الأذان بحي على خير العمل (1)

الأذان بحي على خير العمل (1)

 

الحمد لله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد:

فإن المتأمل في منائر المسلمين ومحاريبهم؛ يسمع قول "الله أكبر" يدوي منها في الآفاق؛ فترتاح له النفوس، وتطمئن له القلوب، وتنشرح له الصدور، ويحيا به القلب الميت، وتدمع لمسمعه العين الخاشعة، وتترنم له الخيول، وتعلن صهيلها،  كل ذلك لعظمة معانيه، واتحاد مفرداته التي لها وقع على النفس أيما وقع، لكن سرعان ما نرى الأذان يختلف عن مساره المعروف في بعض بلدان المسلمين من تغيير في كلماته، وتمطيط في ألحانه؛ مما أذهب جماله وروعته، وبهاءه وحسنه؛ والسبب هو ما أحدث فيه وأدخل عليه مما لم يرد عن معلم الإنسانية ونبي البشرية – صلى الله عليه وسلم -، ولعل من أبرز وأظهر ذلك إدخال لفظ "حي على خير العمل" ولفظ "أشهد أن علياً ولي الله"، وسنتحدث بمشيئة الله عن لفظ "حي على خير العمل" حتى يتبين الحق، وتتضح الحقيقة، ويزول الالتباس والشك لكل طالب للحق، وباحث عن الصواب، لاسيما لأولئك الذين يسكنون في المناطق التي يسيطر عليها الشيعة والزيدية في جميع أنحاء العالم؛ فهم يسمعون دائماً هذه الألفاظ، وتتردد على مسامعهم صباح مساء، حتى أن الكثير بدأ يتساءل: هل هذا من فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – أم من فعل أصحابه، أم من فعل التابعين؟ وهل له مستند في الشريعة؟ وما حكمه؟ وعدة تساؤلات تشتت الذهن هنا وهناك؛ ولذا كان لزاماً؛ بحث المسألة بحثاً علمياً مدعماً بالأدلة من الكتاب والسنة، وفهم السلف، ومناقشة كل قول في المسألة حسب الأصول العلمية عند أهل الملكة والاختصاص، بعيداً عن الإسفاف والإخفاف، والاستهزاء والتحقير، والتحيز والعاطفة.

أولاً أدلة القائلين بحي على خير العمل:

1- قال ابن أبي شيبة حدثنا أبو بكر قال: أنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه ومسلم بن أبي مريم أن علي بن حسين – رضي الله عنه – كان يؤذن فإذا بلغ حي على الفلاح قال: حي على خير العمل، ويقول هو الأذان الأول1، وحدثنا أبو خالد عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنه –  أنه كان يقول في أذانه "الصلاة خير من النوم" وربما قال "حي على خير العمل"2، وحدثنا أبو أسامة قال أنا عبيد الله عن نافع قال: كان ابن عمر – رضي الله عنه – زاد في أذانه حي على خير العمل3.

2- روايات البيهقي قال – رحمه الله -: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا مالك بن أنس عن نافع قال: كان ابن عمر يكبر في النداء ثلاثاً، ويشهد ثلاثاً، وكان أحياناً إذا قال "حي على الفلاح" قال على إثرها: "حي على خير العمل" ورواه نافع عن  عبد الله بن عمر، قال: كان ابن عمر ربما زاد في أذانه: "حي على خير العمل"، ورواه الليث بن سعد عن نافع4.

وقال – رحمه الله -: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، أنا أبو بكر بن إسحاق ثنا بشر بن موسى ثنا موسى بن داود ثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه، أن علي بن الحسين كان يقول في أذانه إذا قال: "حي على الفلاح" قال: "حي على خير العمل" ويقول هو الأذان الأول.5

3- رواية محمد بن الحسن:

قال أخبرنا مالك أخبرنا نافع عن ابن عمر: "أنه كان يكبر في النداء ثلاثاً، ويتشهد ثلاثاً، وكان أحياناً إذا قال: "حي على الفلاح" قال على إثرها "حي على خير العمل"6.

4- رواية الطبراني:

حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب ثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد عن عبد الله بن محمد وعمر وعمار ابني حفص عن آبائهم عن أجدادهم عن بلال: أنه كان يؤذن بالصبح فيقول: حي على خير العمل، فأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يجعل مكانها "الصلاة خير من النوم"، وترك "حي على خير العمل".7

ومما يستدلون به أن هذا اللفظ أُذن به على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبي بكر ولم يلغ إلا في عهد عمر – رضي الله عنه – لما خشي عمر- رضي الله عنه – من انصرا ف الناس عن الجهاد إلى الصلاة بحجة أنها خير العمل، وهذا اجتهاد من عمر – رضي الله عنه – لظرف خاص، وحدث معين، فلا يلزم الالتزام به في كل الأحوال، بل إذا أنتفت العلة انتفى الحكم، كما أنه اجتهاد من صحابي، وفعل الرسول – صلى الله عليه وسلم – وإقراره لابن عمر مقدم على كل فعل وقول عمر، وكذا الخليفة الأول أبو بكر الصديق – رضي الله عنه -، وكذالك أئمة ل ال البلقبآل البيت – رضوان الله عليهم- فإنهم متمسكون بهذه السنة منذ زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى يومنا هذا، ويستدلون بالاستصحاب – أي بقاء ما كان على ماكان – فيقولون نستصحب الحكم الأصلي للمسألة وهو الأذان بهذا اللفظ "أي حي على خير العمل" كما كان قبل خلافة عمر – رضي الله عنه -.

يتبع هذا المقال مقال آخر فيه أدلة من قال ببدعية هذا القول


 


1 – المصنف (ج1ص195).

2 – المرجع السابق.

3 – المصنف (ج1 ص196).

4 – السنن الكبرى برقم (1845).

5 – السنن الكبرى برقم (1847).

6 – الموطأ رواية محمد بن الحسن ج1 ص163.

7 – المعجم الكبيرج 1 ص352.