اجمع أوراقك

اجمع أوراقك

 

أيها الأخ الحبيب: إن الدعوة إلى الله تعالى، وتبليغ دينه للناس؛ هي مهمة كل مسلم بقدر ما يستطيع، وهي لا تقل مضاءً عن توجيه السهام إلى نحور الأعداء، بل إن تبليغ السهام إلى نحور الأعداء يستطيعه كل أحد، لكن تبليغ شرع الله لا يقدر عليه إلا الأصفياء ممن اختارهم الله تعالى لذلك، وهذه المهمة هي شرف لمن يقوم بها قدر استطاعته؛ لأن الله سبحانه قد وعد بإظهار دينه على كل الأديان، وتبقى المسألة هي من الذي سيشرفه الله بأن يجعله سبباً من أسباب نشر هذا الدين، وتعاليمه وواجباته وسننه؛ لذا حث تعالى المؤمنين على تبليغ هذا الدين، ووعدهم زيادةً على تشريف التبليغ أجوراً عظيمة واسعة فقال جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(سورة فصلت:33)، وجاء الأمر النبوي الكريم بتبليغ هذا الدين فقال: ((بلغوا عني ولو آية…)) رواه البخاري برقم (3202).

والباحث في هذا الأمر يجد من الوسائل التي يبلغ بها هذا الدين الشيء الكثير، وهذه الكلمات تلفت انتباه إمام المسجد الكريم لمشروع مهم في تبليغ شرع الله وتعاليم دينه من آيات مفسَّرة، أو أحاديث نبوية صحيحة، أو مقالات لعلماء الإسلام، أو فتاوى لهم، أو نصائح وتوجيهات وإرشادات، ويتمثل ذلك في أن يقوم إمام المسجد بكتابة ما سبق على أوراق حائطية، وإعدادها وتصميمها تصميماً جيداً ملفتاً للنظر، ومشوقاً للقراءة، ثم يقوم بتعليقها في مسجده، ويعمل على تغيير هذه الأوراق مثلاً كل أسبوع، وكلما أنزل مجموعة من تلك اللافتات احتفظ بها في درج خاص، ثم بعد ذلك يقوم بنشرها في مساجد أخرى – بعد التنسيق مع القائمين عليها -، وهم بعد ذلك ينشرونها في مسجد آخر… وهكذا يجري الأمر دواليك؛ حتى تعم فائدتها لأكبر عدد من المسلمين.

وحتى يتشجع إمام المسجد أكثر فليستمع إلى ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره…))1، وما أجمل أن يكتب لك أخي إمام المسجد الأجر وأنت في قبرك قد انقطع عمرك، لكنك حي بين الناس تضيء لهم بعلمك ذاك ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يعو له)) رواه مسلم برقم (3084).

ورُب مسلم يقرأ آية مفسَّرة، أو حديثاً منشوراً، أو مقولة خالدة لأحد العلماء؛ فتكون سبباً في تغيير مجرى حياته، ثم إن أخلصت لله في هذا العمل كان لك كلما عمل ذلك الرجل عملاً صالحاً (متأثراً بما قرأ في تلك اللافتة) أن يكتب الله تعالى لك من الأجر مثل أجره، وربما تكون غاطَّاً في نومك، وملائكة الله تعالى يكتبون لك الحسنات؛ وقد صح عن نبينا عليه الصلاة والسلام قوله: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) رواه مسلم برقم (3509).

فاحتفظ أيها الأخ المبارك بأوراقك تلك؛ لتنفع بها غيرك، وتنشر بها دينك.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا للدعوة إليه، وتبليغ دينه، وأن يهدينا ويهدي بنا كثيراً من خلقه، وأن يجعلنا سبباً لمن اهتدى، والحمد لله رب العالمين.


 


1 رواه ابن ماجة برقم (238)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (254) المؤلف: محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، والناشر: المكتب الإسلامي – بيروت، ط الثالثة 1405هـ – 1985م، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني.