الإفطار أم الأذان

الإفطار أم الأذان

الحمد لله الذي بيَّن لعباده الحرام والحلال، وحدَّ لهم حدوداً بينة المعالم، لا غموض فيها ولا إشكال، وأشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له الملك الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أهدي الخلق وأبقاهم لله في المقام والفعال صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين له بإحسان ما تعاقبت الأيام والليالي، وسلم تسليماً.

أما بعد:

الأصل في الإفطار للصائم أن يكون بعد غروب الشمس، وإقبال الليل؛ لقول الله – تعالى -: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}(البقرة: 187).

قال الإمام الطبري – رحمه الله -: "وأما قوله : {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فإنه – تعالى ذِكْره – حدَّ الصوم بأن آخر وقته إقبال الليل، كما حدّ الإفطار وإباحة الأكل والشرب والجماع وأول الصوم بمجيء أول النهار، وأول إدبار آخر الليل، فدل بذلك على أن لا صوم بالليل، كما لا فطر بالنهار في أيام الصوم1.

عنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ؛ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ2)) أَيْ: دَخَلَ وَقْت الإِفْطَار لا أَنَّهُ يَصِير مفطراً بغَيْبُوبَة الشمس وإِن لم يتناوَل مُفْطِر3.

ومن السنَّة تعجيل الفطر لمن كان صائماً لحديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر4)) قال ابن عبد البر – رحمه الله -: من السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور، والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس، ولا يجوز لأحد أن يفطر وهو شاكٌ هل غابت الشمس أم لا؟ لأن الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج عنه إلا بيقين"5، وقال النووي – رحمه الله -: "فيه الحث على تعجيل الفطر بعد تحقق غروب الشمس, ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنَّة"6.

وأما المؤذن فإذا كان هناك من ينتظر أذانه ليفطر عليه فإنه ينبغي له أن يبادر بالأذان حتى لا يكون سبباً في تأخير الناس لإفطارهم كما يفعل الشيعة من تأخير وقت أذان المغرب حتى تشتبك النجوم في السماء، وفي ذلك مخالفة للسنة واضحة، أما إذا كان فطره على شيء يسير كشربة ماء لن يترتب عليه تأخير الأذان؛ فلا بأس.

وإذا كان المؤذن لا ينتظر أذانه أحد كما لو كان يؤذن لنفسه – كرجل في الصحراء بمفرده -، أو يؤذن لجماعة حاضرين قريبين منه – كجماعة مسافرين -؛ فلا حرج عليه من الفطر قبل الأذان, لأن أصحابه سيفطرون معه ولو لم يؤذن، ولن ينتظروا أذانه.

والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


 


1 – تفسير الطبري (3/532).

2 – رواه البخاري (7/54) رقم (1818)؛ وفي السنن الكبرى للبيهقي (4/216)؛ وفي صحيح ابن خزيمة (7/382) رقم (3005)؛ ومسند الحميدي (1/23) رقم (23)0

3 – عون المعبود (5/229)0

4 – رواه البخاري رقم (1856)؛ ومسلم رقم (1098).

5 – التمهيد لابن عبد البر (21/97-98).

6 – شرح صحيح مسلم (7/208).