الرياء وخطورته

الريــاء وخطـورته 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أيها الأحبة: ثمة أمراً خطيراً يفسد العمل، ويجعله هباءً منثوراً، حذر الله – تعالى – منه أشد التحذير، وحذر منه البشير النذير ؛ إنه الأمر الذي ينافي الإخلاص؛ وهو الرياء – أعاذنا الله وإياكم منه – قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (سورة البينة:5).

هذا الأمر الذي خافه النبي  على أمته فقال : إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: يا رسول الله: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء، إن الله – تبارك وتعالى – يقول يوم يجازى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً1 فياللخيبة ويالخسارة من يعمل ليرى الناس عمله، ماذا ينتظر منهم؟ أمن أجل مدح، أو خوف ذم؛ صرف عمله للناس؟!! سبحان الله!

إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له فعن أبي هريرة  قال: قال رسول الله   فيما يرويه عن ربه ​​​​​​​: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه رواه مسلم.

أيها الأحبة: لقد جعل الله – تعالى – صفة الرياء من صفات المنافقين فقال تعالى: وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (سورة النساء:38)، وقال تعالى أيضاً عن هؤلاء: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً۝ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (سورة النساء:142-143) وقال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ۝الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ۝ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (سورة الماعون:4-7).

جاء رجلٌ إلى رسول الله فقال: (يا رسول الله الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله : من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله2. وللمرائي علامات: كما قال علي : للمرائي ثلاث علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص إذا ذم)3، وقال سهل بن عبد الله التستري: “لا يعرف الرياء إلا مخلص، ولا النفاق إلا مؤمن، ولا الجهل إلا عالم، ولا المعصية إلا مطيع”، وقال ابن الأعرابي: “أخسر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد”4، وقال يوسف بن الحسين: “أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي فكأنه ينبت على لونٍ آخر”5

وقال الخطابي في شرح حديث: من سمَّع سمّع الله به، ومن يرائي يراءِ الله به معناه: “من عمل عملاً على غير إخلاص، وإنما يريد أن يراه الناس، ويسمعوه؛ جوزي على ذلك بأن يشهره الله، ويفضحه، ويظهر ما كان يبطنه”6، وقال ابن حجر العسقلاني: “وقيل من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس، ولم يرد به وجه الله؛ فإن الله يجعله حديثاً عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم، ولا ثواب له في الآخرة، ومعنى (يرائي الله به: أي يطلعهم على أنه فعل ذلك لهم لا لوجهه، وقيل المعنى: من يرائي الناس بعمله أراه الله ثواب ذلك العمل، وحرمه إياه”7

أيها الأحبة: لقد ذكر الإمام الذهبي الرياء ضمن الكبائر، وذكر أدلة ذلك من الكتاب، والسنة، وآثار السلف الصالح، وعده ابن حجر الهيتمي الكبيرة الثانية بعد الشرك، وللرياء درجات بحسب قصد المرائي.

فالأولى: وهي أغلظها ألا يكون مراده الثواب أصلاً كالذي يصلي أمام الناس، ولو انفرد فإنه لا يصلي، وربما دفعه الرياء إلى الصلاة من غير طهر.

الثانية: أن قصده للثواب أقل من قصده لإظهار عمله، وهذا النوع قريب مما قبله في الإثم.

الثالثة: أن يتساوى قصد الثواب وقصد الرياء، بحيث أن أحدهما وحده لا يبعث على العمل، ولكن لما اجتمع القصدان انبعث فيه الرغبة في العمل، وهذا قد أفسد بمقدار ما أصلح، وظواهر الأخبار تدل على أنه لا يسلم من العقاب. الرابعة: أن يكون اطلاع الناس مرجحاً ومقوياً لنشاطه، ولو لم يكن ذلك ما ترك العبادة، وهذا النوع الذي لا يحبط الثواب، ولكنه ينقص منه أو يعاقب صاحبه على مقدار قصد الرياء، ويثاب على مقدار قصد الثواب.8

أيها الأحبة: ألا فلنحذر من هذا النوع الذي هو أخفى من دبيب النمل، ولنراجع نوايانا، ونسأل الله الإخلاص، اللهم طهر أعمالنا من الرياء، وقلوبنا من النفاق، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وآله، وصحبه وسلم.


“1”– أخرجه أحمد في مسنده ورجاله ثقات.

“2”– البخاري ومسلم.

“3”– الإحياء ( 3/269).

“4”– مختصر شعب الإيمان ص98.

“5”– مدارج السالكين.

“6”– فتح الباري 11/344- 345.

“7”– فتح الباري 11/344- 345.

“8”– الإحياء 3/297-302) بتصرف واختصار.