مسابقة ثقافية لكبار السن
الحمد لله كثيراً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
مهما كان عمر الإنسان صغيراً كان أو كبيراً؛ فإن عقله يحيط بمعلومات تناسب مستواه، ومحيطه، وبيئته، وباختلاف المستوى يختلف المحتوى، ولذا كان تفاوت المقدور الذهني أمر بدهي.
وعلى كلٍّ فإشعار كبار السن بأهميتهم، وتحسين العلاقة معهم؛ وإجلالهم وتوقيرهم؛ أمر مأمور به شرعاً، وهو ذو أهمية كبرى.
وكثير من كبار السن ربما كان بالأمس له كلمته ومكانته، واليوم أضحى لا يصدِّق حين يكلمه فلان أنه كلَّمه، لقلَّة اعتبار الآخرين له من الشباب.
وقد وجدت فجوة كبيرة بين الدعاة وكبار السن لأسباب من أبرزها اهتمامهم بالشباب والأطفال، وتهميش الكبار بحجة أنهم ليسوا ذوي أهمية في حق الدعوة، وأن دعوة صغار السن وأبناء الجيل هي أولى بالتركيز، وهذا كله يؤدي إلى إشعار للكبار بأنهم خارج دائرة الناس، وأنهم لم يعد لهم في الحياة إلا الحاجات الخاصة كالأكل، والشرب، والنفس، والحركة، وما أكبر هذا الخطأ.
إن الاهتمام بكبار السن له دوره الفعال في تحسين صورة الداعية، وترويج لأخلاقه؛ فهم أكثر من يثني ويمدح، ذلك لأنهم يعايشون عصراً غير عصرهم، وأناساً غير أناسهم، ولو لمسوا من أحد في الوسط الذي لا يُلقى لهم بالاً اهتماماً وعناية بهم لسجلوه في قائمة أهل الأخلاق، ولأعطوه مكانة في نفوسهم، وصار عندهم عظيماًً.
وحري بإمام المسجد أن يولي كبار السن اهتماماً بمشاعرهم وأحاسيسهم ليجني من ورائهم الدفع بأبنائهم، والدفاع عنه من خلفه، والحث على مجالس دعوته، وحضور دروسه، ليكتب الله أجر أعمالاً صالحة عملوها للإمام الكريم.
ومن صور الاهتمام بهم وإشعارهم أن لديهم صلاحية التأقلم والانسجام مع الواقع ما نحن بصدده من إعداد مسابقة ثقافية لهم، ولعل هذا يتجلى في طريف ما وقع عقب إحدى المسابقات وقت التكريم واستلام الجوائز حين كان الطلاب يصعدون لاستلامها إذا رفع أحد الشيوخ من كبار السن في مؤخرة المسجد صوته قائلاً: {يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً}(النساء:73).
وما الحائل دون عقد مسابقة للكبار يُستعاد به نشاطهم، وتروض أذهانهم، وتحفظ ثقتهم بأنفسهم، وتشوقهم إلى التزود من العلم.
مضمون المسابقة:
قبل المسابقة لا بد أن نعلم أن كبار السن في الحي غالباً ما يكون مستواهم الثقافي عادي بل أحياناً دون العادي، وعليه فلا يُسألوا عن نهر الأمازون، ولا مثلث برمودا، ولا عن الحرب العالمية الأولى، أو تاريخ سقوط الدويلات، ولكن أكثر ما يجيدون معرفته المعالم الزراعية، ومنازل القمر، وظهور الشمس، ونزول الأمطار، وأمثال ذلك من أمور الطبيعة.
ويجيدون بعض أمور الدين كالطهارة والصلاة بدون تفاصيل واستشكالات الفقهاء، كما لديهم بعض الأحداث اليسيرة التي عايشوها لكن دون دقة في تفاصيلها، وبعض الأخبار عن السيرة النبوية، وربما بعض الغزوات وبدون دقة وتحليل أيضاً.
كما أن بعض الكبار يحفظ من أشعار الأولين البيتين والثلاثة من الأشعار الشعبية غالباً، وتختلف الأحوال من حي إلى آخر، وكل إمام المسجد أدرى بحيِّه من غيره.
طريقة المسابقة:
لا بأس أن يتم تقسيم الكبار إلى فريقين، ويراعى عدم التدقيق في اصطفافهم أو ترتيبهم، وإشعارهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة بشبههم بالصغار، ولا مانع من تبسيط الأسئلة بالخيارات والتقريب، وقد لا يتحمل الكثير منهم الإطالة، وإرجاء الجوائز إلى يوم آخر.
الجائزة القيمة لديهم أن تكون مما يلبسون أو يأكلون، أو يجعلونه في بيوتهم ظاهراً، أو عطر وما شابه ذلك، فالغالب لا أنهم لا يميلون إلى الكتب والأشرطة والإليكترونيات…إلخ.
وقبل ذلك كله وبعده لنعلم أن الدعوة إلى الله شاملة لكل فصائل المجتمع، وكبار السن هم فصيل له مكانته وخبرته في الحياة، وتجاربه وخوضه المتاعب والمصاعب والليالي والأيام، فلا يستهان بهم، فليكن لهم عين دائمة التحديق إليهم.
ختم الله لنا ولهم بالحسنى بعد طول عمر وحسن عمل، ووفقنا لما يحبه ويرضاه، والحمد لله رب العالمين.