البيوع المنهي عنها

البيوع المنهي عنها

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد أباح الإسلام بيع كل شيء يجلب الخير والبركة، وحرم بعض البيوع لما في بعضها من الجهالة والغرر، أو الإضرار بأهل السوق، أو إيغار الصدور ونحوها مما يسبب الأحقاد والتشاحن والتناحر، وإليك سرد موجز لبعض هذه البيوع المنهي عنها:

أولاً: بيع الملامسة:

فقد أخرج البخاري عن أبي سعيد -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المنابذة، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، ونهى عن الملامسة، والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه".

وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهي عن لبستين أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ثم يرفعه على منكبه وعن بيعتين اللماس والنباذ.. فهذا البيع فاسد لوجود الجهالة والغرر.

ثانياً: بيع المنابذة:

كأن يقول أي ثوب نبذته إليَّ فهو عليك بكذا، وهذا البيع فاسد لا يصح لوجود الجهالة والغرر.. فقد جاء في البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الملامسة والمنابذة.

ثالثا: بيع الحصاة:

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر.. وفي بيع الحصاة ثلاث تأويلات:

"أحدها أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها. أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة. والثاني أن يقول: بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة. والثالث: أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعا، فيقول: إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا"1.

رابعاً: بيع النجش:

فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النجش..

والنجش هو : "أن يزيد في ثمن السلعة لا لرغبة فيها بل ليخدع غيره ويغره ليزيد ويشتريها وهذا حرام بالإجماع، والبيع صحيح والإثم مختص بالناجش إن لم يعلم به البائع فإن واطأه على ذلك أثما جميعاً، ولا خيار للمشتري إن لم يكن من البائع مواطأة، وكذا إن كانت في الأصح لأنه قصر في الاغترار، وعن مالك رواية أن البيع باطل، وجعل النهي عنه مقتضيا للفساد"2..

فخلاصته هذا البيع: أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، وهذا البيع حرام؛ لأن فيه تغريرا بالمشتري وخداعا له.

خامساً: بيعتان في بيعة:

عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة.. رواه الترمذي في جامعه، وقال: "حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم،  وقد فسر بعض أهل العلم قالوا: بيعتين في بيعة أن يقول: أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين ولا يفارقه على أحد البيعين، فإذا فارقه على أحدهما فلا بأس إذا كانت العقدة على أحد منهما، قال الشافعي: ومن معنى نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري وهذا يفارق عن بيع بغير ثمن معلوم ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته".

إذن صفة بيع البيعتين في بيعة: أن يقول: بعتك هذا على أن تبيعني أو تشتري مني هذا، أو بعتك هذه السلعة بعشرة حالة، أو عشرين مؤجلة ويتفرقا قبل تعيين أحدهما، وهذا البيع غير صحيح؛ لأن البيع معلق بشرط في الأول ولعدم استقرار الثمن في الثاني.

سادساً: بيع الحاضر للبادي:

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع حاضر لبادرواه البخاري. وعن ابن عباس قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تتلقى الركبان وأن يبيع حاضر لباد. فقيل لابن عباس: ما قوله حاضر لباد؟ قال: لا يكن له سمسارا. والسمسار هو الذي يبيع السلعة بأغلى من سعر يومها. وفي رواية: (لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض). وفي رواة عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه أو أباه). والمراد بالحاضر ساكن الحضر، والبادي ساكن البادية.. قال النووي: "هذه الأحاديث تتضمن تحريم بيع الحاضر للبادي، وبه قال الشافعي والأكثرون. قال أصحابنا: "والمراد به أن يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه، فيقول له البلدي: اتركه عندي لأبيعه على التدريج بأعلى. قال أصحابنا: وإنما يحرم بهذه الشروط وبشرط أن يكون عالما بالنهي، فلو لم يعلم النهي أو كان المتاع مما لا يحتاج في البلد ولا يؤثر فيه لقلة ذلك المجلوب لم يحرم ولو خالف وباع الحاضر للبادي صح البيع مع التحريم. هذا مذهبنا وبه قال جماعة من المالكية وغيرهم. وقال بعض المالكية: يفسخ البيع ما لم يفت"3.

سابعاً: بيع الرجل على بيع أخيه:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يبيع بعضكم على بيع أخيه) رواه البخاري.

مثاله أن يقول لمن اشترى شيئا في مدة الخيار: افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أجود منه بثمنه، ونحو ذلك، وهذا حرام. ويحرم أيضا الشراء على شراء أخيه وهو أن يقول للبائع في مدة الخيار: افسخ هذا البيع وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن ونحو هذا..

ثامناً: بيع السلعة قبل قبضها:

ومثاله ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، بأنه "إذا باع إنسان سيارة لآخر قبل أن يتملكها ويحوزها؛ لم يصح البيع سواء باعها عليه نقدًا أم لأجل، وسواء كان الربح نسبة من ثمن شراء البائع كالثلث، أم قدرًا معينًا، وسواء دفع دفعة من الثمن أم لم يدفع شيئًا؛ لأنه باعها قبل قبضها، بل قبل تملكها، وأما إذا اتفق معه على أن يبيعها عليه بعد أن يمتلكها ويحوزها فيجوز؛ لأنه وعد بالشراء لا عقد شراء، ولهما أن يتعاقدا بعد ذلك وفاء بالوعد، ويجوز أن يبيعها على غيره، كما يجوز للآخر أن يشتري غير هذه السيارة. وبالله التوفيق4.

تاسعاً: بيع العينة:

وبيع العيينة هو: "أن يبيع سلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها من المشتري بأقل ليبقى الكثير في ذمته"5.

فقد نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الصورة؛ لأنها ربا، وإن كان في صورة بيع وشراء. ذلك أن الإنسان المحتاج إلى النقود يشتري سلعة بثمن معين إلى أجل، ثم يبيعها ممن اشتراها منه بثمن حال أقل فيكون الفرق هو فائدة المبلغ الذي أخذه عاجلا. وهذا البيع حرام ويقع باطلا عند بعض الفقهاء. فقد روي عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم)6.

عاشراً: البيع بعد النداء الثاني للجمعة لمن تلزمه؛ لما جاء من النهي الصريح عن ذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} سورة الجمعة(9). قال ابن كثير: "اتفق العلماء رضي الله عنهم على تحريم البيع بعد النداء الثاني. واختلفوا: هل يصح إذا تعاطاه متعاط أم لا؟ على قولين، وظاهر الآية عدم الصحة"7.

الحادي عشر: بيع حبل الحبلة:

ففي الصحيين عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية، وكان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها.. فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك.

الثاني عشر: بيع المحاقلة والمزابنة:

لما جاء في المتفق عليه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المزابنة والمحاقلة. والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر في رؤوس النخل.

الثالث عشر: بيع الثمر قبل بدو صلاحها:

فعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع..رواه البخاري ومسلم..

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها وعن النخل حتى يزهو. قيل: وما يزهو؟. قال: يحمار أو يصفار..

فهذه بعض البيوع المنهي عنها لما في ذلك من الغرر والإضرار إما بالبائع أو بالمشتري فنهي عنها لذلك، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..


 


1 شرح النووي على مسلم (10/156).

2  عون المعبود(9/219).

3 شرح  النووي على مسلم(10/164).

4 فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (ج 15 / ص 332) رقم الفتوى(5269).

5 سبل السلام(1/105).

6 أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وابن القطان وصححه، وقال الألباني: "صحيح" كما في صحيح الجامع،رقم (675).

7 تفسير ابن كثير(4/468).