يحصل من أهل البدعة والضلالة والشرك، في جعله مناحة وقلبِهِ إلى مأتم،

قال أهل العلم ومنهم ابن رجب رحمه الله تعالى: “ولم يأمر الله ولا رسوله، باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً، فكيف بمن دونهم”، ولم يأمر النبي  باتخاذ يوم أحد مأتماً، وقد قتل فيه سبعون من المسلمون الأبرار، ولا يوم بئر معونة الذي قتل فيه سبعون من القراء من الصحابة، ولا يوم موت النبي   نفسه لم يكن عند الصحابة يوم مأتم، وهذه فرصة لأعداء الله يشنعون بها على الإسلام من خلال البدع والضلالات التي يرتكبها هؤلاء المغرضون.

حكم حضور أعياد الكفار أو تهنئتهم

 وأما ما يتزامن أيضاً مع هذه المناسبة من أعياد الميلاد، فلا شك أن هنالك تفريط عظيم من بعض المسلمين بالتشبه بالكفار فيها، وقد قال  : ((من تشبه بقوم فهو منهم))رواهأبو داود وهو حديث صحيح، وهذا فيه تهديد خطير لأن ظاهره كفر المتشبه، ((من تشبه بقوم فهو منهم))، وفي كفره تفصيل بحسب اعتقاده، فقد يفسق، وقد يكفر، بحسب نيته، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: “من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجاناتهم، وتشبه بهم حتى يموت خسر في يوم القيامة”، ومشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرورهم، وتطمعهم في المزيد من الموافقة لدينهم، ولا شك أن الأعياد من شعائر الأديان، وعلامات الأديان، والفروق بين الأديان، ولكل دين أعياد، فالأعياد قضية دينية، وليست قضية عادات وتقاليد، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {لاَتَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء}(سورة المائدة : 51)،

ومن صور المولاة مشاركتهم في أعيادهم، وقد قال عز وجل: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}(سورة الفرقان : 72)، فسرها كثير من العلماء بأعياد المشركين، ويدخل في ذلك إهداؤهم ما هو من لوازم أعيادهم، أو بيعهم هذه المستلزمات من أنوار وأشجار ومأكولات معينة ونحو ذلك، وهذه أعياد لأديان فاسدة شركية وكفرية، قال ابن القيم رحمه الله: “ولا يجوز للمسلمين حضور أعياد المشركين باتفاق أهل العلم”، وقال عمر : “لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم”، وقال: “اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم”، وبناء عليه فإن تهنئتهم بها من المشاركة، قال ابن القيم رحمه الله: “وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنئ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر والزنا وارتكاب الفرج الحرام، وكثير ممن لا قَدْر للدين عنده، يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل”، يقول ابن القيم -أيضاً-: “فمن هنَّأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفرٍ فقد تعرض لمقت الله وسخطه”، والمؤسف أن بعض تجار المسلمين يشاركونهم في هذا كما تزداد الأنوار في واجهات المحلات، وتعلق فيها أشجار وزينات خاصة بأعياد الميلاد، وبعض هؤلاء لا يدرون عن شيء، ولكن من وكلوه بإدارة محلاتهم ومتاجرهم، يكون فيه من جنس كفر هؤلاء أو من مشاركتهم وفسقِهِ ما يحول به واجهات المحلات إلى مشابهات واضحة وعلامات المشاركات الواضحة لهذا،

ولذلك فلا بد من التحذير والحذر ولا بد أن يكون ديننا مستقلاً عن غيره، ولنا عيدنا، كما قال عليه : ((لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا))، هذا يفيد الاختصاص، وأيضاً فإن ربنا تعالى يقول: { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ*لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} ثم قال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} فلكم دينكم المستقل بكفره، وشركه، وبدعه، وضلالاته، وأعياده ومعتقداته، وعباداته الباطلة، ولنا دينا المستقل بأعياده، وعباداته،وشعائره،

وهكذا لا يشارك المسلمون غيرهم في قضايا دينهم وعقيدتهم، وإنما يُعلنون شرعهم ودينهم مستقلاً غير ممزوج ولا مختلط بباطل أو بدعة أو شرك ويكون هذا التميز بحد ذاته من الدعوة للإسلام، ولا يعني هذا إساءة المعاملة ولا يعني هذا الاعتداء فإن رفض المشاركة ليست اعتداءً أو إعلان حرب، وإنما هي استقلالية، وتميز، وهي إعلان عدم اختلاط الإسلام بغيره، واستقلالية أعياد الإسلام وعبادات الإسلام وشعائر الإسلام عن غيره، وهذا التميز مهم جداً لمن أراد أن يلقى الله بقلب سليم؛ لأن صاحب القلب السليم الذي ينجو يوم الدين لا يكون فيه مشاركة للمشركين والكفار في شيءٍ من شعائرهم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعز دينه وأن ينصر عباده المؤمنين، وأن يعلي كلمة الدين، اللهم نسألك أن تنصر من نصر الدين، وأن تخذل من خذل المسلمين، اللهم انصر إخواننا الجنود الذين يقاتلون أعداءك، اللهم اجعل نصرك وتأييدك ومعيتك لهم يا رب العالمين، كن معهم ولا تكن عليهم، وأعنهم ولا تُعن عليهم، وأنصرهم ولا تنصر عليهم، يا رب العالمين، واجعل بلدنا هذا آمناً مستقراً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين،أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا، واجعل ما أنزلته علينا من غيث عوناً على طاعتك، اللهم إنا نسألك أن تجعله غيثاً مُغيثاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق عبادك وأحي بلدك، ونسألك أن ترفع الضر عنا وعن المسلمين، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.