مشاركة أهل الحي في مناسباتهم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الأحياء السكنية لا تخلو من وجود مناسبات كمناسبات الأعراس ونحوها، وحينئذ يستحسن لإمام المسجد المشاركة في ذلك إذا دعي إليها ما لم تحتوي على المخالفات الشرعية الظاهرة.
ويمكن لنا هنا أن نتعرف على أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذا الجانب فإنه – صلى الله عليه وسلم – كان يحضر إذا دعي إلى الوليمة أو العقيقة ونحو ذلك، ويأكل مما يقدم له، وينصح الناس بما يجب عليهم.
وكان – صلى الله عليه وسلم – يدعو الناس لمشاركته في أعراسه كما فعل ذلك في زواجه بزينب بنت جحش، وصفية بنت حيي – رضي الله عنهما -.
فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – خيبر فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب، وقد قتل زوجها، وكانت عروساً فاصطفاها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لنفسه، فخرج بها حتى بلغنا سد الروحاء حلت فبنى بها، ثم صنع حيساً في نطع صغير ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (آذن من حولك)، فكانت تلك وليمة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على صفية.1
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أيضاً قال: شهدت وليمة زينب فأشبع الناس خبزاً ولحماً، وكان يبعثني فأدعو الناس.2
وعن أنس – رضي الله عنه – قال: إن خياطاً دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لطعام صنعه، قال أنس بن مالك: فذهبت مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى ذلك الطعام، فقرب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خبزاً ومرقاً فيه دباء وقديد، فرأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – يتتبع الدباء من حوالي القصعة، قال: فلم أزل أحب الدباء من يومئذ.3
هذه الأحاديث تدل على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يجيب الدعوة، ويحضر مع الناس في بعض المناسبات، وقد جمع الناس عندما تزوج ببعض نسائه.
وهكذا ينبغي أن يشارك إمام المسجد وأهل الفضل مع الناس في مناسباتهم، ما لم يكن في تلك المناسبات مخالفات شرعية، فإن وجدت فإما أن يحضر وينكر، وإما أن يعتزل جانباً، لأن الحضور مع السكوت إقرار منه للمنكر، والناس يرون أهل الفضل إذا سكتوا عن فعل المنكر تساهلوا فيه، واعتبروه أمراً جائزاً.
وعند الحضور والمشاركة ينبغي على الإمام أو الداعية أن يكون مثلاً صالحاً، وقدوة طيبة لغيره، فإن الناس ينظرون إلى الأفعال قبل الأقوال، فينبغي التحرز من الأعمال المخلة بمكانة العالم والإمام؛ وعليه بتطبيق السنة في دخوله وخروجه، وجلوسه ومأكله، وإذا أمكن له الكلام في المجلس فليكن كلامه مختصراً يبين فيه الواجبات والسنن، ويوضح المنكرات التي ينبغي أن تترك، مع إدخال شيء من الترويح على النفوس بكلام أو بمزاح خفيف لا يخل بمروءته.
إن مشاركة الدعاة وأئمة المساجد للناس في مناسباتهم وأمورهم المختلفة من الأمور المهمة التي لا ينبغي التفريط فيها، فإنها تجلب للناس خيراً كثيراً، فكم اهتدى من ضال بسبب حضورهم وإرشادهم، وكم استفاد من حاضر بكلامهم وبيانهم، وكم اقتدى من مسلم بهم في الخير بسبب أعمالهم الموافقة لسنة النبي – صلى الله عليه وسلم -.
فنسأل الله أن يوفقنا وجميع إخواننا لما فيه صلاح المسلمين، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.