الحب في الله

الحب في الله

الحمد لله الذي ألف بين المؤمنين ولو أُنْفِقَ أحد البشر ما في الأرض جميعاً لم يُؤلَف بين قلوبهم، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنور الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد أدرك المصطفى  أن أساس المجتمع، وقوته، وترابطه؛ يكون في تماسك أفراده، واجتماعهم، وتآلفهم، فعندما وضع أول قدم له  في المدينة بنى مسجده، وربط  قبل ذلك بين صحابته برباط وثيق، وعلاقة متينة هي علاقة الأخوة في الله والحب في الله، فوجدوا به حلاوة الإيمان قال في الفتح: “ذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق الْمُؤَاخَاة فَقَالَ “قَالَ رَسُول اللَّه  لِأَصْحَابِهِ بَعْد أَنْ هَاجَرَ: تَآخَوْا أَخَوَيْنِ، فَكَانَ هُوَ وَعَلِيّ أَخَوَيْنِ، وَحَمْزَة وَزَيْد بْن حَارِثَة أَخَوَيْنِ، وَجَعْفَر بْن أَبِي طَالِب وَمُعَاذ بْن جَبَل أَخَوَيْنِ”

قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: “كَانَتْ الْمُؤَاخَاة مَرَّتَيْنِ: مَرَّة بَيْن الْمُهَاجِرِينَ خَاصَّة وَذَلِكَ بِمَكَّة، وَمَرَّة بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار فَهِيَ الْمَقْصُودَة هُنَا، وَذَكَرَ اِبْن سَنَد بِأَسَانِيد الْوَاقِدِيّ إِلَى جَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ قَالُوا: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيّ  الْمَدِينَة آخَى بَيْن الْمُهَاجِرِينَ، وَآخَى بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار عَلَى الْمُوَاسَاة، وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ، وَكَانُوا تِسْعِينَ نَفْسًا بَعْضهمْ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَبَعْضهمْ مِنْ الْأَنْصَار، وَقِيلَ كَانُوا مِائَة، فَلَمَّا نَزَلَ: وَأُولُو الْأَرْحَام بَطَلَتْ الْمَوَارِيث بَيْنهمْ بِتِلْكَ الْمُؤَاخَاة”1.

وقد أعلنها  صريحة كما في حديث أنس بن مالك  عن النبي  قال: “ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يلقى في النار2، وفي حديث أبي هريرة  قال: قال النبي  : سبعة يظلهم الله – تعالى – في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل معلقٌ قلبه بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه3. فهنيئاً للمتحابين في الله  يوم يكون الناس في هول الموقف، وقد اقتربت الشمس من الرؤوس قدر ميل، فهي تصهرهم إصهاراً، ويلجمهم العرق إلجاماً، والمتحابون في الله يستظلون بظل عرش الرحمن لم تجمعهم مصالح دنيوية، أو لقاءات حزبية، أو مفاهيم أخرى إلا اجتماع الأخوة الإسلامية، ورابطة الحب في الله عن أبي هريرة  عن النبي  : أن رجلاً زار أخاً له في الله في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله ​​​​​​​ ، قال:فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه4. إذن أيها الأخوة: الحب في الله سبب لنيل رضا الله ومحبته، وكذلك سبب لنيل أعظم المنازل عند الله يوم القيامة، وعن أبي مالك الأشعري  أن رسول الله  أقبل على الناس بوجهه فقال: يا أيها الناس: اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله ​​​​​​​ عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله، فجاء رجل من الأعراب من قاصية الناس، وألوى بيده إلى نبي الله ؛ فقال: يا نبي! ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله؟! انعتهم لنا – (يعني صفهم) فسر وجه رسول الله  لسؤال الأعرابي فقال رسول الله  : هم ناس من أفناء الناس، ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله، وتصافوا؛ يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، ويجلسهم عليها فيجعل وجوههم نوراً، وثيابهم نوراً، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون5.

وعن أبي أمامة الباهلي  أن رسول الله  قال: من أحب لله، وأبغض لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان6

أيها الأحبة: إن المتحابين في الله قد أحبهم الله، فعن عمرو بن عبسة  قال: سمعت رسول الله يقول: قال الله ​​​​​​​ : قد حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتصادقون من أجلي7 وقريب من هذا حديث أبي إدريس الخولاني – رحمه الله – قال: دخلت مسجد دمشق الشام فإذا أنا بفتى براق الثنايا، وإذا الناس حوله إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه، فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان الغد هجرت فوجدت قد سبقني بالهجير، وقال إسحاق بالتهجير، ووجدته يصلي فانتظرته حتى إذا قضى صلاته جئته من قبل وجهه فسلمت عليه، فقلت له: والله إني لأحبك لله ​​​​​​​ فقال: ألله، فقلت: ألله، فقال: ألله، فقلت: ألله، فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه، وقال: أبشر فإني سمعت رسول الله  يقول: قال الله ​​​​​​​: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ8 وبالمحبة يدرك المرء أقواماً لا يمكنه إدراكهم بدونها ففي حديث عبد الله بن مسعود  قال: جاء رجل إلى رسول الله  فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله : المرء مع من أحب.9

وعن أنس بن مالك  أن رجلاً سأل النبي : متى الساعة يا رسول الله؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة، ولا صوم، ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت10

وعن سفيان بن عيينة – رحمه الله – قال: سمعت مساور الوراق يحلف بالله ​​​​​​​ ما كنت أقول لرجل إني أحبك في الله فأمنعه شيئاً من الدنيا.

اللهم اجعلنا من المتحابين فيك، اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.


1فتح الباري : باب كيف آخى النبي  بين أصحابه.

2– البخاري ومسلم.

3– البخاري ومسلم.

4-أخرجه مسلم.

5–  أخرجه أحمد وأبو يعلى بإسناد حسن والحاكم وقال صحيح الإسناد وصححه الألباني في السلسلة: 3464.

6– رواه أبو داود وأحمد وقال الألباني صحيح.

7– رواه أحمد ورواته ثقات والطبراني في الثلاثة واللفظ له ولحاكم وقال صحيح الإسناد، وصححه الألباني في الترغيب: 3021.

8– رواه مالك في الموطأ وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.

9– البخاري ومسلم.

10– البخاري ومسلم.