جائزة الحاج

جائزة الحاج

 

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلاً، ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها، فلم يتخذوا سواها فسلكوا السبيل الموصلة إليها، وحفها بالمكاره، وأخرجهم إلى دار الامتحان ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه، وأودعهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وجلَّاها لهم حتى عاينوها بعين البصيرة التي هي أنفذ من رؤية البصر، وبشَّرهم بما أعد لهم فيها على لسان رسوله، الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له في الفوز بالجنة، والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين؛ بعثه للإيمان منادياً، وإلى دار السلام داعياً، وللخليقة هادياً، ولكتابه تالياً، وفي مرضاته ساعياً، وبالمعروف آمراً، وعن المنكر ناهياً، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن مما لا شك فيه أن الحج إلى بيت الله الحرام من أفضل القربات، وأعظم الطاعات التي يؤديها العبد، ومع أداء الحاج لهذه الفريضة لابد له أن يعلم أن الله – عز وجل – قد أعد له ولسائر الحجاج جائزة عظيمة وكبيرة جزاء عمله وصنيعه، بشرى تزف للحاج إلى بيت الله الحرام، وهدية تقدم له من مالك الملك.

فمن الجوائز والبشائر لهذا الحاج:

أولاً: ما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))1، هذه أولى بشائر الحج التي بشر الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – أمته فقال: إن جزاء الحاج أن يرجع كيوم ولدته أمه، ومعنى هذا أن يرجع خالياً من الذنوب قال الحافظ ابن حجر: "أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب، وَظَاهِره غُفْرَان الصَّغَائِر وَالْكَبَائِر وَالتَّبِعَات"2.

ثانياً: مما يناله الحاج في حجه ما جاء أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ))3، فوعد – صلى الله عليه وسلم – بأنه ليس له جزاء إلا الجنة وأن ما دون الجنة ليس بجزائه، وإن كانت العمرة وغيرها من أفعال البر جزاؤها تكفير الذنوب، وحط الخطايا؛ لما يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه ،ولا بد أن يبلغ به إدخاله الجنة، والله أعلم.4

وهذا للحج الذي وفيت أحكامه، ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل، فلا جزاء له إلا الجنة.

ثالثاً: من الجوائز الربانية التي أعدت للحاج إعتاق الله لهم من النار في يوم عرفة فعن عَائِشَةَ – رضي الله عنها – أنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْداً مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ))5.

رابعاً: من الجوائز الإلهية التي أعدها الله للحجاج أنه يباهي بهم ملائكته فقد ثبت عن عَائِشَةَ – رضي الله عنها – أنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ))6.

خامساً: من أعظم الجوائز التي أعدها الله لعباده الحجاج أن الله – عز وجل – يغفر لهم ذنوبهم فعن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان يوم عرفة إن الله ينزل إلى السماء فيباهي بهم الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم، فتقول له الملائكة: أي رب فيهم فلان يزهو وفلان وفلان قال: يقول الله: قد غفرت لهم، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: فما من يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة))7.

فهذا بعض ما أعده الله – عز وجل – لعباده المؤمنين الذين استجابوا لنداء الحج، ولبوا وأهلوا بالحج، فكان جزاء عملهم:

·       مغفرة الذنوب ((مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))8.

·       دخول الجنة ((الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ))9.

·       إعتاق من النار ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْداً مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ))10.

·       مباهاة الله بهم الملائكة ((وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ))11.

ولا تتحصل هذه الفضائل إلا لمن حج بيت الله الحرام على الوجه الذي أمر الله به، وخلَّص حجه من الأمور التي تنقص أجر ذلك الحج، فمن كان هذا حاله فإنه ينطبق عليه ما جاء عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – من الأجر والثواب، وبكون ممن حاز الجائزة العظمى التي بشر بها النبي – عليه الصلاة والسلام -: ((لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ))، ((رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)).

نسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا إلى مرضاته، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


1 صحيح البخاري (1690).

2 فتح الباري لابن حجر (ج5/ص157).

3 صحيح البخاري (1650).

4 المنتقى شرح الموطأ (ج2/ص306).

5 صحيح مسلم (2402).

6 صحيح مسلم (2402).

7 صحيح ابن خزيمة (ج10/ص227)، وفي ضعيف الترغيب والترهيب (ج1/ص185).

8 صحيح البخاري (1690).

9 صحيح البخاري (1650).

10 صحيح مسلم (2402).

11 صحيح مسلم (2402).