السفر إلى بلاد الكفار
الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، مالك يوم الدين، وجامعهم في عرصات يوم القيامة، أشهد أن لا إله معه، ولا رب سواه، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن كثيراً من المسلمين اليوم يضيع أوقاته في الفراغ والمعاصي – عياذاً بالله تبارك وتعالى -، بل إن بعضهم يقوم بما يسميه نزهة لكن حقيقتها غير ذلك, فإلى أين يا تُرى هذه النزهة؟ إلى حديقة جميلة يأخذ أهله وأولاده معه؟ أم إلى شاطئ بحر جميل؟
كل ما توقعناه هنا غير صحيح, لأن هذا الرجل يذهب إلى ديار الكفر للنزهة – بزعمه -، ولا حول ولا قوة إلا بالله, فما حكم ذلك؟
أخي في الله: يجب عليك أن تعلم أن السفر قطعة من العذاب كما ورد ذلك في الحديث الشريف حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله))1, فكيف تُكلِّف نفسك العذاب لتجازى في الآخرة بالعذاب, ذلك لأن المسافر إلى بلاد الكفر يتعرض للفتن في كل وقت، وهو مهدد بالانحراف, إذ العلة الكبرى، والحكمة العظمى في تحريم السفر إلى ديار الكفار هي المحافظة على الدين الذي به نجاة الإنسان الأبدية، وسعادته الأخروية، وضياع الدين من أعظم الخسران إذ لا يساويه ضياع النفس، والمال، والأهل، والولدان, فالدين رأس المال الذي ينبغي أن نحافظ عليه.
أخي في الله: قدِّم خيراً لنفسك تفز برضا ربك, وسافر في الطاعات كأداء الحج والعمرة, وصلة الأرحام, والرحلة إلى طلب العلم الشرعي؛ ففي هذا رضا الرحمن, أما السفر إلى بلاد الكفار فقد يسبب غضب الرحمن – نعوذ بالله من ذلك -, ولهذا وضع العلماء ضوابط للسفر إلى بلاد الكفار، واشترطوا شروطاً يجب توافرها, ;كما سُئل العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – عن حكم السفر إلى بلاد الكفار؟ وحكم السفر للسياحة؟ فأجاب – رحمه الله -:
"السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات.
الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات.
الشرط الثالث: أن يكون محتاجاً إلى ذلك.
فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار؛ لما في ذلك من الفتنة، أو خوف الفتنة، وفيه إضاعة المال، لأن الإنسان ينفق أموالاً كثيرة في هذه الأسفار، وفيه أيضاً تنمية لاقتصاد الكفار، أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك لعلاج، أو تلقي علم لا يوجد في بلده، وكان عنده علم ودين على ما وصفنا؛ فهذا لا بأس به.
وأما السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة، وبإمكانك أن تذهب إلى بلاد إسلامية يحافظ أهلها على شعائر الإسلام، وبلادنا الآن – والحمد لله – أصبحت بلاد سياحية في بعض المناطق، فبإمكانه أن يذهب إليها، ويقضي زمن إجازته فيها"2.
وسُئل العلامة ابن باز – رحمه الله -: ما حكم السفر إلى بلاد الكفار من أجل الدراسة فقط؟
فكان الجواب: "السفر إلى بلاد الكفار خطير يجب الحذر منه إلا عند الضرورة القصوى يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين))، وهذا خطر فيجب الحذر, فيجب على الدولة – وفقها الله – أن لا تبعث إلى بلاد المشركين إلا عند الضرورة، مع مراعاة أن يكون المبعوث ممن لا يخشى عليه لعلمه وفضله وتقواه, وأن يكون مع المبعوثين من يلاحظهم ويراقبهم، ويتفقد أحوالهم, وهكذا إذا كان المبعوثون يقومون بالدعوة إلى الله سبحانه, ونشر الإسلام بين الكفار لعلمهم وفضلهم فهذا مطلوب ولا حرج فيه.
أما إرسال الشباب إلى بلاد الكفار على غير الوجه الذي ذكرنا, أو السماح لهم بالسفر إليها فهو منكر، وفيه خطر عظيم, وهكذا ذهاب التجار إلى هناك فيه خطر عظيم؛ لأن بلاد الشرك الشرك فيها ظاهر، والمعاصي فيها ظاهرة, والفساد منتشر, والإنسان على خطر من شيطانه وهواه، ومن قرناء السوء، فيجب الحذر من ذلك"3.
وسُئل أيضاً: ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للدراسة؟
"الوصية الحذر من ذلك إلا إذا كان المسافر عنده علم وبصيرة, يدعو إلى الله، ويعلم الناس, ولا يخشى على دينه لأنه صاحب علم وبصيرة يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين))4, والله – جل وعلا – قال في كتابه الكريم عن المسلمين المقيمين بين المشركين وهم لا يستطيعون إظهار دينهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا}5, {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ}6, وفي الحديث الصحيح: ((لا يقبل الله – عز وجل – من مشرك بعد ما أسلم عملاً، أو يفارق المشركين))7، والمعنى حتى يفارق المشركين، فالوصية مني لجميع المسلمين الحذر من الذهاب إلى بلاد المشركين, والجلوس بينهم لا للتجارة, ولا للدراسة, إلا من كان عنده علم، وهدى, وبصيرة ليدعو إلى الله، ويتعلم أشياء أخرى تحتاجها بلاده, ويظهر دينه؛ فهذا لا بأس به كما فعل جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – ومن معه من الصحابة لما هاجروا إلى الحبشة من مكة المكرمة بسبب ظلم المشركين لهم, وعجزهم عن إظهار دينهم بمكة حين كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمكة قبل الهجرة"8.
ويقول الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -: "وأما السفر إلى بلاد الكفر والبلاد الإباحية فلا يجوز لما فيه من الفتن والشرور، ومخالطة الكفار ومشاهدة المنكرات، وتأثر القلب بذلك، إلا في حدود ضيقة حددها أهل العلم وهي:
1- العلاج الذي يضطر إليه، ولا يجده في بلاد المسلمين.
2- التجارة التي تستدعي سفره.
3- تعلم العلوم التي يحتاج إليها المسلمون، ولا توجد في بلادهم.
4- القيام بالدعوة إلى الله – عز وجل -، ونشر الإسلام، ويشترط في كل الأحوال أن يكون قادراً على إظهار دينه، ومعتزاً بعقيدته، مبتعداً عن مواطن الفتن، وأما السفر لمجرد النزهة، أو الاستجمام؛ فهو محرم شديد التحريم، هذا وأسأل الله لي ولكم ولجميع المسلمين التوفيق لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه"9.
وسُئل أيضاً عن: حكم السفر إلى البلاد التي لا تدين بالإسلام سواء كانت نصرانية أو لا دينية؟ وهل هناك فرق بين السفر للسياحة والسفر للعلاج والدراسة ونحو ذلك؟
فأجاب قائلاً:
"السفر إلى بلاد الكفر لا يجوز؛ لأن فيه مخاطر على العقيدة والأخلاق، ومخالطة الكفار، وإقامة بين أظهرهم، لكن إذا دعت حاجة ضرورية، وغرض صحيح للسفر لبلادهم كالسفر لعلاج مرض لا يتوفر إلا ببلادهم، أو السفر لدراسة لا يمكن الحصول عليها في بلاد المسلمين، أو السفر لتجارة؛ فهذه أغراض صحيحة يجوز السفر من أجلها لبلاد الكفار بشرط المحافظة على شعائر الإسلام، والتمكن من إقامة الدين في بلادهم، وأن يكون ذلك بقدر الحاجة فقط ثم يعود إلى بلاد المسلمين.
أما السفر للسياحة فإنه لا يجوز؛ لأن المسلم ليس بحاجة إلى ذلك، ولا يعود عليه منه مصلحة تعادل أو ترجح على ما فيه من مضرة، وخطر على الدين والعقيدة"10.
فاعلم – رعاك الله ووفقك لرضاه – أن السفر إلى هذه البلاد فيه خطر عظيم، والواجب على المؤمن أن يتقي الله – تبارك وتعالى -، ويحذر أسباب الخطر والتي منها السفر إلى بلاد المشركين التي فيها الحرية العفنة, إذ فيها المنكرات العظام, حيث لا يستطيع إنكار المنكر، وهذا فيه خطر عظيم على الدين والأخلاق، خاصة أن تلك البلاد انتشر فيها الفساد من الزنا وشرب الخمر، وأنواع الكفر والضلال, وبعضهم يزيد الطين بلة فيأخذ أهله وأولاده، وما علم أنه مسؤول عنهم, فعليه أن يبتعد كل البعد عن ديار الكفار خاصة وقد ورد في السنة ما يدل على تحريم ذلك فعن جرير بن عبد الله – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعث سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – فأمر لهم بنصف العقل، وقال: ((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال: لا ترايا ناراهما))11, وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يقبل الله من مشرك أشرك بعد ما أسلم عملاً حتى يفارق المشركين إلى المسلمين))12, وقد تقدم كلام أهل العلم في ذلك، فكن على حذرٍ من هذا, فإن الحفاظ على الدين مقصد عظيم من مقاصد الشريعة.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
1 رواه البخاري برقم (1710)، و(2839)، و(5113)؛ ومسلم برقم (1927).
2 المجموع الثمين (1/49-50).
3 مجموع فتاوى ابن باز (7/291).
4 رواه الترمذي برقم (1604)؛ و أبو داود برقم (2645) من حديث جرير بن عبد الله البجلي – رضي الله عنه -؛ وقال الألباني: صحيح دون جملة العقل في صحيح أبي داود برقم (2304).
5 سورة النساء (97).
6 سورة النساء (98).
7 رواه ابن ماجه في سننه برقم (2536) من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده؛ وحسه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (2055)؛ وفي السلسلة الصحيحة برقم (369)، و(636).
8 مجموع فتاوى ابن باز (9/43-44).
9 المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان (2/253).
10 المنتقى من فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان (2/253).
11 رواه الترمذي برقم (1604)؛ و أبو داود برقم (2645)؛ وقال الألباني: صحيح دون جملة العقل في صحيح أبي داود برقم (2304).
12 رواه ابن ماجه في سننه برقم (2536)؛ وحسه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (2055)؛ وفي السلسلة الصحيحة برقم (369)، و(636).