إنّ تقوى الله زادي
الحمد لله المتفرد بعظمته وكبريائه ومجده، المدبر للأمور بمشيئته وحكمته وحمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وفضله ورفده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير داع إلى هداه ورشده، اللهم صل وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وجنده, أما بعد: أيها الناس:
اتقوا الله تعالى، فإن تقوى الله خير لباس وزاد، وأفضل وسيلة إلى رضى رب العباد، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (2-3) سورة الطلاق. فوعد المتقي بالفرج والخروج من كل هم وضيق، وبالرزق الواسع المتيسر من كل طريق، وقال تعالى:{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (4) سورة الطلاق. {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (5) سورة الطلاق. فوعد من اتقاه أن ييسره لليسرى في كل الأمور، وأن يكفر عنه السيئات ويعظم له الأجور، وقال تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (29) سورة الأنفال. فبشر المؤمنين إذا اتقوه بالفرقان ؛ وهو العلم النافع، المفرق بين الحلال والحرام، وبتكفير السيئات ومغفرة الآثام، وبالفضل العظيم من الملك العلام.
إخواني:
إن سألتم عن تفسير التقوى التي هذه آثارها، وهذه ثمراتها وفوائدها، فإن أساسها التوبة النصوح من جميع الذنوب، ثم الإنابة منكم كل وقت إلى علام الغيوب، وذلك بالقصد الجازم إلى أداء الفرائض والواجبات، وترك جميع المناهي والمحرمات، وهو القيام بحقوق الله، وحقوق المخلوقين, والتقرب بذلك إلى رب العالمين.
علامة المتقي أن يكون قائما بأصول الإيمان، متمِّمًا لشرائع الإسلام وحقائق الإحسان، محافظاً على الصلوات في أوقاتها، مؤدياً الزكاة لمستحقيها وجهاتها، قائماً بالحج والصيام، باراً بوالديه واصلاً للأرحام، محسناً إلى الجيران والمساكين، صادقاً في معاملته مع جميع المعامَلين، سليم القلب من الكبر والغل والحقد والحسد، مملوءاً من النصيحة ومحبة الخير لكل أحد، لا يسأل إلا الله، ولا يستعين إلا بالله، ولا يرجو ولا يخشى أحداً سواه.
وقد وصف الله المتقي وبين ثوابه، في قوله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (133-136) سورة آل عمران.1.
فيا عبد الله:
يا من سلب الملك الكبير ولم تشعر بسلبه, يا من أمره ربه بالتوبة وهو مصر على ذنبه, قد خلت صحيفته من الحسنات لما خلا صدره من تعظيم ربه, وتخلت الملائكة عن نصرته فقد استحوذ الشيطان على قلبه.
يا غافلاً عن ذكر ربه يا مغفلاً لصلاح قلبه, يا من سباه عدوه يوماً ولم يسعد بسلبه, هذا جزاء مقصر جهله في حق ربه, من رام خصالاً لا تحل فجائع الأعداء بجنبه, فليعتصم بالله وليعمل على السكن بقربه, العارف بركن الله في حصن حصين, واللائذ بجناب الله في حرم أمين, والعامل بكتاب الله متمسك بالعروة الوثقى والحبل المتين, والمقاتل تحت لواء رسول الله مؤيداً بالنصر العزيز مضمون له الفتح المبين, حصِّن بحصن التقوى نفسك من أسباب الردى, واستمسك بحبل القرآن في الشدائد كلها فكل حبل سوى هذا الحبل فهو غير متين2.
تزود لنفسك -يا أخي- بالتقوى, فمن عرف ما بين يديه لم يؤثر الهوى, ومن تفكر في رحيل من كان لديه صار النهوض مستيقناً عليه, كم مغرور بشبابه وصحة حاله اختطفه الموت من خلاله, كم من مائل إلى جمع ماله تركه تركة ومر بأثقاله, هل رحم الموت مريضاً لضعف أوصاله؟!, هل ترك كاسباً لأجل أطفاله؟!
لقد أخبرتك الحدثات نزولها ******ونادتك ألا إن سمعك ذو وقر
تنوح وتبكي للأحبة إن مضوا ****ونفسك لا تبكي وأنت على الأثر
من الله علينا وعليكم بتحقيق التقوى، وجعلنا وإياكم ممن استمسك بالعروة الوثقى.
اللهم ارحمنا ولا تعذبنا, وانصرنا ولا تخذلنا, وعافنا ولا تمرضنا, وأكرمنا ولا تهنا, وآثرنا ولا تؤثر علينا, إنك على كل شيء قدير3.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.