حلاوة الإيمان

حلاوة الإيمان

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم،

أما بعد:

فلا يخفى على كل مسلم أن الإيمان له أركان وثمرات، ومن تلك الثمرات ما قد يجده بعض المؤمنين من إحساس داخلي، فيتلذذ به وهو ما يعبر عنه بـ"حلاوة الإيمان"، وهذه الحلاوة قد يحصل عليها المسلم عندما يسلك بنفسه وسيلة من الوسائل التي توصله إلى هذه النتيجة، ومن تلك الوسائل ما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث من كنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار))1 ونقل ابن حجر – رحمه الله – عن الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة أنه قال: "إنما عبّر بالحلاوة؛ لأن الله شبه الإيمان بالشجرة في قوله – تعالى -: {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ}2، فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصل الإيمان، وأغصانها: إتباع الأوامر واجتناب النواهي، وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات، وحلاوة الثمر جني الثمرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة، وبه تظهر حلاوتها"3.

والإيمان بالله – تعالى – له حلاوةٌ لا يتذوق طعمها إلا المؤمنون الصادقون الذين يتصفون بصفات تؤهلهم لذلك، وليس كل من ادعى الإيمان يجد هذه الحلاوة، فمحبة الله – تعالى -، ومن ثم محبة رسوله – صلى الله عليه وسلم – من أهم صفات من يتذوق طعم الإيمان، ومحبة الله – تعالى – ومحبة رسوله – صلى الله عليه وسلم – لا تعلوا عليها أي محبة، بل هي مقدَّمة على محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين لما جاء عن عمر – رضي الله عنه – أنه قال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شئ إلا من نفسي، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)) فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((الآن يا عمر))4، وعن أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين))5.

ومن لوازم هذه المحبة الاستجابة لأمر لله وأمر رسوله – صلى الله عليه وسلم -، والانتهاء عما نهى الله عنه ورسوله – صلى الله عليه وسلم – مع الرضى والتسليم التام قال – تعالى -: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}6.

وذكر ابن القيم – رحمه الله – الأسباب الجالبة لمحبة الله – تعالى – بعد فعل الفرائض ومنها:

1.    قراءة القرآن بتدبر وتمعن.

2.    التقرب إلى الله بالنوافل.

3.    دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل.

4.    إيثار محابّه على مَحابّ النفس.

5.    مجالسة المحبين الصادقين.

6.    مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله.7

ولمحبة النبي – صلى الله عليه وسلم – علاماتٌ منها:

1.    الإيمان بأنه رسول من عند الله أرسله إلى الناس كافةً بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.

2.    تمنّي رؤيته – صلى الله عليه وسلم -، والحزن على فقدها.

3.  امتثال أوامره – صلى الله عليه وسلم -، واجتناب نواهيه، فالمحب لمن يحب مطيع، وإن من خداع النفس أن تدعى محبته وتخالف أوامره وترتكب نواهيه.

4.    نصر سنته، والعمل بها، ونشرها، والذب عنها، والمجاهدة في سبيل ذلك.

5.    كثرة الصلاة والسلام عليه.

6.    التخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه.

7.    محبة أصدقائه، والذبّ عنهم.

8.    محبة الاطلاع على سيرته، ومعرفة أخباره.

وينبغي أن تكون العلاقة بين المسلم وأخيه المسلم قائمة على المحبة في الله – تعالى -، ولهذه المحبة فضل عظيم وثواب جزيل من ذلك ما ثبت عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((سبعة يظلّهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظلّه…(وذكر منهم): رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وافترقا عليه))8.

كما أن المحبة في الله تقتضي بعض الحقوق التي للمسلم على المسلم ومنها: قضاء الحاجات، والقيام بها، فخير الناس أنفعهم للناس، والسكوت عن ذكر العيوب، والتماس العذر له عند وقوع الخطأ منه، وعدم الغلّ والحقد والحسد لما أنعم الله به على أخيك، والدعاء له في ظهر الغيب، ومبادرته بالتحية والسلام، والسؤال عن الأحوال، والتفقد لها، وعدم الكبر والغرور، والنصح له.

نسأل الله – تعالى – أن يرزقنا حبه، وحب من يحبه، وحب عباده الصالحين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


 


1 رواه البخاري برقم (16).

2 سورة إبراهيم (24).

3 فتح الباري (1/60).

4 رواه البخاري برقم 6632.

5 رواه البخاري برقم 15.

6 سورة آل عمران (31).

7 مدارج السالكين (3/17).

8 رواه مسلم برقم (1031).