عملت البارحة كذا وكذا !!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
ليس غريباً أو عجيباً أن يعصي الإنسان لا سيما في هذا الزمن الذي قد عمّت المعاصي وطمّت، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ولكن العجيب والغريب أن يُتساهل فيها، على الرغم مما لها من عواقب وخيمة، ومفاسد عظيمة، وسواء كانت هذه المعاصي من كبائر الذنوب، أو كانت من الصغائر، فكلها مما حذر الله منها، ورهب من التمادي فيها فقال الله-تعالى-: لاّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ سورة النساء(148). وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.. سورة الأعراف (33). وعن سالم بن عبد الله قال: سمعت أبا هريرة-رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)1. وعن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله غلا سلط عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله إلاَّ جعل الله بأسهم بينهم)2. وما أكثر ما يجاهر الناس بمعاصيهم؛ فهذا يجاهر بمحاداة دين الله-عز وجل- عبر الصحف والمجلات، وذاك يتحدث أمام الملأ عن سفرته وما تخللها من فسق وفجور، فيتفاخر بذلك في المجالس ويحسب أن ذلك من الفتوة وكمال الرجولة، وهو -والله- من الذلة والمهانة وضعة النفس وخبث الباطن وضعف الإيمان جداً وقسوة القلب، وهذا شاب يتحدث عن مغازلاته ومغامراته، وتلك فتاة تتحدث عن علاقاتها الآثمة عبر الهاتف.. وهذا صاحب عمل يعطي زملائه دروسا مجانية في ظلم العمال وأكل أموالهم. وهذا عامل يكشف ستر الله عليه فيتحدث عن سرقته لصاحب العمل ويعلم أصدقائه بعض الحيل في ذلك- ولا حول ولا قوة إلا بالله-3. وعن عمر بن عبد العزيز-رحمه الله- قال: كان يقال: إن الله – تبارك وتعالى- لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم4. قال النووي-رحمه الله-: الذي يجاهر بالمعصية يكون من جملة المُجَّان، والمجَانَةُ مذمومة شرعاً وعرفاً فيكون الذي يظهر المعصية قد ارتكب محذورين: ظهار المعصية وتلبسه بفعل المجان5.
وقد كثرت وتعددت صور المجاهرة بالمعصية، في أيامنا هذه وخذ على سبيل المثال لا الحصر:
1. الدعوة إلى وحدة الأديان وتصحيح عقائد الكفر.
2. الاحتفال بأعياد الكفار وإعلان ذلك في الصحف والمجلات والقنوات مثل الاحتفال بالكريسمس وعيد الحب وعيد الأم وغيرها.
3. خروج المرأة أمام الملأ متعطرة ومتزينة.
4. تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء.
5. لبس العباءات القصيرات المزركشات أو الشفافة، أو لبس البنطالات وهي والله أم المنكرات
6 خلوة المرأة بالسائق الأجنبي، وكذلك خلوتها بالبائعين في الأسواق التجارية والمحلات.
7 تركيب أطباق ( الدش) على أسطح المنازل واستقبال القنوات الفضائحيات.
8. العكوف على سماع ومشاهدة المغنين والمغنيات عبر التلفاز أو الراديوهات.
9 حلق اللحى، وتغيير صنع الخالق وهي مجاهرة تشمل المحلوق والحالق.
10.المعاكسات والمغازلات في الأسواق والشوارع والحدائق.
11.قص الشعر على مثال أهل الكفر.
12.ترك الرجال لصلاة الجماعة من غير عذر.
13.سفر المرأة وحدها بدون محرم.
14.لبس الرجال للذهب والحرير المحرم.
15.إسبال الرجال للثياب.
16.ولبس الذكور الشورتات القصيرات التي تظهر الفخذين والسير بها في الشوارع.
17.أو لبس السلاسل والقروط، وشفعها كذلك بالفانيلات التي عليها صور كل خليع وخليعة ومائع.
18.التساب والتلاعن عمداً أمام الملأ.
19.السخرية والاستهزاء بأهل الدين والعفاف من الرجال و النساء، ووسمهم بالتخلف والرجعية6.
وغير ذلك من الصور المتجددة والمتعددة.
وللمجاهرة بالمعاصي مفاسد وعواقب وخيمة، فإنها تدل على استخفاف صاحبها بأوامر الله -عز وجل- ونواهيه، وأنها تؤدي إلى اعتياد القبائح واستمرائها وكأنها أمور عادية لا شيء فيها، وأنها بمثابة دعوة للغير إلى ارتكاب المعاصي وإشاعة الفساد ونشر للمنكرات، وأنها ربما أدت إلى استحلال المعصية فيكفر بذلك -والعياذ بالله-، وأنها دليل على سوء الخلق والوقاحة وقلة أدب صاحبها، وأنها دليل على قسوة القلب واستحكام الغفلة من قلب المجاهر؛ قال العلامة ابن بطال-رحمه الله-: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف؛ لأن المعاصي تُذلُّ أهلها، ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حداً، وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين، رحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك7. واجبنا نحو المجاهرين؛ نصحه سراً، فإن لم ينفع معه ذلك وجب زجره وردعه عن فعله ذلك بما يناسب حاله ومقامه، قال صاحب منظومة الآداب: وقال القاضي أبو حسين في التمام: لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة. وظاهر إطلاقه لا فرق بين المجاهر وغير كالمبتدع والفاسق، فينبغي لك عن كنت متبعاً سنن من سلف أن كل من جاهر بمعاصي الله لا تعاضده ولا تساعده ولا تقاعده ولا تسلم عليه، بل أهجره ولاقه بوجه مكفهر8. وقال ابن تميم -رحمه الله-: وهجران أهل البدع كافرهم وفاسقهم، والمتظاهر بالمعاصي، وترك السلام عليهم فرض الكفاية، ومكروه لسائر الناس9.
وهجران من أبدى المعاصي سنةٌ ** وقد قيل إن لم يردعه أوجب وأكد
وقيل على الإطـلاق مادام مُعلناً ** ولاقـهْ بوجـهٍ مُـكفهـرٍّ مُربَّـدِ10
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1 – رواه البخاري واللفظ له ومسلم.
2 – رواه ابن ماجه.
3 – انظر مطوية: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين" إعداد دار الوطن.
4 – انظر الموطأ(2/991).
5 – فتح الباري(10/502).
6 – راجع مطوية: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين" إعداد دار الوطن.
7 – انظر فتح الباري(10/502).
8 – غذاء الألباب -شرح منظومة الآداب للسفاريني(1/256- 261).
9 – المصدر السابق(1/269).
10 – انظر غذاء الألباب(1/256- 258).