عيد الأضحى

عيد الأضحى

الخطبة الأولى:

أما بعد:

الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر

الله أكبر.. كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

الله أكبر كلما لمع نجم ولاح، الله أكبر كلما تضوع مسك وفاح، الله أكبر كلما غرد حمام وناح.

الله أكبر كلما رجع مذنب وتاب، الله أكبر كلما رجع عبدٌ وأناب، الله أكبر كلما وسّد الأموات التراب.

الله أكبر ما وقف الحجيج بصعيد عرفات، وباتوا بمزدلفة في أحسن مبات، ورموا بمنى تلك الجمرات.

الله أكبر كلما ارتفع علم الإسلام، الله أكبر كلما طيف بالبيت الحرام، الله أكبر كلما دكدكت دولة الأصنام.

ولا إله إلا الله، وحده لا شريك له {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}1.

لا إله إلا الله:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.2

لا إله إلا الله يفعل ما يريد، لا إله إلا الله ذو العرش المجيد، لا إله إلا الله رب السموات والأرض، وهو على كل شيء شهيد.

أيها المسلمون، عباد الله:

اشكروا الله على جزيل نعمائه، وعلى ترادف مننه وآلائه، يوم أن منّ عليكم فبلغكم هذا اليوم العظيم، وأفسح في آجالكم فأدركتم هذا الموسم الكريم، الذي رفع الله ذكره، وأعلى في العالمين قدره، وأظهر مكانته وفضله، إنه يوم عيد الأضحى المبارك، ويوم الحج الأكبر.

هذا اليوم الذي ينتظم فيه عقد الحجيج على صعيد منى بعد أن وقفوا بعرفة، وباتوا بمزدلفة، وشرعوا في رمي جمرة العقبة، وتقربوا إلى الله بذبح هداياهم فيه.

هذا اليوم الذي يؤدي المسلمون فيه شعيرة ذبح الأضاحي تقرباً إلى الله – عز وجل -.

هذا اليوم الذي يكثر المسلمون فيه من التكبير والشكر والثناء لله – جل وعلا -، فاللهم لك الحمد ولك الشكر كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

أخوة الإيمان:

إننا نتذكر بهذا اليوم فضل لا إله إلا الله، وعظمة لا إله إلا الله، وقدسية لا إله إلا الله، أي أمة كنا قبل الإسلام، وأي جيل كنا قبل الإيمان، وأي كيان نحن بغير القرآن.

كنا قبل لا إله إلا الله أمة وثنية، أمة لا تعرف الله، أمة تسجد للحجر، أمة تغدر، أمة يقتل بعضها بعضاً، أمة عاقة، أمة لا تعرف من المبادئ شيئاً.

كان الناسُ قبل انبلاج فجرِ الإسلام ببعثةِ خير الأنام – عليه الصلاة والسلام – في جهالةٍ حالِكة، وضلالات هالكة، يئدون البنات، ويعبدون الحجارةَ كاللاّت والعزى ومناة.

كانوا في ظلامٍ بهيم دامسٍ، وكُفرٍ لحقيقةِ الحياة طامِس، إلى أن أضاءَ الكون بشمس الرسالة المحمّدية على صاحبها أزكى صلاة، وأفضل سلام وتحيّة، فأخرجَتِ الناسَ من الظلمات إلى النور، وانتشلتهم من جَور الأديان إلى عدل ورحمةِ الإسلام.

أراد الله أن يرفع من هذه الأمة رأسها، وأن يعلي مجدها؛ ويخلد ذكرها، فأرسل إليها رسول الهدى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}3

إن البريـة يـوم مبعث أحمـدٍ              نظـر الإله لهـا فبدّل حالها

بل كرّم الإنسان حين اختار من              خير البـريـة نجمها وهلالها

لبس المرقّع وهـو قـائد أمـةٍ              جبت الكنوز فكسّرت أغلالها

لمـا رآهـا الله تمشـي نحـوه              لا تنتـظر إلا رضاه سعى لها

فأتى – عليه الصلاة والسلام – فصعد على الصفا، ونادى العشائر والبطون، ثم قال لهم لما اجتمعوا: قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فقامت دعوته على "لا إله إلا الله" كما كانت دعوة الأنبياء من قبله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}4.

جاء بها فأعلنها صريحة؛ أنه لا إله إلا الله، فاستجاب له من أراد الله رفع درجته، وصمّ عنها من أراد الله عذابه في الدنيا والآخرة {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}5، استجاب لها أصحابه الأبرار، وأحبابه الأطهار، فقتلوا بين يديه.

يأتي عبد الله بن عمرو الأنصاري يوم أحد فيعلم أنه لا إله إلا الله، ويفيض حباً لـ"لا إله إلا الله"، ويرفع طرفه قبل المعركة ويقول: "اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى"، فيقتل، ويقطع، يقول جابر بن عبد الله عن أبيه: لما كان يوم أحد جيء بأبي مٌسجيّ، وقد مثل به، فأردت أن أرفع الثوب فنهاني قومي، فرفعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أو أمر به فرفع، فسمع صوت باكية أو صائحةٍ فقال: ((من هذه؟))، فقالوا: بنت عمرو، أو أخت عمرو، فقال: ((ولم تبكي؟ فما زالت الملائكة تظلّه بأجنحتها حتى رُفع))6.

أيها الكرام:

لقد كان أساسُ الأسُس، وأصلُ الأصول في دعوتِه – عليه الصلاة والسلام -، وركيزة مرتكزاتها، ورُكن أركانها؛ الدعوة إلى توحيد الله – عزّ وجلّ -، وإفراده بالعبادة، ونبذ كلّ ما سواه؛ تحقيقاً لقوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}7.

إنّ التوحيدَ الخالصَ لله هو الذي أطلَق العقولَ من أغلال الخرافة، وحرّرها من قيود الذلّ إلا لله، والاستعانة إلا بالله، وإنّ العقيدة الصحيحةَ الخالصة من كلّ شوبٍ وكدر هي التي خرّجت أجيالاً من الأمّة غيّرت مجرى التأريخ، ولألأت وجهَ العالم، وتألّقت بها أبهى وأزهى حضارةٍ عرفتها البشريّة، وبها قُهِرت الشدائد العاتية، والجيوشُ الغاشمة ضدّ الملّة والإنسانية، وهي بلا مِراء أساس القوّة والعِزّة التي يجب أن يستعصمَ بها كلّ مسلم صادقِ الإيمان، في كلّ زمان ومكان.

فلِواحدٍ كن واحداً في واحدي                أعني سـبيلَ الحقّ والإيمـان

إخوةَ العقيدة:

وما يبدئ الموحّد الغيورُ ويعيد في قضيّة العقيدة والتوحيد إلا لأنّه حقّ الله على العبيد، وما كان حقّاً لله – جل وعلا – طاب ذكرُه في الأفواه وحلا {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}8

فيا عجباً كيف يعصى الإله                   أو كيف يجحده الجاحد

وللـه في كـل تحريكـةٍ          وتسكينة أبـداً شاهـد

وفي كـل شيء له آيــة                   تـدل على أنه واحـد

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيها المسلمون: تعيشون هذا اليوم يوم عيد الأضحى المبارك فتذكروا وأنتم تنعمون بحلول هذا العيد في أمن وأمان، وصحة واطمئنان؛ إخواناً لكم يمر عليهم العيد وهم في أحوال قاسية، وأوضاعٍ مؤلمة، تذكروا الأطفال اليتامى، والنساء الأيامى، الذين لا يجدون ابتسامة حانية، ولا بشاشة مؤثرة، تذكروا إخوانكم في العقيدة المضطهدين في بلادهم في بقاعٍ شتى.

إخوةَ الإسلام: إن كُبرى القضايا المعاصِرة التي أشخصتِ الأبصار، وفتتِ الأكبادَ، وأذاقت الغيورَ اللوعةَ والسُّهاد؛ قضيةُ فلسطين المحتلَّة السليبةِ، والمسجد الأقصى الجريح المعَنَّى، فلسطينُ المسلمة تُسام العذاب والدون، والأقصى الملَوَّع يقاسي مرائرَ العدوانِ والهون.

فليت شِعري! كيف تطيب الحياةُ، وأرضُنا المقدّسة مسرى إمام الأنبياء – عليه الصلاة والسلام – في قبضةِ شِرذمةٍ من الصهاينة الغاشمين؟

كيف يحلو لنا العيش ونحن نشاهدهم يحشُدون قواهم، ويضاعفون خُططَهم ومآربهم عبرَ توسُّعاتٍ جغرافيّة، ومستوطنات عدوانية، وجدرانٍ فاصلةٍ عنصريّة؛ على سمع العالم ومرآه.

بل كيف سكتنا عنهم وهم يسومون إخوانَنا هناك القصفَ والخسف، والمذابِح والمجازرَ، والتدمير والتشريد، والحصار الغاشم على قطاع الصمود، والإرهاب بكلّ ما يحمله هذا المصطلحُ من معاني الظّلم والغِلظة، والقسوَة والعنجهيّة، وآليّت بفاطِر الأرض والسماء لا حنثَ يعروها؛ لو أنَّ الظلمَ والإرهابَ والصَّلَف والإرعاب صُوِّرت مخلوقاً لما تخطّى تلك الطُّغمةَ الباغية من الصهاينة المعتدين الغاشمين.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

وتستحكِم بنا حلقاتُ المحن، ويبسط الأعداءُ أيديَهم بالسوء، وتُرزَأ الأمّة في جزء آخرَ من أجزاء جسدها المثخَن بالجراح؛ يتمثَّل ذلك في بلادِ الرافدَين مهدِ العلماء، وموئِل الخلافة الإسلاميّة حِقبةً من الزمان، وتعيش تلك الرّقعة الهضيمةُ حياةَ النّهب والسّلب والفوضى، حتى أمسَى العَمارُ فيها دماراً وتباراً، وأسرع الغاصِب إلى خيراتها وتبارَى، وغدا الاستقرار فوضىً وبواراً، وإلى الله وحدَه نجأر بالبثِّ والشَّكوى، والدعوةُ موجَّهة إلى العالم بأسرِه للإسهام في إعمارِ العراقِ العريق، ودَعم شعبِه المسلِم، والحِفاظ على وَحدتِه، والدعاءُ مبذولٌ أن يهيِّئ الله لإخوانِنا في بلادِ الرافدَين ولايةً تحكمُهم بالكتابِ والسنّة، وتؤمِّن بإذنِ الله سُبُلهم، وتحقِّق أمنَهم، وتوحِّد صفوفَهم، وترعى مقدَّراتهم، وتحافظ على خيراتهم.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أخوة الإسلام:

إنّه لن يصلحَ حالُنا إلاّ باتحادِنا وتآلفنا، وتوجُّهنا شطرَ الكتاب والسنة، وإن دهاقنةَ السياسة العالمية، ووسائل الإسلام الغربية؛ مطالبة أن تفهمَ الإسلامَ على حقيقته، وأن تحذرَ من ربطِ الإرهاب بالإسلام دينِ الحقّ والخير والعدل والسلام، وأن تحذرَ من إلصاقِ تهمة الإرهاب بالمسلمين.

لقد آن الأوانُ لكي تخرجَ الأمّةُ من نفَق التحدّيات، وبُؤَر العقبات والأزمات، أن تضطلعَ بمشروعٍ إسلاميّ حضاريٍّ يضع الخطَطَ والبرامِج والاستراتيجيات المهمّة، والآلياتِ العمليّة، والخطُوات التنفيذيّة الجادّة لكافّة قضايا أمّتنا.

آن للأمة أن تضع خلافتها جانباً، وتعمل سوياً في خندق واحد، وتسعى لتوحد كلمتها المبعثرة، وترتب صفوفها الممزقة.

آن للأمة أن ترى بعين بصيرتها خطر المدلهمات المحدقة بها من كل جانب، ففي الوقت الذي عشعشت دول الكفر فوق رؤوسنا، وأناخت ركابها في بلداننا؛ ما زال بعض المسلمين يوجه سهامه وبندقيته لصدر أخيه – ولا حول ولا قوة إلا بالله -، أما يكفينا فرقة واختلافاً وعمالة للأعداء.

نعم أيها الكرام: صحيح أن هذه الأمة موعودة، وأنَّ من فضل الله وكريم ألطافه أن ضَمِنَ المستقبلَ المشرِقَ لها، إلا أن هذا الأمر مرهون بالعودة الصادقة للدين، وتحكيم الشريعة التي أقصيناها في كثير من جوانب الحياة، مرهون بالتمسك بالقرآن الكريم حبل الله المتين، وسبيل عزها، وسر نهضتها، ودعامة كرامتها، ومع هذا فلا يكون لليأس والقنوط مكاناً فينا، ولا للتخاذل والإحباط مجالاً بيننا، بل جدٌّ وعمل وتفاؤل، وانطلاق، واستشرافٌ لآفاق مستقبلٍ أفضل، صلاحاً وإصلاحاً، ولن يصلُح أمرُ آخر هذه الأمّة إلا بما صلح به أوّلها {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}9.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

نسأل الله أن يُصلحَ أحوالَ المسلمين في كلّ مكان، وأن يهيّئ لهم من أمرهم رشَداً بمنّه وكرمه، إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافّة المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوابين غفوراً.

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون:

اتقوا الله – تبارك وتعالى -، وأطيعوا الله ورسوله لعلكم تفلحون، واستقيموا على شرعه، واشكروه على عموم نعمه، وترادف مننه، ألا وإن من نعمة الله عليكم هذه الأنعام التي خلقها لكم، وسخرها وذللها لمنفعتكم، فمنها ركوبكم، ومنها تأكلون، لعلكم تشكرون، وعظموا شعائر ربكم فإنها من تقوى القلوب، ألا وإن من الشعائر الظاهرة ما شرعه الله لعباده في هذا اليوم العظيم من التقرب إليه بذبح الأضاحي، إذ هي من الشعائر العظمَى التي يتقرّب بها المسلمون إلى ربِّهم في هذا اليوم الأغرّ – يستوي فيها الحجّاج والمقيمون – اقتداءً بخليل الله إبراهيم، ونبيِّ الله وحبيبه محمّد – عليهما الصلاة والسلام – يقول – تعالى -: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ}10، وخُلِّدت بذلك سنّةُ النّحر في عيد الأضحى لتبقى شامةً غرّاءَ على عظيم الاستسلام والإيمان، وآيةً كبرى في الإذعان لأوامِر الواحِد الديّان، ولتبقى حادثةَ الفداء أيضاً عبرةً وعنواناً لتربية الأبناءِ في طاعةِ وبرِّ الآباء.

معاشر المسلمين:

الأضاحي شعيرة عظيمة، وسنَّة قويمة، قد ورد الفضل العظيم لمن أحياها ما جاء في حديث عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ما عمل آدمي يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها، وأشعارها، وأظلافها، وأن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً))11، وجاء عن زيد بن أرقم قال: قال أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما هذه الأضاحي؟ قال: ((سنة أبيكم إبراهيم))، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((بكل شعرة حسنة))، قالوا: فالصوف يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((بكل شعرة من الصوف حسنة))12.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

أيها الإخوة المضحون:

إن للأضحية آداباً ينبغي مراعاتها منها: التسمية والتكبير، والإحسان في الذبح بحد الشفرة وإراحة الذبيحة، والرفق بها، وإضجاعها على جنبها الأيسر متجهة إلى القبلة.

والسنة أن يوزعها أثلاثاً: فيأكل ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث، وأن يتولى ذبحها بنفسه، أو يحضرها عند الذبح، ولا يعطي جازرها أجرته منها، فلا تحرموا أنفسكم ثواب الله وفضله في هذه الأيام المباركة، وضحوا عن أنفسكم وأهليكم وأولادكم – تقبّل الله ضحاياكم -.

وليس المقصود يا عباد الله: مجرد اللحم الذي يؤكل فقط، ولكن ما تتضمنه هذه الشعيرة من تعظيم لله – جل جلاله -، وإظهار للشكر له، والامتثالٍ لأمره يقول سبحانه: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}13.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أخوة العقيدة:

وتمشياً مع سنة المصطفى في تحقيق موعظة للنساء؛ فإني أقول لأخواتي المسلمات: اتقين الله – عز وجل – في أنفسكن، وحافظن على الحياء والعفاف والحشمة، كن مسلمات مؤمنات، قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، أنتن في الإسلام درر مصونة، وجواهر مكنونة، فكنَّ على حذر مما يتربص به أعداؤكن الذين يريدون جرَّكن إلى التبرج والسفور، والتحرير والإباحية، وقمن برسالتكن بالتربية والتنشئة لأجيال المسلمين.

أمة الإسلام ختاماً:

إذا كان العالم اليوم يعيش على أعتاب القرن الحادي والعشرين، ويدلف إلى تباشير الألفية الثالثة، فإنها بإذن الله ألفية الإسلام، والانتصار للمسلمين بعد أن هوت نظم وتكتلات، وأفلست نظريات وشعارات طالما جُربت فبان إفلاسها، وظهر عوارها في تحقيق أمن الشعوب، والحفاظ على مقدراتها، وتنمية مواردها وخيراتها، ولا أدل على ذلك من تجلي حقيقة الرأسمالية الزائف الذي اغتر به كثير من بني جلدتنا، وما أفاقوا إلا بعد ما اكتووا بنار الإفلاس في مضارب الأسهم الربوية، وها هو العالم اليوم يئن تحت وطأة أزمة بنوك الربا، وصدق الله: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا}14، وليعلم العالم بأسره أن البديل الذي يجب أن يطرح وبشجاعة هو الإسلام لا شيء غيره، فإنه لا عز للبشرية، ولا صلاح، ولا سعادة للإنسانية؛ إلا بتطبيقه وتحكيمه {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}15، وإنه لا مساومة على عقيدتنا، ولا تنازل عن شيء من مبادئنا بأي حال من الأحوال، فالحق حق والباطل باطل، والإسلام إسلام والكفر كفر، وهيهات أن يجتمع حق وباطل وكفر وإسلام.

إن الفرصة اليوم سانحة لعرض الإسلام بمبادئه السامية، وتعاليمه السمحة؛ على العالم بعد أن سامته الشعارات سوء العذاب، وصادرت حرياته، وقضت على مقدراته، وليس صحيحاً أن يظل المسلمون في عزلة عن العالم، وبحكم التواصل الحضاري والإعلامي فإنه يجب على الأمة الإسلامية أن تجعل من هذا التواصل أداة للتأثير وليس التأثر، وأن تكون أمة قائدة لا مقودة، متبوعة لا تابعة.

إن العالم اليوم بحاجة ماسة إلى عرض الإسلام الصحيح بقيمه العادلة، ودساتيره السمحة السامية، بعد أن وُسم بمصطلحات غربية تشوه صورته، وتنفّر منه، في مغالطات سياسية، وتناقضاتٍ فكرية، وتلاعب بموازين الحق والعدل، لكن عزانا في قوله سبحانه: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}16.

نسأل الله أن يُقرَّ أعيينا بنصر عاجل للإسلام والمسلمين إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على النبي، والنذير البشير*.


1 سورة القصص (88).

2 سورة الرحمن (26-27).

3 سورة الجمعة (2).

4 سورة الأنبياء (25).

5 سورة الصافات (35).

6 رواه البخاري برقم (1211)، ومسلم برقم (4517).

7 سورة الذاريات (56).

8 سورة الحج (31).

9 سورة النور (55).

10 سورة الصافات (103-106).

11 رواه الترمذي برقم (1493)، وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح برقم (526).

12 رواه ابن ماجه برقم (3127)، وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح (1476).

13 سورة الحج (26-27).

14 سورة البقرة (276).

15 سورة آل عمران (19).

16 سورة الأنفال (30).

* تم الاستفادة من مجموعات خطب منثورة في المواقع.