جماليات شهر الصيام

جماليات شهر الصيام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين .. أما بعد:

يستبشر المؤمن بمقدم شهر رمضان؛ فيسر به لأنه سيمتع فؤاده بالتحليق في رحاب القرآن الكريم، وترتاح نفسه، ويطمئن قلبه، ولسوف يتحلى بآداب الصائم فتتحسن أخلاقه.

إن الخير كل الخير في طيات هذا الشهر الكريم، والجمال كل الجمال على صفحاته المشرقة، فهلم بنا لنطل بعيون قلوبنا فننظر ما في هذا الشهر من جماليات، ولنتأمل ما فيه من روائع، حتى لا يفوتنا شيء من رونق رمضان، ولا نخسر لحظة من لحظات جماله، ولعل من تلك الجماليات التي وهبها الله – عز وجل – شهر رمضان:

1-  أن شهر رمضان هو شهر القرآن، يقبل فيه المسلم على القرآن: قراءة، وتدبراً، وتفسيراً، وحيث القرآن في رمضان له مذاق خاص، فيكفي وأنت قد أطلقت العنان لقلبك يتنقل في رياض القرآن؛ استشعارك في تلك اللحظة أن القرآن أنزل في هذا الشهر العظيم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}1، ولم لا نشكر الله – تعالى – وقد أنعم علينا بالقرآن الكريم، وبشفاء الصدور والأبدان، وكل ما يصلح حياة بني الإنسان.

وللمسلمين مع القرآن تعامل خاص في هذا الشهر؛ فإن نبيهم – صلى الله عليه وسلم – كان يهتم بالقرآن في هذا الشهر الكريم أيما اهتمام فعن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجود بالخير من الريح المرسلة"2، فيكون للقرآن في رمضان القراءة والتدبر، والتأمل والخشوع، واستماع تلاوته.

2- ومما يُتَجَمَّل به شهر رمضان صلاة التراويح، بل القيام بشكل عام، لكن التراويح كمعلم بارز على دخول هذا الشهر، فإذا بك تسمع المآذن وقد أرسلت تلك الآيات أريجاً معطراً ينعش قلوب أهل الإيمان، فتسمع القرآن من هنا وهناك، وليل الدنيا في خشوع وخضوع وهو يستمع إلى كلام الجبار – سبحانه وتعالى -، آيات لو أنزلت على جبل لتصدع {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}3.

إن شهر رمضان يسمى شهر القيام لكثرة القائمين فيه لرب العالمين، فترى الشائب العجوز وقف في الصف يترنح وهو يريد أن يقدم على الله بصلاة يختم بها حياته، وترى المرأة المسكينة وقد انهت أعمال بيتها بسرعة فائقة، وتجهزت واستعدت وتحملت الأعباء، كل ذلك لكي تشهد مع المسلمين صلاة التراويح، حتى الطفل الصغير تجده في الصفوف الأولى مزاحماً الكبار، لا يكلُّ ولا يملُّ، ولا يفتر ولا ينصرف عن الصلاة حتى يفرغ الإمام من صلاته.

إنها صور – والله – مشرقة يتشرف بها رمضان، ويتجمل بها بين أقرانه من الشهور، وكم هو جميل أن تجد المساجد ممتلئة بالمصلين في وقتٍ متأخرٍ من الليل، بل في آخر الليل حين ينزل الله – سبحانه وتعالى – إلى السماء الدنيا فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ينزل ربنا – تبارك وتعالى – كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟))4 هجر الناس الفرش، وتركوا الأزواج والأولاد، بل اصطحبوهم معه لكي يناجوا جميعاً مولاهم الذي يُصلح أحوالهم، ويتولى أمرهم.

فكم يُغبط رمضان على هذا الإقبال على بيوت الله – عز وجل – من كل شرائح المجتمع وكل طبقاتهم.

3- ما تجد الناس أكثر سخاءً مثلما تجدهم في رمضان، وذلك تشبهاً بفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في حديث ابن عباس – رضي الله عنه – السابق الذي عند البخاري، فمع الصوم يستشعر المسلم أن هناك من الناس من يكون عنده الصوم إجباري! نعم إجباري فهو لا يجد ما يأكل ولا يُطعِم أبناءه بسبب فقره وعجزه، وهذا الإحساس المرهف – الذي يربي رمضان عليه أهله – يعطف الغني على الفقير، ويكسي المستطيع المحتاج، ويكفل المحسن اليتيم، كل ذلك دروس يلقنها رمضان كل من يدخل في مدرسته، فلمَ لا تغمر السعادة قلبك عندما ترى المنافسة على تفطير الصائمين، وإطعام المساكين، والمسارعة من قبل المسلمين في جمع التبرعات لإخوانهم في أي بلاد كانوا، بل وتنجز العدد الكبير من المشاريع الخيرية خلال هذا الشهر بخلاف بقية الأشهر.

بكل ذلك يحق لرمضان أن يخرج في العيد بأزهى حلة، وأجمل ثياب، فالخير كل الخير قد تجمَّع فيه، ولم نذكر منه إلا أبرزه، فما أجملك يا رمضان، وما أحسنك وأبهى حلتك، وبأي لباس كنت فنحن نحبك.

تلـبس أو تقمص أو تجـبى                  فلن تـزداد عندي غير حبا

تملك بعـض حبك كل قلبي                 فـإن ترد الزيادة هات قلبا

والحمد لله رب العالمين، وصلي اللهم على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.


 


1 سورة البقرة (185).

2 رواه البخاري برقم (5).

3 سورة الحشر (21).

4 رواه البخاري برقم (6940)، ومسلم برقم (1261).