كفالة حج لمسلم جديد
الحمد لله، بصَّر عباده الطريق بعد عمى، وهداهم لدينه وقد طالهم الغوى، ودلهم على النجاة من سبل الهوى، والصلاة والسلام على خير من دعى، وأزكى من هدى، أما بعد:
المهتدي الجديد إنه رجل كان هنا قبل ساعات، تقلب في ظلمات التيه ردحاً من الزمن، تلفح دياجير الجهالة بعدما ضل طريق الهدى، وعاش حياة العفن.
تخبط يمنة ويسرة فلم تزده حياته إلا شقاء، وقد عانق من الثرى القمم، ليشاء الله لقلبه أن يبصر طريق النور الذي ضله، ويسلك درب الرشاد الذي عنَّا عنه وما عرفه.
ويأذن الله – سبحانه – لهدايته أن تخرج من تحت الرماد، وتعانق بزوغ الفجر فقد طال الرقاد، لتستبشر الدنيا قاطبة، وتبهج ربوع الكون، وترتسم البسمة على شفاة أهل الإسلام فقد انضم إلى قوافل المهتدين: مسلم جديد، فالله أكبر، وله المنة والفضل أولاً وآخراً.
أيها المبارك:
إن فئة المهتدين الجدد هم إخوانك، جمعت بينك وبينهم وشاج الدم والعقيدة، ورباط الدين والشريعة، جمعت بينك وبينهم لا إله إلا محمد رسول الله ﷺ ليغدوا بنطقها واعتناقها من إخوانك ولو اختلفت البلدان، وتباعدت الأقطار، وتباينت الألوان.
إلا أنهم ما زالوا في أول الطريق، وفي بداية المسير، فكيف نتألف قلوبهم لهذا الدين، ونصل بهم إلى ما يرضي رب العالمين؟ هنا المحك.
إن الوسائل المتاحة متعددة، ولن يعوز القائمين عليهم، والمكلفين بشؤونهم؛ من وسائل تمكنهم من عون هذه الشريحة؛ ليشقوا طريق البداية، ويواصلوا درب الهداية وهم في أحسن حال، وما تزيدهم الأيام من ربهم إلا هدى، وما تسير بهم إلا إلى روح من الله وريحان، وهذا بفضل من الله متيسر ومتسهل، ولا أدل على ذلك من الإحصائيات الصادرة، والتقارير الواردة التي توافينا بها مراكز الجاليات لدعوة غير المسلمين بين حين وآخر.
إلا أننا هنا نبحث عن الوسيلة الأنجع، والطريقة المثلى والأنفع، ولعل من أعظم الأمور التي تترك صداها في قلوبهم، بل وتجعل الأثر عميقاً في نفوسهم؛ مشهد المسلمين في الحج وقد قصدوا بيت الله الحرام من كل فج. وإليك المقترح:
ومن هنا جاء المقترح أن تعقد لهذه الشريحة – المهتدين الجدد – رحلة جماعية ليؤدوا شعيرة الحج مع إخوانهم المسلمين من جميع أصقاع الدنيا، فكيف يتم تيسير أمر الحج لهم؟
أيها الموفق: إن الفكرة بحاجة إلى أناس صادقين لتحمل أعباء هذه المهمة، وهي ليست من الصعوبة بمكان، وحتى يرى هذا المشروع النور فدعني أجلي لك هذا المقترح في نقاط لأسهل لك الفكرة أكثر، عسى أن تأخذ منك جانب التبني، وأرجو أن تكون رديفاً لي في إضافة ما تراه مناسباً، فالمقصد والهدف أن تؤتي هذه الرحلة ثمارها، وأن تخرج نتاجها. أولاً: لماذا الحج بالذات:
وسبب تخصيص الحج لأمور منها:
- أن الحج مؤتمر المسلمين الأعظم، يحتشدون إليه من كل صوب وحدب، فمشهد الحجيج في مشاعر الحج يبعث على الغبطة والعزة في النفوس، وهو يرى أنه أصبح أخاً لهؤلاء كلهم لما شهد شهادة الوحدانية.
- لما يلمسه من مظهر الوحدة في الحجاج؛ فلباسهم واحد، وهتافهم واحد، وممشاهم واحد، ومقصدهم واحد هو أن يرضي الله عنهم، فيحرك في قلبه عوالج الأنس والسكينة، وهو يتأمل هذه الوحدة على الرغم من هالة العدد، وكثرته.
- اندفاع الناس إلى أنواع البذل، وأشكال البر في الحج، فكل يجود، وكل يعطي، فلما يرى هذا الكرم والسخاء دون مقابل أو سؤال تزيد قناعته بدينه، وتمسكه بإسلامه.
- ما يقذفه الله سبحانه في قلوب الحجاج من روح الحب، والتفاني لأجل الآخرين، فكل يحنو على الآخر، وكل يبش ويهش في وجهه، فتثير في أشجانه عاطفة الميل والرغبة والثبات على الطريق.
ثانياً: القائمون على المشروع:
الغالب أن تتبني مثل هذه المشاريع مراكز الجاليات لدعوة غير المسلمين المنتشرة بفضل في كثير من الأقطار العربية والإسلامية، بل وتعتبرها من ضمن أجندتها، وبنود مشاريعها، وإن كان ذلك التواجد يؤمل منه أن يتسع ويشمل شريحة عريضة في كافة البلدان العربية والإسلامية، إلا أن هذه السنَّة تبقى سنَّة الحياة، والأجدر أن تتولى مثل هذه المراكز هذا المشروع لأمور:
– أنها أصبحت واجهة أمام الناس في استقطاب هذه الفئة، ورسم البرامج المجدية والجادة لهم.
– تدعيمها بل وتوليها مثل هذه المهمات، وجعلها في قائمة أولوياتها.
– انخراط كثير من قافلة المسلمين الجدد بهذه المراكز مما يجعلها مؤهلة للقيام بمثل هذه المشاريع الخيرية، إلا أنه لا بأس أن يتبنى المشروع أي متحمس لهذه المهمة، وإن كنا ننصحه أن يكون على تواصل مع هذه المراكز؛ ليتسنى أن يقدم لهؤلاء الكثير، خاصة وأن مراكز الجاليات تضع في أولوياتها احتواء هذه الشريحة.
ثالثاً: روافد المشروع:
– المؤسسات والجمعيات الخيرية في البلاد.
– وزارة الأوقاف والدعوة في المنطقة.
– التجار الأخيار وأصحاب الأيادي البيضاء.
ويتم ذلك عن طريق:
– إعداد تقرير كامل عن المركز وأنشطته المستهدفة لهؤلاء، وأرقام تبين حصاد المركز خلال فترة عمله.
– توضيح ما يتركه الحج من أثر في نفوسهم بالواقع والمشاهدة.
– إرفاق ذلك بإعلان عن سير الرحلة، ونجاحها في الأعوام السابقة إن سبق وأقيمت، ومن الموجهين لهم، وإيضاح للشروط التي على وفقها يتم اختيار التفويج للمسلمين الجدد، ثم عريضة بالدور المنشود والمطلوب من الكافلين لهذا المشروع، وعرض للآلية المتبعة للداعمين للفكرة.
رابعاً: معايير الاختيار:
يحبذ أن يتم اختيار المستهدفين للحج وفق معايير معينة، وهذه تنتهجها بعض مراكز الجاليات وهي:
- من لم يسبق له الحج مطلقاً.
- مسلم جديد لا تقل مدة إسلامه عن ستة أشهر.
- مسلم جديد أسلم ومضى على إسلامه فترة طويلة ولم يحج.
- المنتظمون على الدروس باستمرار داخل المركز.
- المنتسبون الجدد للدروس المقامة بالمركز.
خامساً: توصية وتوجيه:
يا من أخذت على عاتقك مسئولة تيسير أمر الحج لإخوانك المهتدين الجدد، إذا تيسرت لك المهمة فلا بد أن تجعل في أولوياتك أن تنظم برنامجاً مكثفاً قبل الحج، وأثناء مناسك الحج؛ على أيدي دعاة مؤهلين بلغات عديدة لهذه الفئة خلال موسم الحج.
أيها السائرون في موكب هداية الناس انطلقوا على بركة الله، وكل ألسنتا لهج لكم بالدعاء أن يبارك الله وثبتكم، ويوفقكم في مطلبكم، وأن يسدد الرب خطاكم، ويجزل الباري عطاءكم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.