حي على خير العمل (2)

حي على خير العمل (2)

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

فإليكم ما تبقى من موضوع الأذان "بحي على خير العمل"

ثانياً: أدلة القائلين ببدعية حي على خير العمل:

1-      قالوا: العبادات توقيفية لا يزاد فيها ولا ينقص منها إلا بنص من الشارع، وهذا متفق عليه عند أهل الاختصاص من علماء الأصول، والأذان عبادة من العبادات تعبدنا الله بها؛ فلا يجوز الزيادة فيها ولا النقص منها، بل يجب الاقتصار على ما جاءنا من الشارع الحكيم، وإجماع العلماء قاطبةً منعقد على أن الأصل في العبادات التوقف، فهذا الإجماع يعتبر حجة في بابه.

2-      أن العبادات والشعائر في دين الإسلام لاتؤخذ ولا تعتبر إلا إذا ثبتت بالأسانيد الصحيحة المتصلة إلى قائلها أو فاعلها، وألفاظ الأذان قد ثبتت عندنا بالأسانيد الصحيحة المروية عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ونقلها إلينا العدول ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه وهم بلال بن رباح – رضي الله عنه – وأبي محذورة، والأسانيد إليهم مستوفية للعدالة، وتمام الضبط والاتصال، ونفي الشذوذ والإعلال.

3-      أن الذي ثبت في حديث بلال وأبي محذورة – رضي الله عنهما –  من ألفاظ الأذان هو خمسة عشر لفظاً، ولم يكن حي على خير العمل منها، فمن أين دخل على ألفاظ الأذان.

4-      أن الروايات التي ذكروها لاتصح أسانيدها كما في رواية الطبراني، فان أبناء حفص رووا عن آبائهم وأجدادهم، وهم مجاهيل لا يعرفون، وجهالتهم جهالة عين وجهالة حال، وكذا رواية ابن أبي شيبة ومحمد بن الحسن لا تصح، وأما روايات البيهقي فهي أصحها قال ابن حزم – رحمه الله -: "وقد صح عن ابن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف: أنهم كانوا يقولون في أذانهم "حي على خير العمل"، ولا نقول به لأنه لم يصح عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا حجة في أحد دونه، ولقد كان يلزم من يقول في مثل هذا عن الصاحب: مثل هذا لا يقال بالرأى: أن يأخذ بقول ابن عمر في هذا، فهو عنه ثابت بأصح إسناد 1، وقال الحسن بن حي: يقال في العتمة الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، ولا نقول بهذا أيضاً، لأنه لم يأت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -"2.

ومن دجل الروافض وكذبهم الاستدلال بقول الإمام الشوكاني – رحمه الله – في نقله عن صاحب "الإحكام" أن "حي على خير العمل" ثابتة، ولذلك وجب نقل كلام الإمام الشوكاني ليتضح مذهبه فيها؛ قال – رحمه الله -:

" وَالْحَدِيثُ – أي حديث أبي محذورة – لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَقَدْ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ إلَى إثْبَاتِهِ، وَأَنَّهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالُوا: يَقُولُ مَرَّتَيْنِ: حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَنَسَبَهُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ إلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّة،ِ فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَلْ خِلَافُ مَا فِي كُتُبِ أَهْلِ الْبَيْتِ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إنَّ الْفُقَهَاءَ الْأَرْبَعَةَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ يَعْنِي فِي أَنَّ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْإِمَامُ عِزُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ، واحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ بِمَا فِي كُتُبِ أَهْلِ الْبَيْتِ "كآمالي أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى وَالتَّجْرِيدِ، وَالْأَحْكَامِ وَجَامِعِ آلِ مُحَمَّدٍ" مِنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ فِي الْأَحْكَامِ: وَقَدْ صَحَّ لَنَا أَنَّ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يُؤَذَّنُ بِهَا، وَلَمْ تُطْرَحْ إلَّا فِي زَمَنِ عُمَرَ، وَهَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي جَامِعِ آلِ مُحَمَّدٍ، وَبِمَا أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ أَحْيَانًا، وَرَوَى فِيهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنُ أَنَّهُ قَالَ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ، وَرَوَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي أَحْكَامِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ أَذَّنَ بِذَلِكَ، قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: رَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنِ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي أمامه بْنِ سَهْلٍ ألبدري، وَلَمْ يَرْوِ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ مَرْفُوعًا، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: وَقَدْ صَحَّحَ ابْنُ حَزْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وسعيد بن مَنْصُورٍ؛ ثُبُوتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي أمامه بْنِ سَهْلٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا؛ لَيْسَ بِصَحِيحٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ مَرْفُوعًا قَوْلَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ الرَّفْعُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ أَدِلَّةِ إثْبَاتِهِ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِذِكْرِ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ، قَالُوا: وَإِذَا صَحَّ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِأَحَادِيثِ الْأَذَانِ لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِيهَا، وَقَدْ أَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا فِي نَسْخِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَثْبُتُ النَّسْخُ بِمِثْلِهَا"3.

وإذا نظر الباحث عن الحق إلى كلام الإمام الشوكاني أدرك نفي الإمام لهذه اللفظة الداخلة على الأذان، وتضعيفه لرواياتها.

الراجح:

الراجح من أقوال أهل العلم أن لفظ "حي على خير العمل" لفظ محدث ليس من ألفاظ الأذان الواردة بالتواتر من حديث بلال وأبي محذورة – رضي الله عنه الله عنهما – في الصحيحين وفي غيرهما، وإن صح شيء من هذا عن ابن عمر- رضي الله عنهما – فإنما كان يقوله على سبيل التوكيد أو أحيانا أو في سفره وعلى صحة نسبته إليه فإنه يخرج على ماذكرنا؛ لأن ابن عمر – رضي الله عنهما – كان شديد الاتباع،  متمسك بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – في كل صغيرة وكبيرة، وعلى كلٍ فقول النبي – صلى الله عليه وسلم – وفعله وما علم عنه وعن صحابته الكرام، وما سار عليه التابعون ومن بعدهم من القرون المفضلة إلى يومنا هذا؛ هو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، والنور الذي ليس بعده إلا الظلام.

والخير كل الخير في اتباع من سلف                   والشر كل الشر في ابتداع من خلف

وعلى هذا الأئمة الأربعة وعلماء المسلمين من كل الأقطار، ولم يخالف في ذلك إلا الروافض والشيعة، وبعض الزيدية، ومن باب "وشهد شاهد من أهلها" فقد قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: إنَّ الْفُقَهَاءَ الْأَرْبَعَةَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ يَعْنِي فِي أَنَّ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ، وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْإِمَامُ عِزُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ، وهؤلاء من علماء الزيدية المشاهير4.

وأما رواية الإمام البيهقي – رحمه الله – التي يعتمدون عليها فقد قال البيهقي: "ولم يثبت هذا اللفظ عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما علم بلالاً ولا أبا محذورة، ونحن نكره الزيادة فيه" وإسناده أيضاً فيه مجاهيل  كما قال ابن دقيق العيد – رحمه الله – "رجاله مجهولون يحتاج إلى كشف أحوالهم" كما في "تخريج أحاديث الهداية" للزيلعي.

وقال النووي – رحمه الله -: "يكره أن يقال في الأذان: حي على خير العمل؛ لأنه لم يثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والزيادة في الأذان مكروهة عندنا"5.

من أين أُدخلت "حي على خير العمل"؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "هم – أي الروافض – زادوا في الأذان شعاراً لم يكن يعرف على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وهي: "حي على خير العمل"، وغاية ما ينقل إن صح النقل أن بعض الصحابة كابن عمر كان يقول ذلك أحياناً على سبيل التوكيد كما كان بعضهم يقول بين النداءين: حي على الصلاة حي على الفلاح، وهذا يسمى نداء الأمراء، وبعضهم يسميه التثويب، ورخص فيه بعضهم، وكرهه أكثر العلماء، ورووا عن عمر وابنه وغيرهما كراهة ذلك، ونحن نعلم بالاضطرار أن الأذان الذين كان يؤذنه بلال وابن أم مكتوم في مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالمدينة، وأبو محذورة بمكة، وسعد القرظي في قباء؛ لم يكن في آذانهم هذا الشعار الرافضي، ولو كان فيه لنقله المسلمون ولم يهملوه؛ كما نقلوا ما هو أيسر منه، فلما لم يكن في الذين نقلوا الأذان ذكر هذه الزيادة علم أنها بدعة باطلة، وهؤلاء الأربعة كانوا يؤذنون بأمر النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومنه تعلموا الأذان، وكانوا يؤذنون في أفضل المساجد مسجد مكة، والمدينة، ومسجد قباء، وأذانهم متواتر عند العامة والخاصة"6.

وقد أفتت بهذا اللجنة الدائمة في الفتوى رقم "220" حيث قال السائل: ما حكم قول المؤذن في أذانه "حي على خير العمل"؟

فأجابت اللجنة قائلةً: الأذان عبادة من العبادات، والأصل في العبادات التوقيف، وأنه لا يقال: إن هذا العمل مشروع إلا بدليل من كتاب أو سنة أو إجماع، والقول بأن هذه العبادة مشروعة بغير دليل شرعي قول على الله بغير علم، وقد قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}7، وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}8، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) وفي رواية ((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد))9.

فإذا علم ذلك فالأذان الشرعي الثابت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  هو خمس عشرة جملة هي: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، هذا هو الثابت أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  أمر بلالاً أن يؤذن به كما ذكر ذلك أهل السنن والمسانيد، إلا في أذان الصبح فإنه ثبت أن مؤذن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يزيد فيه بعد الحيعلة "الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم"، واتفق الأئمة الأربعة على مشروعية ذلك؛ لأن إقرار الرسول – صلى الله عليه وسلم – لهذه الكلمة من بلال يدل على مشروعية الإتيان بها، وأما قول المؤذن في أذان الصبح حي على خير العمل فليس بثابت، ولا عمل عليه عند أهل السنة، وهذا من مبتدعات الرافضة، فمن فعله ينكر عليه بقدر ما يكفي للامتناع عن الإتيان بهذه الزيادة في الأذان، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم10.

اللهم فقنا في الدين وعلمنا التأويل، والحمد لله رب العالمين.


 


1 – رواية ذلك عن ابن عمر رواها البيهقى (ج 1: ص424 و425)، وكذلك عن على بن الحسين ثم قال: "وهذه اللفظة لم تثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما علم بلالاً وأبا محذورة، ونحن نكره الزيادة فيه".

2 – المحلى (ج3 ص160).

3 – نيل الأوطار (ج 2 ص410- 411)

4 – المرجع السابق.

5 – المجموع ج3 ص 98.

6 منهاج السنة النبوية (ج4 ص 165- ج6ص 294).

7 – سورة الأعراف الآية 33.

8 – الإسراء الآية 36.

9 – صحيح البخاري ومسلم.

10– فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (ج8 ص77).