الأسباب الجالبة لمحبة الله

الأسباب الجالبة لمحبة الله

الأسباب الجالبة لمحبة الله

 

الحمد لله حمداً يليق بجلاله وعظمته، والصلاة والسلام على خير رسله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فإنَّ تحصيل محبة الله- عز وجل- ليس بالأمر السهل، وليس الشأن أنك تحب الله، ولكن الشأن أن يحبك الله تبارك وتعالى، عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر: (لأعطين الراية غدا رجلاً يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله).. رواه البخاري، لقد حرص الصحابة رضي الله عنهم على محبة الله  وكسب رضاه أشد الحرص، وتسابقوا في الحصول عليها، والرغبة فيها أشد المسابقة، حتى أن عمر -رضي الله عنه- لما سمع قوله عليه الصلاة والسلام: "لأعطين الراية غدا رجلاً يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" لم يتمنى الأمارة إلا يومئذ. والمحبة أيها الأحبة منزلة عظيمة، وهي منزلة من منازل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} سورة الفاتحة (5)؛  "التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون؛ فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه"1. وكل إنسان يدعي محبة الله، ولم يقدم بينة فهو من الأدعياء، وهو مطالب بالبرهان على ذلك،  يقول ابن القيم- رحمه الله-: "لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي فتنوع المدعون في الشهود فقيل لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة؛ {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}سورة آل عمران(31).

والمحبة شبهها العلماء بشجرة إذا غرست في القلب، وسقيت بماء الإخلاص، ومتابعة الحبيب؛ أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها، أصلها ثابت في قرار القلب، وفرعها متصل بسدرة المنتهى، لا يزال سعي المحب صاعداً إلى حبيبه، لا يحجبه دونه شيء، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"2.

ولكن هذه المحبة – أيها الفضلاء- لابد للحصول عليها واستجلابها من فعل أسباب مؤدية إليها:

 أحدها: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه، وما أريد به؛ كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه.

الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض فإنها توصله إلى درجة المحبوبية بعد المحبة.

الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.

الرابع: إيثار محابه على محابك وشهواتك، خاصة إذا غالبك هواك لتؤثر شهواتك.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة.

السادس: ملاحظة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.

السابع: وهو من أعجبها انكسار القلب بكليته بين يدي الله -تعالى- وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات.

الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيداً لحالك ومنفعة لغيرك.

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله -عز وجل-.

 ومن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب وملاك ذلك كله أمران: 1- استعداد الروح لهذا الشأن. 2- وانفتاح عين البصيرة. وبالله التوفيق3. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


1 ذكر ذلك العلامة ابن القيم- رحمه الله- في المدارج.

2 – انظر مدارج السالكين (3/6) وما بعدها. الناشر : دار الكتاب العربي – بيروت. الطبعة الثانية(1393هـ ). تحقيق : محمد حامد الفقي.

3 – مدارج السالكين(3/17).