شذرات من حياة سعد بن معاذ
الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن هذه الأمة لن تنتصر على الأعداء حتى تغير من حالها، وذلك بأن تعود إلى كتاب ربها، وسنة نبيها – صلى الله عليه وسلم – على وفق فهم أئمة الهدى ممن سبقها من هذه الأمة وفي مقدمتهم صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقرنهم خير القرون كما أخبرنا بذلك المعصوم – عليه من ربه أفضل الصلاة وأزكى التسليم -، وهم كذلك: “برك الإسلام، وعصابة الإيمان، وعسكر القرآن، وجند الرحمن، أولئك أصحابه – صلى الله عليه وسلم -، ألين الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأحسنها بياناً، وأصدقها إيماناً، وأعمها نصيحة، وأقربها إلى الله وسيلة”1.
وأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “ورثة الأنبياء، وخلفاء الرسل، ومصابيح الدجى، وأعلام الهدى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء”2. هذه بعض فضائلهم من حيث العموم، ولكنهم متفاوتون في الفضل فيما بينهم، فجنس المهاجرين أفضل من الأنصار، وهكذا يتفاوتون في المنزلة والفضل فيما بينهم. ومن الصحابة الكرام سعد بن معاذ – رضي الله عنه – الذي “كان في الأنصار بمنزلة الصديق في المهاجرين، واهتز لموته العرش، وكان لا يأخذه في الله لومة لائم، وختم الله له بالشهادة، وآثر رضا الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – على رضا قومه وعشيرته وحلفائه، ووافق حكمه الذي حكم به حكم الله فوق سبع سموات، ونعاه جبريل – عليه السلام – إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم موته، فحق له أن تكون مناديله التي يمسح بها يديه في الجنة أحسن من حلل الملوك”3.
وهو الذي قال عنه الشاعر معظماً لشأنه في رفعة الإسلام ونصرته:
فإن يُسلم السعدان يُصبح محمد *** بـمكة لا يخشى خلاف المخالف4
المقصود بالسعدان: “سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة”، وقد تتحقق للشاعر ما تمناه، فقد أسلما السعدان، وأصبح محمد – صلى الله عليه وسلم – منتصراً لا يخشى خلاف من خالفه. وحديثنا في هذه العجالة سيكون عن أحد هذين السعدين: إنه السيد الكبير سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل.
وقد كان إسلام سعد بن معاذ – رضي الله عنه – على يد مصعب بن عمير – رضي الله عنه -“؛ كما قال الذهبي – رحمه الله -. وقصة إسلامه مشهورة رواها ابن إسحاق وغيره؛ يذكر ابن إسحاق: أن أسعد بن زرارة – رضي الله عنه – خرج بمصعب بن عمير – رضي الله عنه -، يريد به دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخل به حائطاً من حوائط بني ظفر فجلسا فيه، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارنا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك، فهو ابن خالتي، ولا أجد عليه مقدماً. قال: فأخذ أسيد بن حضير حربته، ثم أقبل إليهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا سيد قومه فاصدق الله فيه!! قال مصعب: إن يجلس أكلمه، قال: فوقف عليهما متشتماً، قال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة، فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره؟ فقال: أنصفت.
ثم ركز حربته، وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن. فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم به في إشراقه وتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي.
فقام فاغتسل، وطهر ثوبيه، وتشهد بشهادة الحق، ثم قام فصلى ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته، وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً، قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين فو الله ما رأيت بهما بأساً وقد نهيتهما، فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ليخفروك. قال: فقام سعد مغضباً مبادراً تخوفاً للذي ذكر له من أمر بني حارثة، فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً، ثم خرج إليهما؛ فلما رآهما مطمئنين عرف سعد أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما.
فوقف عليهما متشتماً، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره؟ وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير: أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه من قومه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان.
قال: فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره، قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين”5. فلما أسلم سعد بن معاذ ما كان منه إلا أن انقلب إلى أهله داعياً إلى الله كما نقل الذهبي عن ابن إسحاق أنه قال: “لما أسلم وقف على قومه فقال: يا بني عبد الأشهل! كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا فضلاً، وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلامكم علي حرام رجالكم ونساؤكم حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فو الله ما بقي في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا”6.
وقد سجلت كتب السنة النبوية مواقف خالدة لسعد بن معاذ – رضي الله عنه – وهذه المواقف كثيرة، ولكن سنشير إلى موقفين منها:
الموقف الأول: موقفه مع أبي جهل في مكة، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه حدث عن سعد بن معاذ – رضي الله عنه – أنه قال: كان صديقاً لأمية بن خلف، وكان أمية إذا مر بالمدينة انطلق سعد معتمراً فنزل على أمية بمكة، فقال لأمية: انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت، فخرج به قريباً من نصف النهار، فلقيهما أبو جهل، فقال: يا أبا صفوان من هذا معك؟ فقال: هذا سعد، فقال له أبو جهل: ألا أراك تطوف بمكة آمناً وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً، فقال له سعد ورفع صوته عليه: أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة، فقال له أمية: لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم سيد أهل الوادي، فقال سعد: دعنا عنك يا أمية، فوالله لقد سمعت الرسول – صلى الله عليه وسلم – يقول: (إنهم قاتلوك)، قال: بمكة؟ قال: لا أدري، ففزع لذلك أمية فزعاً شديداً، فلما رجع أمية إلى أهله قال: يا أم صفوان ألم تري ما قال لي سعد؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمداً أخبرهم أنهم قاتلي، فقلت له: بمكة؟ قال: لا أدري، فقال أمية: والله لا أخرج من مكة فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس، قال: أدركوا عيركم؟ فكره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى ما يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك، فلم يزل أبو جهل حتى قال: أما إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة، ثم قال أمية: يا أم صفوان جهزيني؟ فقالت له: يا أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: لا ما أريد أن أجوز معهم إلا قريباً، فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلاً إلا عقل بعيره، فلم يزل بذلك حتى قتله الله – عز وجل – ببدر. فهذا الموقف يدل على جرأة سعد بن معاذ – رضي الله عنه – في قول الحق، والصدع به، وقوة شخصيته.
الموقف الثاني: موقفه مع بني قريظة؛ فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: خرجت يوم الخندق أقفو أثر الناس، فسمعت وئيد الأرض من ورائي، فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة، فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، وكان من أعظم الناس وأطولهم، قالت: فمر وهو يرتجز ويقول:
لبث قليلاً يدرك الهيجا حمل * ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت: فقمت فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين فيهم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، فقال عمر: ويحك ما جاء بك لعمري والله إنك لجريئة، ما يؤمنك أن يكون تحوز أو بلاء؟ قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض قد انشقت فدخلت فيها، وفيهم رجل عليه نصيفة له، فرفع الرجل النصيف عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله – رضي الله عنه – فقال: ويحك يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم وأين الفرار إلا إلى الله؟
قالت: ورمى سعداً رجل من المشركين يقال له ابن العرقة بسهم، قال: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله فقطعها، فقال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة، وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية، فبرأ كلمه، وبعث الله الريح على المشركين فكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً، فلحق أبو سفيان بتهامة، ولحق عيينة ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا بصياصيهم فرجع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة، وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد، ووضع السلاح، قالت: فأتاه جبريل – عليه السلام – فقال: أوقد وضعت السلاح فوالله ما وضعت الملائكة السلاح، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم!!، فأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالرحيل، ولبس لأمته، فخرج فمر على بني غنم وكانوا جيران المسجد فقال: (من مر بكم؟) قالوا: مر بنا دحية الكلبي، فأتاهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فحاصرهم خمساً وعشرين يوماً، فلما اشتد حصرهم، واشتد البلاء عليهم، قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاستشاروا أبا لبابة فأشار إليهم: أنه الذبح، فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فنزلوا على حكم سعد، وبعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى سعد، فحمل على حمار وعليه إكاف من ليف، وحف به قومه فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك، وأهل النكاية ومن علمت، فلا يرجع إليهم قولاً، حتى إذا دنا من ذراريهم التفت إلى قومه فقال: قد آن لسعد أن لا يبالي في الله لومة لائم، فلما طلع على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (قوموا إلى سيدكم فأنزلوه)، قال عمر: سيدنا الله، قال: (أنزلوه) فأنزلوه، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (احكم فيهم) قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (لقد حكمت فيهم بحكم الله ورسوله)، ثم دعا الله سعد فقال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك – صلى الله عليه وسلم – من حرب قريش شيئاً فأبقني لها، وإن كنت قطعت بينه وبينهم فاقبضني إليك، فانفجر كلمه وكان قد برأ منه حتى ما بقي منه إلا مثل الحمص، قالت: فرجع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ورجع سعد إلى بيته الذي ضرب عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، قالت: فحضره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر وعمر، قالت: فو الذي نفسي بيده إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله: {رحماء بينهم}سورة الفتح (29) قال علقمة: فقلت: أي أمه فكيف كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصنع؟ قالت: كان عيناه لا تدمع على أحد، ولكنه إذا وجد إنما هو آخذ بلحيته7. وقبل أن نغادر الحديث عن سعد نحب أن نشير إلى وفاته وسبب ذلك، وماذا ظهر بعد وفاته، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له: حبان بن العرقة، وهو حبان بن قيس من بني معيص بن عامر بن لؤي رماه في الأكحل، فضرب النبي – صلى الله عليه وسلم – خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما رجع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الخندق، وضع السلاح، واغتسل، فأتاه جبريل – عليه السلام – وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: قد وضعت السلاح، والله ما وضعته، اخرج إليهم، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (فأين؟) فأشار إلى بني قريظة، فأتاهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فنزلوا على حكمه، فرد الحكم إلى سعد قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم”.
وفي هذا الحديث نفسه أن سعداً قال: “اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك – صلى الله عليه وسلم – وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها، واجعل موتتي فيها، فانفجرت من لبته، فلم يرعهم – وفي المسجد خيمة من بني غفار – إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دماً، فمات منها – رضي الله عنه -. مات شهيداً عليه من الله الرحمة والرضوان، والفوز بالجنان، والنظر إلى وجه الكريم المنان.
وما روي من الأخبار في حادثة موته ما جاء في حديث ابن عمر أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (هذا الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه)8. وأخرج مسلم عن جابر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ) والمقصود بهذا الحديث – والله أعلم – أنه كما قال المناوي: “أي تحرك فرحاً وسروراً بنقلته من دار الفناء إلى دار البقاء؛ لأن أرواح الشهداء مستقرها تحت العرش، تأوي إلى قناديل هناك؛ كما في خبر وإذا كان العبد ممن يفرح خالق العرش بلقائه فالعرش يدق في جنب خالقه، أو اهتز استعظاماً لتلك الوقعة التي أصيب فيها، أو اهتز حملته فرحاً به، فأقيم العرش مقام حامليه”9.
وعن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن للقبر ضغطة ولو كان أحد ناجياً منها نجا منها سعد بن معاذ).10 فهذه نبذه مختصرة عن هذا الصحابي الجليل، بل هو قطرة من بحر، وغيض من فيض، وإلا فإن هذا الرجل سيرته مليئة بالأحداث والمواقف الشريفة.
نسأل الله أن يوفقنا للتمسك بكتاب الله، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – كما تمسك بهما الرعيل الأول من الصحابة والتابعين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
1 إعلام الموقعين، لابن القيم (1/11).
2 الصواعق المرسلة (1/169).
3 حادي الأرواح (140).
4 سير أعلام النبلاء (1/279).
5 سبل الهدى والرشاد (3/199)، وسيرة ابن هشام (1/435).
6 سير أعلام النبلاء (1/280).
7 أخرجه ابن حبان في صحيحه، وقال شعيب الأرنؤوط: “حديث حسن”، كما في تعليقه على صحيح ابن حبان، رقم(7028).
8 أخرجه النسائي في سننه، وقال الألباني: “صحيح” كما في تحقيقه للمشكاة، رقم (136).
9 فيض القدير (3/64).
10 أخرجه أحمد في مسنده وابن احبان في صحيحه، وهو بمعناه في السلسلة الصحيحة للألباني، رقم: (3345).