قرآن الفجر

قرآن الفجر

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد:

خلق اللهُ الإنسانَ في هذه الحياة ليعبد ربه – سبحانه وتعالى – يقول تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}1، ومن العبادات التي أهملت وقصر فيها الكثير؛ صلاة الفجر، وقد ذكرها الله – عز وجل – في كتابه الكريم بعد ذكر أوقات الصلوات، وذكر شيئاً من فضلها، وأن الله وملائكته يشهدونها فقال: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}2 قال ابن كثير – رحمه الله -: "يعني صلاة الفجر..، وقال عبد الله بن مسعود: يجتمع الحرسان في صلاة الفجر، فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء، وكذا قال إبراهيم النخعي ومجاهد وقتادة، وغير واحد في تفسير هذه الآية"3، وقال الإمام السعدي – رحمه الله -: "(وقرآن الفجر) أي: صلاة الفجر، وسميت قرآناً لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها حيث شهدها الله وملائكة"4، وقد جاء في أحاديث صحيحة ذكر شهود الملائكة لصلاة الفجر فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءاً، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر)) ثم يقول أبو هريرة – رضي الله عنه -: "فاقرءوا إن شئتم ((إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً))"5، وفي حديث آخر- أيضاً – عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم -وهو أعلم بهم -: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون))6.

إن صلاة الفجر لها مذاق خاص يعلمه من حافظ عليها في جماعة، ويشعر به من التزم أداءها في وقتها، فالأجواء صافية نقية، وما زالت أجهزة الإنسان لم تقم بكل وظائفها، فتستفتح بآيات من كتاب الله – تعالى – تترنم بها لتسمو في مراتب العارفين، وتحلق في فضاء الخاشعين، وتسجل في سجلات الذاكرين، فما أجملها من حياة من كانت هكذا بدايته يقول سيد قطب – رحمه الله تعالى -: "وللقرآن كما للصلاة إيقاعه في الحس في مطلع الفجر ونداوته، ونسماته الرخية، وهدوئه السارب، وتفتحه بالنور، ونبضه بالحركة، وتنفسه بالحياة.."7.

إن المحافظ على صلاة الفجر قد وضع له الضمان بدخول الجنة التي عرضها السماوات والأرض، والتي حولها يدندن الصالحون فعن  أبي موسى – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من صلى البردين دخل الجنة))8، فـ"قوله (البردين): تثنية برد بفتح الباء الموحدة، وسكون الراء، والمراد بهما صلاة الفجر والعصر، وقال القرطبي: قال كثير من العلماء: البردان الفجر والعصر، وسميا بذلك؛ لأنهما يفعلان في وقت البرد، وقال الخطابي: لأنهما يصليان في بردي النهار، وهما طرفاه حين يطيب الهواء، وتذهب سَوْرَةُ الحر"9.

وكما أن الملازم لصلاة الفجر قد وجبت له الجنة؛ فقد حرمه الله – تعالى – على النار فعن أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة عن أبيه قال: "سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (( لن يلج النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها)) يعني الفجر والعصر"10، وليس هذا فقط بل يكون في ذمة الله – عز وجل – ، فعن جندب بن عبد الله – رضي الله عنه – يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (( من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيءٍ؛ فيدركه، فيكبه في نار جهنم))11.

ألا يستبشر رجال الفجر أنهم – وإن تركوا بعض الراحة – فسينعمون غداً بالراحة الكبرى عند النظر إلى وجه الله الكريم – سبحانه وتعالى -، وكفى بذلك جزاءاً فعن جرير بن عبد الله – رضي الله عنه – قال: كنا عند النبي – صلى الله عليه وسلم – إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: (( أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون أو لا تضاهون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها؛ فافعلوا))، ثم قال: ((فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها))12.

اللهم اجعلنا من أهل صلاة الفجر، ولا تحرمنا أجرها، اللهم امنن علينا بالنظر إلى وجهك الكريم، وثبتنا على الحق والدين يا رب العالمين.


 


1 سورة الذاريات (56).

2سورة الإسراء (78).

3 تفسير ابن كثير (3/55).

4 تفسير السعدي (1/464).

5 البخاري برقم (612)، ومسلم برقم (1035).

6 البخاري بلفظه برقم (522)، ومسلم برقم (1001).

7 في ظلال القرآن تفسير سورة الإسراء آية (78).

8 البخاري برقم (540)، ومسلم (1005).

9 عمدة القاري (5/71).

10 مسلم برقم (1003).

11 مسلم برقم (1050).

12 البخاري برقم (539).