أحكام الطواف
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:
فهذه وقفة مع أحكام الطواف بالبيت العتيق بأنواعه كما بينها أهل العلم المستندين في استخراج الأحكام الشرعية إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإن اختلفت نتائج استنباطاتهم من مذهب إلى آخر ومن عالم إلى آخر فالخلاف في مثل هذه المسائل الفرعية سائغ ولكل دليله الذي استند إليه, فنستعين بالله ونقول:
شروط الطواف أو واجباته:
يشترط لصحة الطواف خمسة شروط عند الحنفية، وسبعة شروط عند المالكية، وثمانية شروط عند الشافعية، وأربعة عشر شرطاً عند الحنابلة, فأما شروط الطواف عند الحنفية، فهي ما يلي:
1- نية الطواف: يشترط توافر أصل النية بالطواف, دون حاجة لتعيين النية حال وجود الطواف في وقته، فلو لم ينو أصلاً، بأن طاف هارباً، أو طالباً لغريم، لم يجز.
والفرق بين الطواف وبين الوقوف بعرفة في اشتراط النية للأول دون الثاني: هو أن الوقوف ركن يقع في حال قيام الإحرام نفسه، فتكفيه النية السابقة وهي نية الحج، كالركوع والسجود في الصلاة, أما الطواف فلا يؤتى به في حال قيام الإحرام نفسه، لأنه يقع به التحلل من الحج، ولا إحرام حال وجود التحلل.
2- أن يطوف القادر ماشياً، لا راكباً إلا من عذر: فلو طاف راكباً من غير عذر فعليه الإعادة ما دام بمكة، وإن عاد إلى أهله يلزمه دم، لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (29) سورة الحـج. والراكب ليس بطائف حقيقة، فأوجب ذلك نقصاً فيه، فوجب جبره بالدم.
3 – أن يقع حول البيت في المسجد، لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}, والطواف بالبيت هو الطواف حوله، فيجوز الطواف في المسجد الحرام قريباً من البيت أو بعيداً عنه، بشرط أن يكون في المسجد، فلو طاف من وراء زمزم قريباً من حائط المسجد، أجزأه، لوجود الطواف بالبيت, ولو طاف حول المسجد وبينه وبين البيت حيطان المسجد، لم يجز؛ لأن حيطان المسجد حاجزة، فلم يطف بالبيت، لعدم الطواف حوله, ويطوف من خارج الحطيم؛ لأن الحطيم من البيت على لسان رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
4- أن يقع في زمانه؛ فزمان طواف الإفاضة يبدأ حين يطلع الفجر الثاني من يوم النحر، فلا يجوز قبله، وليس لآخره زمان معين مؤقت به فرضاً، بل جميع الليالي والأيام وقته فرضاً، فلو أخره عن يوم النحر لا شيء عليه، لإطلاق حديث: (افعل ولا حرج)، لكن عليه لتأخيره عن أيام النحر دم عند أبي حنيفة. وإن رجع إلى أهله رجع إلى مكة بإحرامه الأول، ولا يحتاج إلى إحرام جديد، وعليه دم لتأخيره.
وأما إنه لا يجوز قبل فجر النحر فلأن ليلة النحر وقت ركن آخر وهو الوقوف بعرفة، فلا يكون وقتاً للطواف؛ لأن الوقت الواحد لا يكون وقتاً لركنين.
5- مقداره المفروض منه هو أكثر الأشواط: وهو ثلاثة أشواط وأكثر الشوط الرابع، فأما الإكمال إلى سبعة أشواط فواجب، وليس بفرض.
أما الطهارة عن الحدث والجنابة والحيض والنفاس فليست بشرط عند الحنفية لجواز الطواف، وليست بفرض، بل واجبة، حتى يجوز الطواف بدونها، لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}, أمر بالطواف مطلقاً عن شرط الطهارة، ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد، فيحمل حديث: (الطواف بالبيت صلاة)1, على التشبيه، كما في قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (6) سورة الأحزاب. أي كأمهاتهم، ومعناه الطواف كالصلاة، إما في الثواب، أو في أصل الفرضية, فإذا طاف من غير طهارة فما دام بمكة تجب عليه الإعادة، لجبر الشيء بجنسه، وإن أعاد في أيام النحر فلا شيء عليه، وإن أخره عنها فعليه دم عند أبي حنيفة, وإن لم يعد ورجع إلى أهله فعليه الدم، غير أنه إن كان محدثاً فعليه شاة لكون النقصان يسيراً، وإن كان جنباً فعليه بدنة، لكون النقصان فاحشاً.
وأما الموالاة في الطواف فليست بشرط عند الحنفية، فلو صلى الطائف صلاة جنازة أو مكتوبة أو ذهب لتجديد الوضوء، ثم عاد بنى على طوافه، ولا يلزمه الاستئناف؛ لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}, مطلقاً عن شرط الموالاة.
وليس الابتداء من الحجر الأسود بشرط أيضاً عند الحنفية، بل هو سنة في ظاهر الرواية، فلو افتتح من مكان آخر من غير عذر أجزأه مع الكراهة، لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}, مطلقاً عن شرط الابتداء بالحجر الأسود.
وشروط الطواف عند المالكية سبعة هي ما يلي:
1 – الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة كالصلاة، إلا أنه يباح فيه الكلام.
2- الموالاة بلا فصل كثير بين الأشواط، فإن فصل كثيراً لحاجة أو لغيرها ابتدأه من أوله.
ويجب أن يقطع طوافه لإقامة صلاة فريضة مع إمام راتب: وهو إمام مقام إبراهيم، وهو المعروف بمقام الشافعي, ولا يقطعه مع إمام غير راتب, وإذا أقيمت الصلاة أثناء شوط، ندب له كمال الشوط الذي هو فيه، بأن ينتهي للحجَر ليبني على طوافه المتقدم من أول الشوط، فإن لم يكمله ابتدأ من موضع خروجه، ويبني على ما فعله من طوافه بعد سلامه، وقبل تنفله.
والحاصل: أن صلاة الفريضة لا تبطل الطواف، وتبطله النافلة والجنازة، ولا يبطله الفصل لعذر كرعاف، فإنه يبني على ما سبق بعد غسل الدم بشرط ألا يتعدى موضعاً قريباً لأبعد منه، وألا يبعد المكان في نفسه، وألا يطأ نجاسة.
3- الترتيب: وهو أن يجعل البيت عن يساره ويبتدئ بالحجر الأسود.
4- أن يكون بجميع بدنه خارجاً عن البيت، فلا يمشي على الشاذروان ولا على الحِجْر.
5- أن يطوف بداخل المسجد: فلا يجزئ خارجه.
6 – كون الطواف سبعة أشواط من الحجر الأسود إلى الحجر، فلا يجزئ أقل من سبعة، فلو اقتصر على ستة مثلاً لم تجزؤه, فإن شك في عدد الأشواط هل طاف ثلاثة أو أربعة بنى على الأقل.
7- صلاة ركعتين بعد الطواف.
أما المشي لقادر عليه فهو واجب عند المالكية كالمشي في السعي، فإن لم يمش بأن ركب أو حمل، فعليه دم إن لم يُعدْه وقد خرج من مكة، فإن أعاده ماشياً بعد رجوعه له من بلده، فلا دم عليه, ولا دم على العاجز عن المشي ولا إعادة عليه.
وكذلك الابتداء من الحجر الأسود واجب عند المالكية، فإن ابتدأ من غيره لزمه دم.
وأما وقت طواف الإفاضة عند المالكية فهو من طلوع فجر يوم النحر، كما قال الحنفية، فلا يصح قبله، كما لا يصح رمي جمرة العقبة قبل فجر النحر.
وواجبات الطواف عند الشافعية بما يشمل الشروط والأركان ثمان وهي ما يأتي:
1- ستر العورة كسترها في الصلاة: لما في الصحيحين: (لا يطوف بالبيت عريان)2. فإن عجز عنها، طاف عارياً، وأجزأه كما لو صلى كذلك.
2و3 – طهارة الحدث والنجس في الثوب والبدن والمكان؛ لأن الطواف في البيت صلاة، كما نطق به الخبر المتقدم، فلو أحدث أو تنجس بدنه أو ثوبه أو مطافه بغير معفو عنه، أو عري مع القدرة على الستر في أثناء الطواف، تطهر وستر عورته، وبنى على طوافه، حتى وإن تعمد ذلك وطال الفصل؛ إذ لا تشترط الموالاة فيه عندهم كالوضوء، ويسن الاستئناف.
لكن غلبة النجاسة في المطاف أصبحت مما عمت به البلوى، فيعفى عما يشق الاحتراز عنه أيام الموسم وغيره، بشرط ألا يتعمد المشي عليها، وألا يكون فيها رطوبة, والأوجَه أن للمتيمم والعاجز عن الماء طواف الركن ليستفيدا به التحلل، ثم إن عادا إلى مكة، لزمتهما إعادته.
4 – أن يجعل الطائف البيت عن يساره، مارّاً تلقاء وجهه إلى جهة الباب، اتباعاً للسنة, فإن خالف ذلك لم يصح طوافه لمعارضته الشرع, ولو طاف مستلقياً على ظهره، أو على وجهه، مع مراعاة كون البيت عن يساره، صح.
5- الابتداء من الحجر الأسود, ومحاذاته له بجميع بدنه، أي جميع شقه الأيسر اتباعاً للسنة, بحيث لا يتقدم من الشق الأيسر على جزء من الحجر، فلو لم يحاذه أو لم يحاذ بعضه بجميع شقه -كأن جاوزه ببعض شقه إلى جهة الباب، لم يصح طوافه- فإذا انتهى إليه، ابتدأ منه.
ويشترط أن يكون الطواف خارج البيت وحجر إسماعيل والشاذَرْوَان, فلو مشى على الشاذَرْوَان أو مسّ الجدار الكائن في موازاته، أو أدخل جزءاً منه في هواء الشاذروان أو دخل من إحدى فتحتي الحِجْر, وخرج من الفتحة الأخرى، أو خلف منه قدر الذي من البيت وهو ستة أذرع، واقتحم الجدار، وخرج من الجانب الآخر، لم يصح طوافه, أما كون الطواف في غير الحجر، فلقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}, وإنما يكون طائفاً به إذا كان خارجاً عنه، وإلا فهو طائف فيه.
وأما الحِجْر فلأنه -صلّى الله عليه وسلم- إنما طاف خارجه، وقال: (لتأخذوا عني مناسككم)3, ولخبر مسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الحِجْر، أمن البيت هو؟ قال: (نعم)، قلت: فما بالهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: (إن قومك قصرت بهم النفقة)، قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: (فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدار في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض لفعلت)4. وظاهر الخبر أن الحِجر جميعه من البيت، لكن الصحيح أنه ليس كذلك، بل الذي هو من البيت قدر ستة أذرع تتصل بالبيت، ومع ذلك يجب الطواف خارجه؛ لأن الحج باب اتباع.
6- أن يطوف بالبيت سبعاً ولو في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها للاتباع، فلو ترك من السبع شيئاً، وإن قل، لم يجزه، فلو شك في العدد أخذ بالأقل، كعدد ركعات الصلاة.
7- أن يكون الطواف داخل المسجد -للاتباع أيضاً- فلا يصح حوله بالإجماع, ويصح داخل المسجد وإن وسِّع، وحال حائل بين الطائف والبيت كالسواري، ويصح على سطح المسجد، وإن كان سقف المسجد أعلى من البيت، كالصلاة على جبل أبي قبيس، مع ارتفاعه عن البيت، وهذا هو المعتمد.
8- نية الطواف إن استقل, بأن لم يشمله نسك كسائر العبادات، كالطواف المنذور والمتطوع به, أما الذي شمله نسك وهو طواف الركن للحج أو العمرة وطواف القدوم، فلا يحتاج إلى نية، لشمول نية النسك له, ولا بد لطواف الوداع من نية؛ لأنه يقع بعد التحلل؛ ولأنه ليس من المناسك عند الشيخين الرافعي والنووي, ولا بد في النية من التعيين.
أما وقت طواف الإفاضة ومثله رمي العقبة والذبح والحلق فيدخل بنصف ليلة النحر؛ لأنه -صلّى الله عليه وسلم- أرسل أم سلمة ليلة النحر فرمت قبل الفجر، ثم أفاضت.
وأما المشي في الطواف فليس عند الشافعية شرطاً بل هو سنة، ويسن أن يكون حافياً في طوافه عند عدم العذر, وأما صلاة ركعتي الطواف فسنة عندهم.
وللطواف واجبات دينية: منها أن يصون نفسه عن كل مخالفة في وقت الطواف، وأن يصون قلبه عن احتقار من يراه، وأن يلتزم الأدب، ومنها أن يحفظ يده وبصره عن كل معصية.
وشروط الطواف عند الحنابلة: أربعة عشر:
إسلام وعقل، ونية معينة، ودخول وقت، وستر عورة لقادر، وطهارة حدث لا لطفل، وطهارة خبث، وتكميل السبْع يقيناً، فإن شك أخذ باليقين، ويقبل في بيان عدد الأشواط قول عدلين، وجعل البيت عن يساره، غير متقهقر، ومشي لقادر، وموالاته، وكونه داخل المسجد لا يخرج عنه، وأن يبتدئه من الحجر الأسود فيحاذيه، وألا يدخل في شيء من البيت كالحِجْر والشاذروان.
أما وقت طواف الإفاضة: فيدخل من نصف ليلة النحر، كما قال الشافعية, وأما ركعتا الطواف فسنة كما قرر الشافعية.
خلاصة آراء الفقهاء في شروط الطواف:
يمكن تلخيص ماسبق من بيان الآراء الفقهية في شروط الطواف على النحو التالي:
1 – الطهارة عن الحدث والنجس ليست بشرط عند الحنفية، وإنما هي واجب، وشرط عند باقي المذاهب.
2 – نية الطواف, أي: أصل النية لا تعيينها شرط عند الحنفية، وليست بشرط عند المالكية، والنية مع التعيين شرط عند الشافعية إن استقل الطواف عن نسك يشمله، والنية المعينة شرط عند الحنابلة.
3 – المشي للقادر شرط عند الحنفية والحنابلة، واجب عند المالكية، وليس بشرط عند الشافعية، وإنما هو سنة.
4 – كون الطواف في المسجد شرط بالاتفاق.
5 – الابتداء بالحجر الأسود ليس بشرط وإنما هو واجب عند الحنفية، وعند المالكية، وشرط عند الشافعية والحنابلة, وترك الواجب يوجب الدم فيما لو ابتدأ من غير الحجر.
6 – الترتيب أو جعل البيت عن يسار الطائف: واجب لدى الحنفية يلزم دم بتركه، وشرط عند باقي المذاهب؛ لأن الطائف كالمؤتم بالكعبة، والواحد يقف عن يمين الإمام، ويساره له.
7 – الموالاة ليست شرطاً عند الحنفية والشافعية، وشرط عند المالكية والحنابلة.
8 – كون الطواف سبعة أشواط شرط عند الجمهور غير الحنفية واجب لا شرط عن الحنفية، وإنما الفرض أكثر الأشواط.
9 – زمان طواف الإفاضة بعد فجر يوم النحر في مذهبي الحنفية والمالكية، ويجوز بعد منتصف ليلة النحر في مذهبي الشافعية والحنابلة.
10- صلاة ركعتي الطواف واجب عند المالكية، وواجب في وقت مباح فيه الصلاة لا كراهة فيه،عند الحنفية. وسنة عند الشافعية والحنابلة.
سنن الطواف:
وقبل الحديث عما يسن فيه, نشير هنا إلى فائدة وهي أن أداء الطواف قبل السعي في الحج والعمرة سنة وليس بواجب, فلو سعى قبل أن يطوف فلا شيء عليه.
ويسن للحاج والمعتمر إذا أراد الطواف ما يأتي:
1- استلام الحجر الأسود, أي لمسه بيده اليمنى أو بكفيه أول طوافه وفي بدء كل شوط وتقبيله بلا صوت، إذا لم تكن زحمة، فإن لم يتمكن من الاستلام باليد استلم بعود ونحوه مع استقباله بجميع بدنه، فإن عجز أشار بيده، ثم وضع العود أو يده على فيه بعد اللمس بأحدهما بلا صوت, ويكبر ويهلل ويحمد الله تعالى، ويصلي على النبي صلّى الله عليه وسلم, وتكرار الاستلام والتقبيل في كل طوفة من الطوفات السبع.
ويستحب للمرأة عند الحنابلة إذا قدمت مكة نهاراً تأخير الطواف إلى الليل ليكون أستر لها، ولا يستحب لها مزاحمة الرجال لاستلام الحجر، لكن تشير بيدها إليه كالذي لا يمكنه الوصول إليه.
2- الدعاء, وليس بمحدود ويدعو بما يشاء, وأفضله الدعاء المأثور، فيقول في أول كل طوفة: "بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك, واتباعاً لسنة نبيك محمد صلّى الله عليه وسلم, وليقل بين الركنين اليمانيين: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار".
ومأثور الدعاء أفضل من قراءة القرآن، للاتباع، والقراءة أفضل من غير مأثور الدعاء؛ لأن الموضع موضع ذكر، والقرآن أفضل الذكر, ويسن الإسرار بالذكر والقراءة؛ لأنه أجمع للخشوع.
3- – الرَّمَل للرجال أو الصبيان دون النساء في الأشواط الثلاثة الأُوَل، وهو عند الحنفية والشافعية سنة في كل طواف يعقبه سعي بأن يكون بعد طواف قدوم أو ركن يعقبه سعي، وهذا هو المشهور، ولا يرمل إذا كان طاف طواف القدوم أو اللقاء، وسعى عقيبه, فإن كان لم يطف طواف القدوم أو كان قد طاف لكنه لم يسع عقبيه، فإنه يرمل من طواف الزيارة، وطواف العمرة.
وقال المالكية: يسن الرمل لمحرم بحج أو عمرة في طواف القدوم وطواف العمرة؛ لأن ما رمل فيه النبي -صلّى الله عليه وسلم- كان للقدوم وسعى عقبه.
ومحل استنان الرمل إن أحرم بحج أو عمرة أو بهما من الميقات بأن كان آفاقياً أو كان من أهله، وإلا فيندب, أي: يندب لمحرم بحج أو عمرة من دون المواقيت كالتنعيم والجعرانة، وفي طواف الإفاضة لمن لم يطف طواف القدوم لعذر أو نسيان، وأحرم من الميقات. ولا يندب الرمل في طواف تطوع ووداع.
وكذلك قال الحنابلة مثل المالكية: لا يسن الرمل في غير طواف القدوم أو طواف العمرة.
4- الاضطباع عند الجمهور غير مالك, وهو جعل وسط الرداء تحت كتفه اليمنى، ورد طرفيه على كتفه اليسرى، وإبقاء كتفه اليمنى مكشوفة, وهو سنة عند الحنفية والشافعية والحنابلة كالرمل في جميع كل طواف يرمل فيه، ولا يسن في طواف لا رمل فيه، وكذا يضطبع عند الشافعية على الصحيح في السعي قياساً على الطواف بجامع قصد مسافة مأمور بتكريرها، سواء اضطبع في الطواف قبله أم لا. ولا يستحب في الأصح في ركعتي الطواف، لكراهة الاضطباع في الصلاة، فيزيله عند إرادتها، ويعيده عند إرادة السعي.
ولا يضطبع عند الحنفية والحنابلة في غير الطواف، فإن فرغ من الطواف سوى رداءه؛ لأن الاضطباع غير مستحب في الصلاة، ولا في السعي، لأن النبي -صلّى الله عليه وسلم- لم يضطبع فيه، والسنة في الاقتداء به.
ولا ترمُل المرأة ولا تضطبع، أي لا يطلب منها ذلك؛ لأن بالرمل تتبين أعطافها، وبالاضطباع ينكشف ما هو عورة منها, وليس على أهل مكة رمل، عملاً بقول ابن عباس وابن عمر.
5- الدنو أو القرب من البيت للذكور؛ لشرفه ولأنه المقصود، ولأنه أيسر في الاستلام والتقبيل, والأولى كما قال بعضهم أن يجعل بينه وبين البيت ثلاث خطوات ليأمن مرور بعض جسده على الشاذَرْوان, وإن تأذى غيره بنحو زحمة، فالبعد أولى, أما المرأة والخنثى فيكونان في حاشية المطاف، فإن طافا خاليين فكالرجل في استحباب القرب.
وهذا مستحب عند الشافعية والحنابلة، لكن الرمل عند الشافعية مع البعد أولى من الدنو، فإن كان لا يتمكن من الرمل أيضاً أو يخاف صدم النساء أو الاختلاط بهن فالدنو أولى.
ومن سنن الطواف المؤكدة أيضاً عند الشافعية والحنابلة: المشي لقادر عليه، وصلاة ركعتي الطواف بعده خلف مقام إبراهيم، ثم في الحِجْر تحت الميزاب، ثم في المسجد الحرام، ثم في الحرم حيث شاء من الأمكنة في أي زمان, وهذان واجبان عند المالكية والحنفية, وإذا صلى المكتوبة بعد طوافه أجزأته عن ركعتي الطواف عند الحنابلة؛ لأنهما ركعتان شرعتا للنسك، فأجزأت عنهما المكتوبة كركعتي الإحرام، ولا تجزئ عنهما المكتوبة عند الحنفية والمالكية كركعتي الفجر.
ومن سننه أيضاً الموالاة بين الأشواط عند الحنفية والشافعية، وهي شرط عند المالكية والحنابلة, وتسن النية عند الشافعية في طواف النسك، وتجب في طواف لم يشمله نسك وفي طواف وداع.
بدع ومخالفات متعلقة بالطواف ودخول المسجد:
منها لزوم أدعية لم ترد في السنة عند دخول المسجد الحرام, واعتقاد سنية الغسل للطواف, ومنها بدء المحرم إذا دخل المسجد الحرام بركعتين تحية المسجد قبل طواف القدوم, وكذا التلفظ بالنية في الطواف, والمزاحمة على تقبيل الحجر الأسود، معتقداً أن الطواف لا يصح بدون تقبيله, واعتقاد وجوب استقبال الحجر الأسود عند الإشارة إليه, وكذلك تقبيل الركنين الشاميين والمقام واستلامهما, وتقبيل الركن اليماني، والسنة استلامه فقط. ومنها تخصيص كل شوط بدعاء معين, ومنها الرمل في جميع أشواط الطواف, والسنة أن يكون في الأشواط الثلاثة الأولى فقط, ومما ليس من العبادة في شيء التمسح بحيطان الكعبة والمقام, وهذا ما نراه كثيراً هناك اليوم, ومن الخطأ اعتقاد أن ركعتي الطواف لا بد أن تكون خلف المقام مباشرة أو قريبة منه, ولو أدى ذلك إلى الإضرار بالناس بسبب شدة الزحام, ولا يشرع إطالة ركعتي الطواف ولا الدعاء بعدها. ومن المخالفات التي تقع من بعضهم إذا فرغ من توديع البيت وأراد الخروج من المسجد أنه لا يمضى على وجهه حتى يخرج وإنما يمشي القهقرى, وهذا الفعل لم ينقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه بل هو من البدع المحدثة5.
هذا ما تيسر جمعه من أحكام الطواف والتي نسأل الله أن ينفع بها المسلمين إنه سميع مجيب, وصلى الله على محمد, وعلى آله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين.
1 رواه النسائي(2873) (ج 9 / ص 368) وصححه الألباني في تحقيق سنن الترمذي برقم (2922).
2 رواه البخاري برقم (1517) (ج 6 / ص 55) ومسلم (2401) (ج 7 / ص 68) وأبو داود (1662) (ج 5 / ص 302) والترمذي (3017) (ج 10 / ص 358) والنسائي (2908) (ج 9 / ص 428) وأحمد (560) (ج 2 / ص 66).
3 رواه مسلم (2286) (ج 6 / ص 426).
4 رواه مسلم (2369) (ج 7 / ص 27).
5 استفيد الموضوع من كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي أثابه الله, وكتاب التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة بتصرف للعلامة ابن باز رحمه الله رحمة واسعة.