نعم قد أشبعته ولكن هل ربيته؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين، محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد:
يسعى كثير من الناس اليوم إلى توفير الأكل والشرب واللباس لأبنائهم ويجعل جل اهتماماته توفير ذلك له ولأفراد أسرته، بل ويسرف في تلبية كل طلبات الأسرة من ذلك، فهو يقيهم بذلك من ألم الجوع والعطش والبرد، ويسترهم من عريهم، ويعز شأنهم عند خصومهم.
هذا حال كثير من الناس اليوم، وليس عليهم في ذلك بأس، فهذا من الأمور المتطلبة، بل هي من الأمور الواجبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) وفي رواية الحاكم: (من يعول).1
فهذا جانب من واحد من الجوانب التي يجب على ولي أمر الأسرة أن يوفره لأسرته قدر المستطاع، لكن هناك جوانب أخرى يجب العناية بها.
أيها الأب المسلم: نعم أشبعت ابنك وكسوته ورويته، لكن هل ربيته التربية الإسلامية!
هل أعنته على التربية الإيمانية كما وفرت له التربية الجسمية؟
هل ألحقته بحلقات تحفيظ القرآن الكريم حيث يعيش هناك مع من يتولى تربيته على هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟
هل حرصت على نجاته من نار جهنم كما حرصت عليه من نار الجوع والبرد والعطش وإن كان بينها البون الشاسع والفرق الواضح؟
هل سمعت قول الله تعالى وهو يحث عباده على أن يقوا أنفسهم وأهليهم نار جهنم إذ أن عذابها ليس له نهاية أما الجوع والعطش فله نهاية:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم.
هل جعلت بين ابنك وبين نار جهنم وقاية كما جعلت له وقاية من الجوع والعطش؟.
أيها الآباء: تسأل ابنك أو ابنتك عن جوعهم وعطشهم وعريهم فهل سألتهم عن صلاتهم وطاعتهم لله ورسوله؟
هل سألتهم عن أصدقائهم في مدرستهم، وحيهم؟
هل سألت معلمهم عن أخلاقهم وتعليمهم؟ وهل شجعتهم على أداء الصلاة؟
إن الكثير من الآباء اليوم ربما ألحق أبناءه بمدارس أجنبية تفسد عقائدهم وأخلاقهم، خصوصاً إذا كانوا صغاراً، أو قليلي الحصانة من العلم والتقوى.
وقد لا يقتصر فسادهم على أنفسهم، بل يصبحون معاول هدم لأمتهم.
يا ولاة الأمور من الآباء: كسوت ابنتك من اللباس الجميل، والفاتن، والمزركش، والموضة، وخرجت به أمام الناس في السوق أو المدرسة، أو الكلية، أو غيرها من المرافق الحكومية أو الخاصة، فهل سألت نفسك يوماً من الأيام عن هذا اللباس، هل هو من اللباس الشرعي العفيف التي ترد به عن نفسها من نظرات الآخرين، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (59) سورة الأحزاب.
يا مسلمٌ أخرج ابنته إلى أماكن الاختلاط، وأضفى إلى ذلك الزي الغربي الفاتن، أما تستحي من الله عندما يسألك عن عرضك وشرفك؟ أما تستحي عندما تكون أنت سبب وقوع ابنتك في مهاوي الضلال، والريبة، والرذيلة؟
كثير من الآباء اليوم يمنع ابنته من الزواج ليجعل منها مصدراً لجلب المال، وهذا من أعظم المفسدات.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم} (31) سورة الإسراء، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً وأضعتني وليداً فأضعتك شيخا".2
فيا أيها الآباء: أبناؤكم وبناتكم لا تضيعوهم، فالغرب لا يرضيه ولا يرتاح إلا عندما يرى أبناء المسلمين ضائعين لاهثين وراء الأمور التافهة والرخيصة، تاركين للعلم والفضيلة، ألا وإن الثمار الفاسدة قد بدت وظهرت، فلا تكونوا خونة لأبنائكم.
جعلنا الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وجنبنا المصائب والفتن، وجعل الله أولاد المسلمين قرة أعين لوالديهم. والحمد لله رب العالمين.