المأموم في السفر

المأموم في السفر

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن للمسافر أحكاماً كثيرة تناولها العلماء بالتفصيل، ومن هذه الأحكام حكم صلاة المسافر إذا كان مؤتماً بغيره.

فالمأموم في السفر: إما أن يكون مصلياً خلف مسافر، أو خلف مقيم، وعليه في كلا الحالتين متابعة إمامه في الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما جُعِلَ الإمام ليؤتم به)) رواه البخاري (371)، ومسلم (411).

صلاة المسافر خلف مسافر:

إذا كان الإمام مسافراً والمأموم مسافراً أيضاً فإن المأموم يتابع إمامه في صلاته، فإن صلى بهم قصراً قصر معه، وأن أتم أتم معه؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم "كانوا يصلون خلف عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهم في سفر في منىً أربعاً" رواه البخاري (1032)، ومسلم (695)، وهذا يدل على أن المأموم يتبع إمامه في الإتمام، مع أن السنة في السفر القصر، ولكن لو أتم جاز مع الكراهة، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية1 رحمه الله، ومال إليه العلامة ابن العثيمين2 رحمه الله.

صلاة المسافر خلف المقيم:

اختلف العلماء في المسافر إذا صلى خلف إمام مقيم هل يتم معه أم يقصر، على أقوال:

قال إسحق: للمسافر القصر؛ لأنها صلاة يجوز فعلها ركعتين، فلم تزد بالائتمام كالفجر.

وقال طاوس والشعبي وتميم بن حذلم في المسافر يدرك من صلاة المقيم: ركعتين يجزيان.

وقال الحسن والنخعي والزهري وقتادة ومالك: إن أدرك ركعة أتم، وإن أدرك دونها قصر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة))، ولأن من أدرك من الجمعة ركعة أتمها جمعة، ومن أدرك من أقل من ذلك لا يلزمه فرضها

وذهب الجمهور إلى أن المسافر إذا صلى خلف إمام مقيم فإنه يتم سواء أدرك جميع الصلاة أو ركعة أو أقل، وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وجماعة من التابعين، وبه قال الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي، والإمام أحمد فعن موسى بن سلمة قال: "كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعاً، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: تلك سنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم"3، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعاً، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين" رواه مسلم (694)، وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى: "المسافر متى ائتم بمقيم لزمه الائتمام سواء أدرك جميع الصلاة أو ركعة أو أقل، قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن المسافر يدخل في تشهد المقيم قال: يصلي أربعاً"4، وقال الشيخ ابن العثيمين رحمه الله في جوابه على سؤال هذا نصه: "إذا أدرك المسافر من صلاة الإِمام ركعة في الصلاة الرباعية فبكم يأتي؟ الجواب: يأتي بثلاث، وإن أدرك ركعتين أتى بركعتين، وإن أدرك ثلاثاً أتى بركعة، وإن أدرك التشهد أتى بأربع لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((وما فاتكم فأتموا))"5.

أما نية القصر للمأموم فليست شرطاً في الصلاة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة بذلك، فيلزم المأموم متابعة إمامه في الإتمام والقصر، ولأن القصر هو الأصل في السفر فلا يحتاج إلى نية كالإتمام في الحضر قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهو الصحيح وهو الأظهر"6، ورجحه الشيخ ابن عثيمين7.

ويتفرع عن هذه المسألة جملة من المسائل يقع فيها كثير من المسافرين وليست بصواب، ولا أثر لنية الإتمام أو القصر فيها:

– إذا نوى المأموم الإتمام وصلى إمامه قصراً فيقصر مثله.

– إذا نوى القصر وصلى إمامه إتماماً لزمه ما صلى إمامه فيتم.

– إذا دخل في الصلاة ولم ينو القصر أو الإتمام صلى ركعتين، وصحت صلاته سواء إماماً أو مأموماً.

– إذا ائتم بمن شك فيه هل هو مسافر أو مقيم يلزمه ما صلى إمامه.

– إذا نوى المسافر الإتمام سواء كان إماماً أو مأموماً ثم تذكر أنه مسافر صلى قصراً، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لأنه الأصل في صلاة المسافر8.

نسأل الله بمنِّه وكرمه أن يفقهنا في ديننا، وأن يلهمنا رشدنا، وينفعنا بما علمنا، والحمد لله رب العالمين.


 


1 مجموع الفتاوى (20/360).

2 لقاءات الباب المفتوح (4/12).

3 مسند أحمد (1862)، وحسنه شعيب الأرناؤوط.

4 المغني (2/129).

5 الشرح الممتع (4/368).

6 مجموع الفتاوى (24/21).

7 الشرح الممتع (4/371).

8 الشرح الممتع (4/371).