فضل كلمة التوحيد

فضل كلمة التوحيد

 

الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزاً وحصناً، وجعل البيت العتيق مثابة للناس وأمناً، وأكرمه بالنسبة إلى نفسه تشريفاً وتحصيناً ومناً، وجعل زيارته والطواف به حجاباً بين العبد وبين العذاب ومجناً، والصلاة على محمد نبي الرحمة، وسيد الأمة، وعلى آله وصحبه قادة الحق، وسادة الخلق، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فمن المعلوم من الدين بالضرورة عند كل مسلم أن كلمة التوحيد هي لا إله إلا الله، وهي التي يدخل الإنسان بها في الإسلام, وهي كلمة الإخلاص والتقوى، هي كلمة طيبة، ودعوة الحق، والعروة الوثقى، وهي ثمن الجنة, ومفتاح دار السلام؛ قيل لوهب بن منبه – رحمه الله -: "أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك"1.

لا إله إلا الله هي التي من أجلها أرسل الله – تبارك وتعالى – الرسل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}2, وقال – تعالى -: {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ}3, ومن أجلها وضعت الموازين, ومن أجلها جرّدت سيوف الجهاد في سبيل الملك العلام, ومن أجلها حقّت الحاقّة, ووقعت الواقعة, وصار النّاس فريقين: فريق في الجنّة، وفريق في السّعير.

ولا إله إلا الله كلمة لها معنى هو أنه لا معبود حقٌّ أو بحق إلا الله، فكل معبودات عُبدت فإن ذلك يكون بغير الحق قال الله – تبارك وتعالى -: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}4, وفي هذا تنبيه لمن فسر هذه الكلمة بأن معناها أنه: لا إله في الوجود إلا الله، فهذا ليس صحيحاً بإطلاقه، وذلك لأن الله أخبر في كتابه الكريم عن وجود آلهة كثيرة للمشركين اتخذوها من دون الله فقال – سبحانه وتعالى -: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ}5 فسماها – عز وجل – آلهة؛ لكنها آلهة باطلة كما في الآية المتقدمة, وتبين أن الإله الحق والمعبود بالحق هو الله سبحانه وحده لا شريك له.

وفي هذا المقام سنذكر بعض ما ورد في فضل هذه الكلمة:

1.  أنها هي القول الثابت الذي يثبت الله به الذين آمنوا قال الله – تبارك وتعالى -: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء}6، وعن البراء بن عازب – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((المسلم إذا سئل في القبر؛ شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}))7, وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "هو لا إله إلا الله"8, وعن طاوس بن كيسان في قوله – تعالى -: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: "لا إله إلا الله9", وقال الله – تبارك وتعالى -: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء}10, وقال علي بن أبي طلحة في قوله – تعالى -: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَة}: "لا إله إلا الله" {كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ} قال: المؤمن، {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} لا إله إلا الله ثابتة في قلب المؤمن"11, وقال العلامة ابن سعدي – رحمه الله – في قوله – تعالى -: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَة}: "هي شهادة أن لا إله إلا الله وفروعها، {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} وهي النخلة، {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} في الأرض، {وَفَرْعُهَا} منتشر {فِي السَّمَاءِ}، وهي كثيرة النفع دائماً"12، وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "كلمة التوحيد لا شيء أحلى منها، كشجرة طيبة وهي النخلة، وليس في الثمار أحلى من الرطب، ولذلك شبّه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المؤمن في حلاوته ولينه وقوته وثبات أصله بالنخلة فقال: ((لا يسقط ورقها، مثلها كمثل المؤمن))13"14.

2.  أن من أتى بها لا يخلد في النار حتى ولو كان عمل من الخير قليلاً ما دام أنه موحد لحديث أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير)) قال أبو عبد الله البخاري – رحمه الله -: "قال أبان: حدثنا قتادة حدثنا أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((من إيمان)) مكان ((من خير))"15، أي أنه يعذب على قدر معاصيه، ثم يكون في نهاية الأمر إلى الجنة، ولابد من الإخلاص في ذلك لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))16؛ وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة))17, وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((يوضع الصراط بين ظهري جهنم عليه حسك كحسك السعدان، ثم يستجيز الناس فناج مسلم، ومجدوح به، ثم ناج ومحتبس به منكوس فيها، فإذا فرغ الله – عز وجل – من القضاء بين العباد يفقد المؤمنون رجالاً كانوا معهم في الدنيا يصلون بصلاتهم، ويزكون بزكاتهم، ويصومون صيامهم، ويحجون حجهم، ويغزون غزوهم, فيقولون: أي ربنا عباد من عبادك كانوا معنا في الدنيا يصلون صلاتنا، ويزكون زكاتنا، ويصومون صيامنا، ويحجون حجنا، ويغزون غزونا؛ لا نراهم، فيقول: اذهبوا إلى النار فمن وجدتم فيها منهم فأخرجوه؛ قال: فيجدونهم قد أخذتهم النار على قدر أعمالهم، فمنهم من أخذته إلى قدميه، ومنهم من أخذته إلى نصف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى ركبتيه، ومنهم من أزرته، ومنهم من أخذته إلى ثدييه، ومنهم من أخذته إلى عنقه، ولم تغش الوجوه, فيستخرجونهم منها فيطرحون في ماء الحياة، قيل: يا رسول الله وما الحياة؟ قال: غسل أهل الجنة، فينبتون نبات الزرعة, وقال مرة فيه: كما تنبت الزرعة في غثاء السيل، ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله الا الله مخلصاً فيخرجونهم منها، قال: ثم يتحنن الله برحمته على من فيها فما يترك فيها عبداً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا أخرجه منها))18, وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: "أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعليه ثوب أبيض، فإذا هو نائم، ثم أتيته أحدثه فإذا هو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فجلست إليه فقال: ((ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة)) قلت: وإن زنى، وإن سرق, قال: ((وإن زنى وإن سرق)) قلت: وإن زنى، وإن سرق, قال: ((وإن زنى وإن سرق ثلاثاً، ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر)), فخرج أبو ذر يجر إزاره وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر, فكان أبو ذر يحدث بهذا بعد ويقول: "وإن رغم أنف أبي ذر"19.

3.  أنها سبب في عصمة الدم لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال سول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله))20، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: "لما توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب؛ قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله))21، وفي رواية لمسلم: "لما توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر – رضي الله عنهما -: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله)) فقال أبو بكر – رضي الله عنه -: "والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لقاتلتهم على منعه", فقال عمر بن الخطاب: "فوالله ما هو إلا رأيت الله – عز وجل – قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق"22.

4.  حصول شفاعة النبي – صلى الله عليه وسلم – لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: قيل يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لقد ظننت – يا أبا هريرة – أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه))23.

5.  أن كلمة التوحيد من أفضل أنواع الذكر لله – تبارك وتعالى – لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله))24, وعن أبي هريرة رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك))25, وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه))26 قال العلامة ابن رجب – رحمه الله تبارك وتعالى -: "فأما كلمة التوحيد فإنها تهدم الذنوب، وتمحوها محواً، ولا تبقي ذنباً، ولا يسبقها عمل، وهي تعدل عتق الرقاب الذي يوجب العتق من النار"27.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يجعلنا من عباده الموحدين الذين أخلصوا القول والعمل، وأن يجنبنا الزلل في جميع أقوالنا وأعمالنا, ونسأله رضاه والجنة، ونعوذ به من سخطه والنار، بمنَّه وكرمه، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


 


1 انظر صحيح البخاري (1/415).

2 سورة الأنبياء (25).

3 سورة النحل (2).

4 سورة الحج (62).

5 سورة هود (101).

6 سورة إبراهيم (27).

7 رواه البخاري برقم (4422).

8 تفسير القرطبي (9/362).

9 تفسير ابن كثير (4/502)؛ وتفسير الطبري (16/602).

10 سورة إبراهيم (24).

11 تفسير القرطبي (9/362).

12 تفسير السعدي (1/425).

13 رواه البخاري برقم (62)، و(131), و(5771)؛ ومسلم برقم (2811).

14 قوت القلوب (120).

15 رواه البخاري برقم (44)؛ ورقم (6975)؛ ومسلم برقم (193).

16 رواه البخاري في صحيحه برقم (1130).

17 رواه البخاري في صحيحه برقم (6975)؛ ومسلم برقم (325).

18 رواه أحمد في المسند برقم (11096)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن؛ والحاكم في المستدرك برقم (8738) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

19 رواه أحمد في المسند برقم (21504)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

20 رواه البخاري في صحيحه برقم (2786)؛ ومسلم برقم (21).

21 رواه البخاري في صحيحه برقم (6855).

22 رواه مسلم في صحيحه برقم (20).

23 رواه البخاري في صحيحه برقم (99).

24 رواه الترمذي برقم (3383)، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم؛ وابن حبان في صحيح ابن حبان برقم (846)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن؛ والحاكم في المستدرك برقم (1834) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه؛ وحسنه الألباني في صحيح الترمذي برقم (2694).

25 رواه البخاري برقم (3119).

26 رواه البخاري برقم (6040).

27 لطائف المعارف (232).