نصائح وتنبيهات للحاج

نصائح وتنبيهات للحاج

 

الحمد لله رب العالمين، ولاعدوان إلا على الظالمين، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، أشهد أنه واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وأصلي وأسلم على خير خلقه، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، خير من صلى وصام، وسجد لربه ثم قام، أما بعد:

فإن الحاج إلى بيت الله الحرام قد قام بركن من أركان الإسلام، وأرسى دعامة من دعائمه، لا سيما إذا أخلص حجه لله، وأسلم قلبه لمولاه، واتبع سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مهتدياً بكتاب ربه، ومقتدياً بسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم -، ومحكماً فهم سلف هذه الأمة، فقد حاز على الفضل العظيم، والأجر الكثير، حتى يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، كما أن له في سيره آداباً، وفي حجه أخلاقاً يجب التنبيه عليها حتى يحوز على كمال الأجر من المولى – سبحانه وتعالى -:

أولاً: ينبغي لك أن تجتنب الاقتراض لأداء الحج؛ لأن الحج لا يجب إلا على من استطاع إليه سبيلاً.

ثانياً: يجب أن تتعلم المناسك؛ لئلا تعرض نفسك إلى ما يفسد عملك، أو ينقص أجرك وأنت لا تدري.

ثالثاً: اجتهد في التمسك بسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مهما تكن الظروف.

رابعاً: تجنب مراقبة الناس، وركز على أفعالك وطريقة عبادتك؛ وذلك لأنك قد ترى أشياء قد تستغرب فعلها من بعض المسلمين وذلك بسبب جهلهم, وتحلَّ بالهدوء والصبر لأن ذلك من عظيم الخلق، كما يجب عليك تجنب ارتكاب المعاصي، وأبعد نفسك عن الجدال والشجار.

خامساً: تجنب مزاحمة الناس وإيذاءهم في الطواف والسعي، وفي سائر العبادات، وتجنب الاصطدام والاحتكاك بالنساء في الأماكن التي يكون فيها الازدحام شديداً كالطواف والسعي، وفي عرفات، كما يجب عليك أن تبذل الود واللطف مع أهل الحرمين, وإياك والشدة والعنف معهم فإن أهل مكة جيران بيت الله, وأهل المدينة جيران رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

نصائح في الطواف:

اعلم أخي الحاج أن الطواف هو تحية بيت الله الحرم, وهو صلاة أبيح فيها الكلام، لذلك يشترط له الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، وستر العورة، وينبغي لك وأنت تؤدي هذه الشعيرة:

       أن تتجنب طول الوقوف عند الحجر للإشارة؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى زحام شديد.

       وأن تتجنب المزاحمة لتقبيل الحجر الأسود؛ لأن تقبيله سنة، وعدم إيذاء نفسك والناس واجب، والواجب مقدم على السنة.

       ويستحب أن تكون في طوافك خاضعاً خاشعاً متضرعاً، حاضر القلب، مجمعاً قلبك بكليته على الله.

   وتجنب في الطواف فرقعة الأصابع وتشبيكها؛ لأن فيه شغلاً عن الإخبات والاستكانة، كما يكره الأكل والشرب، والكلام بغير الذكر والدعاء، ويكره الطواف مع مدافعة البول أو الغائط أو الريح، كما يجب الانتباه إلى جعل الطواف من وراء الحطيم وليس من داخله لأنه عندئذ يكون الحاج قد طاف ببعض الكعبة، وبذلك يبطل الشوط الذي طافه.

       تجنب رفع الصوت في الطواف لأن رفعه قد يشوش على بعض الطائفين.

   تجنب الرمل في كل الأشواط؛ لأن الرمل سنة في الأشواط الثلاثة الأولى للطواف الذي بعده سعي فقط، وتجنب الاضطباع عند الصلوات.

   وتجنب التمسح بمقام سيدنا إبراهيم – عليه السلام – وتقبيله؛ لأنه بدعة مخالفة للسنة، وكذلك التمسح بجدران الكعبة، وتجنب الإصرار على الصلاة خلف مقام سيدنا إبراهيم بعد الطواف إذا كان هناك زحام شديد

       كما يجب أن تتجنب النساء إظهار شعرها أمام الرجال عند التحلل.

نصائح في يوم عرفة:

       احرص على الجهر بالتلبية في المسير إلى عرفة.

       وتجنب الكسل والفتور في يوم عرفة، وتضييع الوقت.

       واشغل نفسك بالدعاء والذكر لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة))[1].

       واستقبل القبلة عند الدعاء إن أمكن.

   واحرص على الوقوف في حدود عرفة وليس خارجها، وتنبه أن مسجد نمره ثلاثة أرباعه في عرفات والربع الرابع خارج عرفة، فتنبه لهذا لئلا يفوتك الحج بفوات الوقوف بعرفة.

       وتجنب الوقوف على جبل الرحمة؛ إذا كان يؤدي إلى الزحام، وإيذاء الناس.

   واحرص على النزول من عرفة بعد مغيب الشمس, فبذلك تجمع بين الليل والنهار, فإذا نزلت قبل الغروب فعليك دم، وأحسن الظن بربك، وانطرح بين يديه.

       إياك وسوء الظن به – أي بأن تشك أن الله لن يغفر لك -, لأنه يكون عندئذ أول ذنب ترتكبه.

نصائح في مِنى:

       تأكد من سقوط الحصى في المرمى وعدم الرمي كيفما اتفق.

       وتجنب رمي الحصى جمعاً دفعة واحدة؛ لأنها لا تحسب للحاج عندئذ إلا حصاة واحدة.

       وتجنب الرمي عكس الترتيب بل يجب أن تبدأ من الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى.

       وتجنب الرمي بعدد أقل أو أكثر من الحصى على سبيل التعمد، إلا إذا كنت قد شككت في العدد.

   ولا تهمل الدعاء بعد الجمرة الصغرى والوسطى؛ لأنه خلاف السنة، وتفويت لخير عظيم، ولا تدْعُ بعد الجمرة الكبرى – جمرة العقبة – لأنه خلاف السنة.

نصائح في المدينة المنورة:

       الالتزام بالسنة النبوية بشكل جيد، وتوقيرها توقيراً شديداً.

   وعندما يُوصَى الحاج بالسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أحد فلا يقل: السلام عليك يا رسول الله من الشيخ، أو الحاج، أو المهندس، أو الدكتور فلان، بل يذكر اسمه المجرد فقط، لأنه ليس هناك أية مراتب أمام سيد المرسلين – صلى الله عليه وسلم -.

       واحرص على الصلاة في الروضة الشريفة؛ لأنها روضة من رياض الجنة.

       وحذارِ حذارِ من أن تتمسح أو تقبل جدار قبره – صلى الله عليه وسلم -.

   وتحلَّ بالسكينة والوقار، والأدب الجم إذا مشيت في المدينة؛ لأنك تمشي على خطى النبي – صلى الله عليه وسلم – والصحابة الكرام.

   وإياك والضحك والتكلم بصوت عالٍ, حيث أن رفع الصوت عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يحبط الأعمال الصالحة.

   وإياك والتدخين – خصوصاً – في تلك الأراضي المقدسة؛ لأنه يعتبر من الفسوق، وخاصة في مدينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ويعتبر أيضاً من قلة الأدب مع حضرة الرسول الأعظم – صلى الله عليه وسلم -.

وفي الختام: هذه بعض النصائح والتنبيهات من محاسن أخلاق ديننا الإسلامي الحنيف، وسمات شريعة محمد – صلى الله عليه وسلم – الغراء، وإن كان بعضها مباحاً؛ إلا أن فعله يخل أحياناً بالأدب في تلك المشاعر؛ لأنها مشاعر مقدسة حث الله على تعظيمها فقال: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}[2]، وأكد على حرمتها فقال: {وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}[3]، والأدب فيها؛ أدب مع الله ومع رسوله، ومع الصحابة ومع المسلمين، ومع الحاج نفسه.

اللهم وفقنا لحج بيتك الحرام، وزيارة مدينة نبيك، واجمعنا به في مستقر رحمتك، ودار كرامتك، وصل عليه في الأولين والآخرين، والحمد لله رب العالمين.


 


[1] رواه الترمذي برقم (3509) قال الشيخ الألباني (حسن) انظر حديث رقم 3274 في صحيح الجامع.

[2] سورة الحج (32).

[3] سورة الحج (30).