العمرة

العمرة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد خلق الله الخلق لعبادته وحده لا شريك له: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} سورة الذاريات(56). ومن فضل الله على عباده أنه نوع لهم في العبادة فمن هذه العبادات ما هي عبادة بدنية محضة كالصلاة، والصيام، والذكر والدعاء، وقراءة القرآن، وما إلى ذلك، ومنها ما هي عبادة مالية محضة، كالزكاة الواجبة، والصدقة المستحبة، ومنها ما هي عبادة مشتركة: بدنية، ومالية؛ كالحج والعمرة.

وقد جاءت نصوص كثيرة في فضل العمرة، فمن ذلك  ما جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). وكذلك جاء في فضل العمرة والمتابعة بينها: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة…)1.

وأفضل وقت للعمرة في رمضان، فإن العمرة فيه لها مزية خاصة عن بقية شهور السنة، فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من حجته قال لأم سنان الأنصارية: (ما منعك من الحج؟) قالت: أبو فلان -تعني زوجها- له ناضحان -أي جملان- حجَّ على أحدهما، والآخر يسقي أرضاً لنا. فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تقضي حجة معي). فقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- العمرة في رمضان تعدل حجة، وليس أي حجة!، بل حجة معه عليه الصلاة والسلام.

وإليك -أخي وفقني الله وإياك لطاعته- صفة العمرة على سبيل الإيجاز:

أولاً: الإحرام من الميقات: ومواقيت الحج أو العمرة هي كالتالي:

1- ذو الحليفة (موضع بينه وبين مكة 450كيلومتر يقع في شمالها)، وهو المسمى عند الناس اليوم أبيار علي، وهو ميقات أهل المدينة.

2 – الجحفة، (موضع في الشمال الغربي من مكة بينه وبينها 187كيلومتر) وهي ميقات أهل الشام، وهي قرية خراب تلي رابغ، و رابغ بينها وبين  مكة 204 كيلومتر وقد صارت رابغ ميقات أهل مصر والشام، ومن يمر عليها بعد ذهاب معالم الجحفة، ومن أحرم من رابغ فقد أحرم من الميقات؛ لأن رابغ قبلها بيسير.

3- قرن المنازل (جبل شرقي مكة يطل على عرفات، بينه وبين مكة 94 كيلومتر) وهو المسمى اليوم السيل، وهو ميقات أهل نجد.

4- يلملم (جبل يقع جنوب مكة، بينه وبينها 54كيلومتر) وهو ميقات أهل اليمن.

5- ذات عرق (موضع في الشمال الشرقي لمكة، بينه وبينها 94كيلومتر) وهي ميقات أهل العراق2. وقد نظمها بعضهم فقال:

عرق العراق يلملم اليمن *** وبذي الحلـيفة يحرم المدني

والشام جحفة إن مررت بها *** ولأهـل نجد قرن فاستبن

والأصل في تحديد المواقيت ما رواه البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وقال: (هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ). وكذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم(6629) عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْق.

فيحرم كل من كان من أهل تلك البلد من المكان الذي حدده النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن المنازل،  وأهل اليمن من يلملم، وأهل العراق من ذات عرق.

ويكون الإحرام بعد أن يغتسل، ثم يتطيِّب في بدنه كرأسه ولحيته، ولا يطيب لباس إحرامه، فإن أصابه طيب فليغسله، ويتجرد من المخيط، ويلبس رداءً وإزاراً أبيضين ونعلين..

هذا بالنسبة للرجل، وأما المرأة فإنها تغتسل ولو كانت حائضاً، وتلبس ما شاءت بشرط أن يتوافر في اللباس جميع شروط الحجاب؛ فلا يظهر منها شيء، ولا تتبرج بزينة، ولا تتطيب، ولا تتشبه بالرجال..

فإن لم يتيسر أن تقف عند الميقات -كالمسافر بالطائرة- فاغتسل من بيتك، فإذا حاذيت الميقات فأحرم، وقل: "لبيك عمرة". وإن خفت ألا تتمكن من إكمال النسك لمرض أو نحوه فقل: "فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني"؛ لما جاء في الحديث المتفق عليه عن ضباعة بنت الزبير -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله، إني أريد الحج وأنا شاكية؟، فقال: (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني). ثم ابدأ بالتلبية حتى تصل مكة.. والتلبية سنة مؤكدة للرجال والنساء، ويسنُّ للرجال رفع الصوت بها التلبية دون النساء، وصفة التلبية: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". ويسنُّ الاغتسال قبل دخول مكة إن تيسر ذلك.

فإذا أحرمت من الميقات فإنه يحرم عليك أن تفعل في حال إحرامك الأمور التالية حتى تتحلل من إحرامك، وهي على النحو التالي:

أولاً: إزالة الشعر، وتقليم الأظافر.

ثانياً: استعمال الطيب.

ثالثاً: قتل الصيد البري، أما البحري فجائر.

رابعاً: لبس المخيط (على الرجال دون النساء) والمخيط هو المفصل على البدن كالثوب والفانيلة والسراويل والقميص والبنطلون والقفاز والجوارب. أما ما فيه خياطة ولم يكن مفصلاً فلا يضر المحرم؛ كالحزام أو الساعة أو الحذاء الذي فيه خيوط.

خامساً: تغطية الرأس أو الوجه بملاصق (على الرجال) كالطاقية والغترة والعمامة والقبعة وما شابه ذلك؛ ويجوز الاستظلال بالشمسية والخيمة والسيارة، ويجوز حمل المتاع على الرأس إذا لم يقصد به التغطية.

سادساً: لبس النقاب والقفازين (على المرأة) فإذا كانت أمام رجال أجانب وجب ستر الوجه واليدين بغير النقاب والقفاز، كسدل الخمار على الوجه وإدخال اليدين في العباءة.

سابعاً: عقد النكاح.

ثامناً: الجماع، ومقدماته كالمباشرة بشهوة، أو إنزال المني باستمناء.

ثانياً: إذا وصل المعتمر إلى المسجد الحرام فليقدم رجله اليمنى قائلاً: "باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم"، وهذا الدعاء يقال عند دخول سائر المساجد أيضاً.

ثالثاً: ثم يبدأ بالطواف من الحجر الأسود؛ وذلك بأن يستقبل الحجر الأسود، ويقول: "الله أكبر" ويستلمه بيمينه ويقبله إن تيسر له ذلك، وإن لم يتيسر التقبيل فليستلمه بيده أو بغيرها، وليقبل ما استلمته به، فإن لم يتيسر له ذلك فلا يزاحم الناس، وإنما يشير إليه بيده مرة واحدة، ولا يقبل يده. ويفعل ذلك في بداية كل شوط من أشواط الطواف.

ثم يطوف سبعة أشواط جاعلاً البيت عن يساره؛ يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، ويمشي في الباقي"والرمل هو: سرعة المشي مع تقارب الخطى"، ويضطبع في جميع الأشواط "والاضطباع هو: أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر". والرمل والاضطباع مختصان بالرجال، وكذلك مختصان بطواف العمرة أو بطواف القدوم للقارن والمفرد في الحج". فإذا وصل إلى الركن اليماني فيستلمه بيده إن تيسر ذلك ولا يقبله، فإن لم يتيسر فلا يشير إليه. ويستحب أن يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبّنَآ ءَاتِنَا فِي الدُنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النّارِ} سورة البقرة(201). وليس في الطواف ذكر مخصوص ثابت غير هذا. ويستحب: كثرة الذكر والدعاء، وإن قرأ شيئاً من القرآن فحسن..

رابعاً: إذا انتهى من الشوط السابع عند محاذاة الحجر الأسود فليغط كتفه الأيمن، وليذهب إلى مقام إبراهيم إن تيسر، ويقرأ قوله تعالى: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} سورة البقرة(125). ويجعل المقام بينه وبين الكعبة إن تيسر، ثم يصلي ركعتين، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} سورة الكافرون:1، وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} سورة الإخلاص:1.

خامساً: ثم يذهب إلى زمزم فيشرب من مائها، ويدع الله، ويصُب على رأسه، ثم إن تيسر فيرجع إلى الحجر الأسود ويستلمه.

سادساً: ثم يتوجه إلى الصفا، فإذا دنى منه قرأ قوله تعالى: {إن الصّفَا وَالمَروةَ مِن شَعَائِرِ اللّه} سورة البقرة:158. ويقول: "نبدأ بما بدأ الله به". ويصعد الصفا، ويستقبل الكعبة، ويكبّر ثلاثاً، ويقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". يكرر هذا الذكر ثلاث مرات، ويدع بين كل مرة وأخرى بما شاء من الدعاء.

سابعاً: ثم ينزل ليسعى بين الصفا والمروة، وإذا كان بين العلمين الأخضرين فليسع بينهما سعياً شديداً "والسعي الشديد خاص بالرجال دون النساء" فإذا وصل إلى المروة فليصعد عليها وليستقبل الكعبة، وليقل كما قال على الصفا، وهكذا يصنع في باقي الأشواط، الذهاب شوط والعودة شوط حتى يكمل سبعة أشواط؛ فيكون نهاية الشوط السابع بالمروة. وليس للسعي ذكر مخصوص، وإنما يكثر مما شاء من الذكر والدعاء وقراءة القرآن.

ثامناً: إذا انتهى من السعي فليحلق رأسه أو يقصره، والحلق أفضل للمعتمر، إلا أن يكون الحج قريباً فالتقصير أفضل؛ ليكون الحلق في الحج، ولا يكفي تقصير بعض الشعر من مقدمة الرأس ومؤخرته؛ كما يفعله بعض الناس، بل لابد من تقصير جميع شعر الرأس أو أكثره.

أما المرأة فتجمع شعرها وتأخذ منه قدر الأنملة، وإذا كان شعرها مدرجاً "أي متفاوت الطول" فتأخذ من كل درجة.3

وبهذا يكون المسلم والمسلمة قد فرغا من أداء مناسك العمرة، فليسألا الله الإخلاص والقبول.. نسأل الله أن يتقبل منا ومن جميع المسلمين أعمالهم، وأن يثيبنا وإياهم على ذلك الثواب الجزيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 


1 أخرجه الترمذي، والنسائي، وأحمد، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، وقال الألباني: "صحيح" كما في صحيح الجامع، رقم (2901).

2 يراجع: التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (1/18), وفقه السنة لـ(سيد سابق) (1/653).

3 بتصرف من موضوع بعنوان: "صفة العمرة-أحكام وتنبيهات" ليوسف بن عبد الله الأحمد.