تحية المسجد

تحية المسجد

تحية المسجد

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه، والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أمَّا بعدُ:

فإنه يُشرع للداخل إلى المسجد أن يركع ركعتين؛ لحديث أبي قتادة أنَّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، قال:(إذا دخل أحدُكم المسجدَ، فليركعْ ركعتينِ قبلَ أنْ يجلسَ)1.

وعنه-رضي الله عنه-، قال:(دخلتُ المسجد ورسول الله-صلى الله عليه وسلم-جالس بين ظهراني الناس، قال:فجلست، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:(ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟) قال: فقلت: يا رسول الله، رأيتك جالساً والناس جلوس، قال: (فإذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يركع ركعتين)2.

وهاتان الركعتان هما تحية المسجد، فينبغي على من دخل المسجد أن لا يجلس حتى يركعهما، وقد اختلف العلماء في حكم تحية المسجد، فقال الإمام الشوكاني -رحمه الله-: (وقد ذهب إلى القول بالوجوب الظاهرية كما حكى ذلك عنهم ابنُ بطال. وذهب الجمهور إلى أنها سنة، وقال النووي: إنه إجماع المسلمين قال: وحكى القاضي عياض عن داود وأصحابه وجوبها، قال الحافظ في الفتح: واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب3.

وبوب النووي -رحمه الله-، في شرحه صحيح مسلم ": (باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وكراهة الجلوس قبل صلاتهما، وأنها مشروعة في جميع الأوقات)4. ثم قال  -رحمه الله-، في الشرح  في ذكر الفوائد المستفادة من حديث أبي قتادة رضي الله عنه: "قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)، وفي الرواية الأخرى: (فلا يجلس حتى يركع ركعتين)، فيه استحباب تحية المسجد بركعتين، وهي سنة بإجماع المسلمين، وحكى القاضي عياض عن داود وأصحابه وجوبهما، وفيه التصريح بكراهة الجلوس بلا صلاة وهي كراهة تنزيه، وفيه استحباب التحية في أي وقت دخل، وهو مذهبنا وبه قال جماعة، وكرهها أبو حنيفة والأوزاعي والليث في وقت النهي، وأجاب أصحابنا أن النهي إنما هو عمَّا لا سببَ له؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم-صلى بعد العصر ركعتين قضاءً سنة الظهر، فخصَّ وقت النهى وصلَّى بهم ذات السبب، ولم يترك التحية في حال من الأحوال؛ بل أمر الذي دخل المسجد يوم الجمعة وهو يخطب أن يقوم فيركع ركعتين، مع أن الصلاة في حال الخطبة ممنوع منها إلا التحية، فلو كانت التحية تترك في حال من الأحوال لتركت الآن؛ لأنه قعد وهي مشروعة قبل القعود، ولأنه كان يجهل حكمها، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قطع خطبته وكلمه وأمره أن يصلي التحية، فلولا شدة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما اهتم عليه السلام هذا الاهتمام، ولا يشترط أن ينوي التحية بل تكفيه ركعتان من فرض أو سنة راتبة أو غيرهما، ولو نوى بصلاته التحية والمكتوبة انعقدت صلاته وحصلتا له، ولو صلى على جنازة أو سجد شكراً أو للتلاوة أو صلى ركعة بنية التحية لم تحصل التحية على الصحيح من مذهبنا5.

"وإستحب بعض المتأخرين من أصحاب أحمد في الحاج إذا دخل المسجد الحرام أن يستفتح بتحية المسجد فخالفوا الأئمة والسنة وإنما السنة أن يستفتح المحرم بالطواف كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد بخلاف المقيم الذي يريد الصلاة فيه دون الطواف فهذا إذا صلى   تحية المسجد فحسن" قاله شيخ الإسلام رحمه الله.6  

وقال الحافظ ابن حجر أن حكم المسجد الحرام كحكم بقية المساجد فقال: "واستثنى المحاملي المسجد الحرام؛ لأن تحيته الطواف، وفيه نظر لطول زمن الطواف بالنسبة إلى الركعتين، والذي يظهر من قولهم إن تحية المسجد الحرام الطواف إنما هو في حق القادم، ليكون أول شيء يفعله الطواف، وأما المقيم فحكم المسجد الحرام وغيره في ذلك سواء، ولعل قول من أطلق أنه يبدأ في المسجد الحرام بالطواف لكون الطواف يعقبه صلاة الركعتين فيحصل شغل البقعة بالصلاة غالباً وهو المقصود، ويختص المسجد الحرام بزيادة الطواف، والله أعلم"7.

وفى الجملة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أكمل الله له ولأمته الدين وأتم به صلى الله عليه وسلم عليهم النعمة فنسأله تعالى أن يوزعنا شكر ذلك وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته…

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


1 – متفق عليه.

2 – رواه مسلم.

3 – نيل الأوطار (3/83).

4 – شرح صحيح مسلم (5/225).

5 – شرح النووي على صحيح مسلم (5/225-226).

6 – مجموع الفتاوى: 22/226

7 – فتح الباري (2/411).