عليك أربعة شهود

عليك أربعة شهود!

 

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فيا كل مسلم ومسلمة: لننتبه، ولنعلم أن علينا شهوداً يسجلون أقوالنا، ويراقبون تصرفاتنا وحركاتنا، وسيشهدون على كل ما فعلنا..

هؤلاء الشهود أربعة وهي أعلى نسبة في إثبات البينة، بل ويكفي الواحد منهم في إثبات البينة؛ نعم هؤلاء الشهود لا مفر منهم ولا مهرب، فلا يمكننا أن نختفي ونبتعد عنهم.

الشاهد الأول: الأرض التي تمشي عليها، وتأكل من خيراتها، سيأتي ذلك اليوم الذي تشهد عليك بما فعلته عليها من خير أو شر، سيأتي يوم تكشف فيه الأسرار، وتظهر الهفوات والزلات؛ وتفضح العصاة وتتحدث بكل ما فعلوه عليها؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} سورة الزلزلة(4) فقد فسرها النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (أتدرون ما أخبارها) قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: (فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمه بما عمل على ظهرها، تقول: عملت كذا وكذا يوم كذا كذا، فهذه أخبارها)1.

الشاهد الثاني: الملائكة التي لا تفارق الإنسان ليلاً ولا نهاراً، ولا سفراً ولا حضراً، بل هم معه ملازمين له؛ يكتبون الأعمال والأقوال، ويسجلون علينا السيئات والحسنات؛ يقول رب العزة والجلال: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} سورة ق(18)، وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} سورة الانفطار (10-12)..

تكتب الملائكة سلوك الإنسان، ثم يخرجه الله يوم القيامة في كتاب، قال الله تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} سورة الإسراء (13-14) فحينها ينظر في ذلك الكتاب الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} سورة الكهف(49)..

الشاهد الثالث: الجوارح، اعلم أن جميع أعضائك ستشهد عليك في عرصات القيامة وهي الأيدي والأرجل والألسن، قال الله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة النــور(24)، وقال الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} سورة يــس(65).

وقد جاء في الحديث أن الإنسان يجادل وينكر أنه فعل تلك الأفعال القبيحة، ولا يطلب منه إلا شاهداً من نفسه؛ فعن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضحك، فقال: (هل تدرون مما أضحك؟) قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: (من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول بلى، قال فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، قال فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيختم على فيه، فيقال لأركانه انطقي قال: فتنطق بأعماله قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام، قال فيقول: بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل)2.

وبعد أن تنطق تلك الجوارح وتشهد على صاحبها يقول مخاطباً لها: {لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا}، فتجيب الجوارح: {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} سورة فصلت(21).

الشاهد الرابع: إنه أعظم شهيد، وأقرب حفيظ، إنه الله جل جلاله الذي هو معنا بعلمه حيث كنا: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} سورة الحديد(4)، إنه الله الذي أحاط علماً بكل شيء: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} سورة يونس(61). إنه الله جل وعلا: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ* وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} سورة الشعراء(218)(219). إنه الله سبحانه وتعالى الذي: {لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} سورة آل عمران(5).. إنه الله-تبارك وتعالى- أعظم شهيد: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} سورة فصلت(53)..

نسأل الله أن يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض. اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وزدنا ولا تنقصنا، وأنفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.


 


1 رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح غريب".

 

2 رواه مسلم.