مقاومة الإغراءات

مقاومة الإغراءات

محمد صالح المنجد

 أنواع الشهوات والإغراءات

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن الله سبحانه وتعالى خلق الجنة وخلق النار وجعل هاتين الدارين لعباده ولكل منهما ملؤها, الجنة والنار خلقهما الله تعالى وأرسل جبريل إلى الجنة, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا.

قَالَ: فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا فِيهَا.

قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَوَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا. – طَمِعَ فِي دُخُولِهَا, وَجَاهَدَ فِي حُصُولِهَا-.

فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ. – وَالْمُرَادُ بِهَا التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَكْرُوهَةٌ عَلَى النُّفُوسِ الْإِنْسَانِيَّةِ –

فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا.

قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ.

فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ.

قَالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

فَرَجَعَ إِلَيْهِ.

فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلَهَا– لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا فَزِعَ مِنْهَا وَاحْتَرَزَ فَلَا يَدْخُلُهَا-

فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ.

فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ إِلَيْهَا.

فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا)). رواه الترمذي(2483)، وغيره، وصححه الألباني.

وملخص الحديث ما جاء في رواية البخاري: ((حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره)) البخاري (6487)، هذا من بديع الكلام, الجنة محفوفة بالمكاره لا يمكن الوصول إلى الجنة إلا عبر المكاره, والذي يظن أنه يمكن أن يدخل الجنة من غير أن يقتحم المكاره فهو مخطئ, لا يمكن تدخل الجنة يا أخي ويا أيتها الأخت المسلمة إلا بالمكاره, ما تقتحم المكاره وتصبر على التكاليف وعلى المشاق لا يمكن تدخل, وكذلك النار لا يمكن دخول النار إلا بالشهوات, وإذا الإنسان ما اقتحم الشهوات لن يدخل النار لأنها حفت من جميع الجهات, ما في طريق للوصول إلا بهذا, هذه النار حفت بالشهوات؛

والشهوات إغراءات, الشهوات متعددة شهوة النساء شهوة المال شهوة المنصب شهوة الشهرة والنجومية هذا يغري وهذا يغوي هذا يجذب وهذا يردي حتى آخر لحظة الشيطان يعمل, الشيطان مخلوق من قبل آدم  وسيبقى إلى آخر الزمان, هذا الشيطان طلب من ربه أن ينظره, أمهلني {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (الأعراف:14).

 الله عز وجل أعطاه ما طلب { فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} (الحجر:37-38) .

 وهو يعمل في البشرية في إغوائها وإغرائها ويزداد الشيطان خبرة مع مرور أجيال البشرية وتعاقبها ولذلك ترى التفنن الشيطاني الآن في إغواء الناس لم يحصل له مثيل من قبل في تاريخ البشرية, ولا يوجد على البشرية وقت عمت فيه فتن الشهوات مثل هذا الزمان قائلاً متعهداً: { فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (الحجر:40) .

 قال عليه الصلاة والسلام: (( إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم, قال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني )). رواه الإمام أحمد(11255) وهو حديث حسن.

كيف سيتمكن من الإغواء؟ هو يقول: في كلامه {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} (الأعراف:17) . من جميع الجهات من جميع الجوانب, وأيضاً قال: { لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } (الحجر:39-40) , فما هو الإغواء؟ إنه التزين والتحسين للشر حتى يغري به, ولذلك كان أول ضحية للشيطان في قضية الإغواء آدم وحواء { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا }(الأعراف:الآية20) . وأخرج الله الأبوين من الجنة بإغواء آدم, اختبار مقاومة الإغراء لم يصمد فيه أبونا وأمنا، وبعد التوبة صارا خير البشر في ذلك الوقت طبعاً, وقال الله: { يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ }(الأعراف: الآية27). ظل الإغراء هو الاختبار هو المحك لا تجتاز الخطر إلا بمقاومة هذا الإغواء والإغراء, هذا الطريق لإبليس ابتلى الله عباده به وجعل في الأرض أشياء تساعد على الانزلاق ويستعين بها إبليس في إغواء الناس { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ }(الكهف: الآية7) هناك مآكل لذيذة، مشارب، مساكن طيبة، مناظر بهيجة، رياض أنيقة، أصوات شجية، صور مليحة، أشكال جملية، فاتنة جذابة خلابة، ذهب فضة، مناصب شهرة، زينة فتنة اختبار, قال ابن القيم –رحمه الله-: (وكما ابتلاهم بأمره ونهيه يعني بالتكاليف الشرعية ابتلاهم بما زين لهم من الدنيا وبما ركب فيهم من الشهوات…) شفاء العليل لابن القيم.

 قصة آدم تبيّن لنا أن القضية خطيرة؛ لأن أبانا أغراه الشيطان بتلك الشجرة بالمعصية, وهذا العمل الذي حصل لا شك أنه نتيجة الاستجابة للشهوة؛ لأنه قال: { شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى }(طـه: الآية120) فأتى آدم من أي باب؟ من باب حب البقاء والخلد والملك, وواعده وأغرَّه بوعده؛ لأنه لا يملكه, إبليس لا يملك الوعد, الشهوات أمر يستلذ به الإنسان, يصعب عليه تركه لماذا؟ لأنه يحبه في الداخل في انجذاب للشهوة, شهوة النساء شهوة المال شهوة الخلد المنصب, شهوة الشهرة, ولن يستكمل عبدٌ الإيمان ولا يكون مؤمناً حقاً حتى يؤثر دينه على شهوته, ولن يهلِك عبدٌ كما قال الفضيل بن عياض حتى يؤثر شهوته على دينه. السنة لعبد الله بن أحمد (2/266) .

 الإغراء بالمرأة

الإنسان لا يضمن أن يغتر, (إني أخاف أن تدفق علي الدنيا دفقة فتغرقني) كما يقول بعض السلف. ذم الدنيا (302).

قال ابن الجوزي: (بلغني عن رجل كان ببغداد يقال له: صالح المؤذن أذن أربعين سنة, وكان يعرف بالصلاح أنه صعد يوماً إلى المنارة ليؤذن فرأى بنت رجل نصراني كان بيته إلى جانب المسجد فافتتن بها, – حب من أول نظرة افتتان من أول نظرة-, فجاء فطرق الباب فقالت: من؟ قال: أنا صالح المؤذن ففتحت له, فلما دخل ضمها إليه, قالت: أنتم أصحاب الأمانات فما هذه الخيانة, قال: سلبتي لبي وأخذتي بمجامع قلبي, قالت: لا إلا أن تترك دينك, قال: أنا بريء من الإسلام ومما جاء به محمد, – ليس فقط المبتعثون إلى الخارج ينزلقون بسرعة ممكن ناس في الداخل ينزلقون بسرعة, في ناس مستعدة تبيع المبادئ والأشياء بسرعة, وتغير بسرعة, (( يمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا )) مسلم (118) وأحمد (7970).  يبيع دينه بعرض؛ تغير رهيب تغير سريع,-  قالت لما دنا إليها: إنما قلت هذا لتقضي غرضك، كل من لحم الخنزير فأكل, اشرب الخمر فشرب, فلما دب فيه الشراب دنا إليها فدخلت بيتاً وأغلقت الباب, وقالت: اصعد إلى السطح حتى إذا جاء أبي زوجني منك, فصعد فسقط فمات, فخرجت فلفته في ثوب, فجاء أبوها فقصت عليه القصة, فأخرجه في الليل فرماه في السكة, فظهر حديثه وأمره وخبره، فرماه الناس في المزبلة)،  ذم الهوى / 409 .

هذه المسألة قضية شكل يجذب, الآن الشيطان استعان بالمكياجات والعباءات الملونة والمزخرفة والمزركشة, والعطورات وما أدراك ما العطورات, بالإضافة إلى التهييج في عالم الأفلام والمسلسلات والمواقع والصور والجوالات وتقنية و(ثري دي), ولمعان وأشكال وأشياء تجعل الصورة أحسن من الأصل, هذه الأشياء التي تغوي اليوم وتغري فتجعل الواحدة تخرج للشارع من هول ما رأت تستوقف لموزين تركب معه تقول: اذهب مكان ما تريد وسوي الذي تريد ما عندي فلوس وطفشانه, ما هذا؟ بنات المسلمين وصلن إلى هذه الدرجة لماذا؟ يضعف الإيمان ما في تربية, يوجد إغراءات قوية ومثيرات للشهوات ماذا تتوقع؟ هذه النتيجة, ماذا يحدث بعد ذلك من اللعنة وغضب الرب وأولاد الحرام وانتهاك الأعراض, ماذا يحدث بعد ذلك من الفضيحة في الدنيا والآخرة, هذه عواقب المعصية وشؤم المعصية أشياء كبيرة, ولذلك أحياناً الواحد يأتي ببعض القضايا لا يجد لها حل، ما هو الحل؟ تعرض بعض القضايا نتيجة شؤم المعصية وحملت و صارت و ….، وكيف والآن؟، وقتل الولد في بطن أمه، والفضيحة، وماذا؟ وعمليات, وتغش الزوج الجديد, المسألة مركبة الآن صارت من أشياء خرجت عن نطاق السيطرة, لما قال الله عز وجل: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } (الأعراف: الآية175-176) . وذكروا فيها القصة المعروفة, برصيص الراهب لما أغوته المرأة وكانت نهايته أن يموت على الكفر { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }(الأعراف: الآية176), أحياناً الذي أُغوي يندم, والذي وقع في الإغراء المحرم يحصل عنده شيء من الحسرة, لكن بعد فوات الأوان أحياناً, ونفسه لا تطاوعه حتى إلى الرجوع إلى الحق, فيه قليل من تأنيب الضمير, لكن ذكر ابن كثير – رحمه الله – في قصة عبده بن عبد الرحيم قال: (هذا الشقي كان من المجاهدين كثيراً في بلاد الروم, وكان في بعض الغزوات والمسلمون يحاصرون بلدة من بلاد الروم إذ نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن فهويها, – الآن المسلمون يحاصرون حصناً للروم – , فظهر الإغراء فهويها فراسلها ما السبيل إلى الوصول إليك؟ قالت: أن تتنصر وتصعد إلي, فأجابها في ذلك فما راع المسلمين إلا وهو عندها, فاغتم المسلمون بسبب ذلك غماً شديداً, وشق عليهم مشقة عظيمة، رجع المسلمون عن الحصن, ما فتحوه ومروا بعد مدة، فإذا هو من بعيد يلوح لهم مع تلك المرأة قالوا من بعيد: يا فلان, نادوه ما فعل قرآنك؟ ما فعل علمك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعل جهادك؟ ما فعلت صلاتك؟ فقال: اعلموا أني نسيت القرآن كله, -كان حافظاً-, إلا قوله: { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ*ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } (الحجر: الآية3) قال: وقد صار لي فيهم مال وولد) البداية والنهاية (11/64). كيف أتركهم الآن, خلاص ارتبطنا, وبعض الذين ذهبوا إلى الخارج حصل لهم هذا, صارت روابط ما عاد يستطيع أن ينزع نفسه بزعمه طبعاً, هذا الاستمرار في المعاصي والاتباع للشهوات يستولي على القلب, يستولي على النفس, يبقى الإنسان أسيراً لهواه, هذه الإغراءات أيها الإخوة والأخوات تؤدي للتنازل عن الثوابت, تؤدي للتنازل عن العقيدة عن الدين، تسبب أن يتنصر بعض شباب المسلمين, كما يحصل الآن في بعض المبتعثين, الإغراء إذا صار بالمال بالمنصب بالجاه حصل انحراف وانجراف, الإنسان ضعيف { وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا } (النساء: الآية28). {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا*يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } (النساء: الآية27-28), المغريات مدخل من مداخل الشيطان على ابن آدم ليقتنص فرصة يرديه بها, فيستعمل الألوان والأشياء الجذابة والإنسان قد يصمَد لكن بعد مدة ينهار, إن معرفة خطورة الإغراءات وأنها جزء من الابتلاء الذي ابتلي به الإنسان وأن إبليس أخذ العهد على نفسه أن يقوم بذلك، هذا يجعل الإنسان يدرك طبيعة المعركة فيستعد لها استعداداً مختلفاً, فإن بعض الذين دخلوا في مستنقعات وأوحال؛ ما أعدوا للأمر عدته ولذلك سهل انزلاقهم فيها, وإذا كان سيأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجمر, ما هو من قضية التعذيب فقط, لا الإغراءات هذا من هنا وهذا من هنا, هذا يقول: أنا في السوق أبيع, كل يوم فتن عظيمة, كل يوم أشكال وألوان، نساء، عطورات، جمال، أشكال أشياء, كل يوم يُفتن، البائع في محله يفتن في كل يوم سبعين مرة, وماذا يعني قد يصمد الإنسان أول مرة وثاني مرة وخامس مرة وبعد ذلك (( يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه – هذا البلاء بمعنى التعذيب والاضطهاد والشدة –  ما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة )) أحمد (1400)، وصححه الألباني . لكن أيضاً الابتلاء بالحرام إذا غض البصر ورفض الإغراء وقاوم الشهوة المحرمة، يخرج تبراً أحمر ذهباً نقياً, أيضاً هذه محنة, النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من أربع في الصلاة من فتنة المحيا والممات, ما هي فتنة المحيا؟ أليست هذه الأشياء، الآن ناس يرون الربا غنيمة فينتهكونه, ويرون غش الناس شطارة فيدخلون فيه بالبيع والشراء, يرون النظر للنساء الأجنبيات تلذذاً استمتاعاً، فيطلقون النظر فيه, بعضهم يجد الخمر لذة وطرباً نشوة يشرب، وبعضهم يرى آلات اللهو والمعازف فناً يُدرّس ويُعطى عليه شهادات ومراتب، أنواع الإغراءات متعددة ومتنوعة, قال تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } (آل عمران: الآية14) فأخبر الله في هذه الآية كما يقول ابن القيم: (أنه جعل في الدنيا زينة من ملاذها وشهواتها في سبعة أشياء أولاً : النساء اللاتي هن أعظم زينتها وشهواتها وأعظمهما فتنة, ثانياً: البنين الذين بهم كمال الرجل وفخره وكرمه وعزه, ثالثاً: الذهب, رابعاً: الفضة وهما : مادة الشهوات على اختلاف أجناسها وأنواعها خامساً: الخيل المسومة التي هي عز أصحابها وفخرهم وحصونهم وآلة قهرهم لأعدائهم في طلبهم وأهربهم, سادساً: والأنعام التي منها ركوبهم وطعامهم ولباسهم وأثاثهم ومتعتهم ومصالحهم, سابعاً: الحرث والزرع الذي هو قوت أنعامهم ودوابهم وفاكهتهم وأدويتهم وغير ذلك) عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، بتصرف., قال ابن تيمية رحمه الله: (لابد لكل عبد من مراد محبوب هو منتهى حبه وإرادته فمن لم يكن الله معبود له ومنتهى بحبه وإرادته استكبر عن ذلك فلابد له من مراد آخر ومحبوب يستعبد قلبه إما المال وإما الجاه وإما الصور وإما ما يتخذه إلهاً من دون الله) العبودية (112-114) بتصرف., إذا جئنا إلى المغريات في عالم اليوم نجد أن المغريات تتعلق بالشهوة سواء فتنة المرأة بالرجل، أو فتنة الرجل بالمرأة، التي تدعو للرذيلة, والتي ظهرت في أشكال كثيرة من الصور والأفلام قضايا وأشياء تستعمل فيها أنواع كاميرات HD(High Definition) يعني مستعدين أن يدخلوا في الأشياء الفنية إلى أبعد مدى يخرج لك صورة لمَّاعة صورة مشعة صورة جذابة خلابة, النبي عليه الصلاة والسلام قال: (( إن الدنيا حلوة خضرة – وقال – فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )) مسلم(4925)., فتنة النساء يُفتن الرجل بالمرأة وتُفتن المرأة بالرجل, أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء, أول انحراف كان في موضوع النساء, يقول المقفع: (اعلم أن من أوقع الأمور في الدين، وأنهكها للجسد، وأتلفها للمال، وأجلبها للعار، وأزراها للمروءة، وأسرعها في ذهاب الجلال والوقار، الغرام بالنساء) الأدب الكبير. طبعاً يقصد بالحرام, (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) كما قال عليه الصلاة والسلام، أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740). , هل مقاومة الإغراء هذا ممكن, مع ضعف الإنسان ؟ الجواب: نعم, طيب كيف؟ يوسف عليه السلام لما صمد لماذا صمد؟ لأنه تلقى تربية كبيرة من أبيه من الصغر, إذاً عملية مقاومة الإغراءات أمام النساء وحتى مقاومة الرجل لفتنة الرجل ما تتم إلا بتربية قديمة, تربية ضاربة أطنابها في تاريخ الإنسان من صغره, جابوا لنا طفلاً عمره خمس سنوات حافظاً للقرآن كله واختبرته, وجعلت أعطيه أول آية، ويعطيني هذا، وهذه موجودة في أي موقع من الصفحة وهذه في مكان, وهذه الآيات المشتبهة فيعطيك هذه وهذه, يعني عجب, كيف حفظ هذا خمس سنوات, أنت يا أيها الأب ماذا فعلت أعطاك التجربة قال: الأم تسمع القرآن وهي حامل, ولما ولد القرآن يشتغل في البيت لما صار عمر الولد ستة أشهر وبلغ أيضاً سنتين هناك ألعاب مناسبة لهذا السن, ألعاب أحياناً لعبة بسيطة, من سنتين إلى ثلاث أيضاً ألعاب, يكتبون على الألعاب أحياناً سنوات هذه مناسبة لسن كذا وهذه مناسبة لسن كذا, لما صار الولد بعد السنتين عمل له غرفة ألعاب يضع فيها الولد ويشغل القرآن طيلة الوقت, الولد يلعب ويسمع, ولما بدأ الولد ينطق ويتكلم ويفهم بعد ذلك بدأت عملية التحفيظ بعد ما كان الولد يمكن سمع كذا ختمة, في أشياء أحياناً نحن ندهش من آثارها لأننا لا ندرك طبيعة التأثير في النفس, هذا حط الولد في غرفة الألعاب من كل ما تشتهيه نفس الطفل من الألعاب والقرآن شغال باستمرار, الولد يلعب, الآن لو وضعت الولد هو إذا وعنده ( سوني ستيشن) وضعت له القرآن شغال طيلة الوقت هو مع الوقت يسمع حتى بغير قصد السماع, سينطبع في ذهنه أشياء تسهل عملية الحفظ بعد ذلك, ومن أربع إلى خمسة أتم القرآن, يوسف عليه السلام لما صمد أمام الإغراء ما كان الصمود وليد تلك اللحظة, لا، هو تلقى تربية عظيمة من أبيه يعقوب عليه السلام, وابتلي ابتلاء عظيماً فصبر بالرغم من عدة عوامل كانت تساعد على المعصية وتعين عليها وتؤز إليها، ما ركب الله في النفس من الشهوة التي يميل بها الإنسان أشد من ميل العطشان إلى الماء. اثنين: أنه كان شاباً وليس كبيراً في السنة. ثلاثة: أنه كان عزباً لا زوجة له. أربعة: أنه كان في بلد غربة والغريب لا يستحي ما يستحي منه ابن البلد. خمسة: أن المرأة كانت ذات منصب وجمال وكل واحد من الأمرين يدعو إلى الانزلاق. ستة: أنها ما كانت آبية ولا ممتنعة. سبعة: أنه لا يخشى أن تنمي عليه ولا أن تفشي سره، ولا أن تخبر عنه وتشي به؛ لأنها هي الطالبة. ثمانية: أنه كان مملوكاً في دارها يدخل ويخرج بغير استغراب. تسعة: أنها توعدته بالسجن إذا ما استجاب, ومع ذلك رفض { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْه } (يوسف: الآية33). (( سبعة يظلهم الله في ظله – لماذا – قال إني أخاف الله )) البخاري (1423) ومسلم(1031). هذا الحسب والنسب الشريف, هذا الحسب والنسب والجمال وهذه المغريات الكثيرة التي تجعل الإنسان ينتقل من الشرف إلى الرذيلة, (كان بمكة امرأة لها زوج، وهي جميلة, نظرت يوماً في المرآة وقالت لزوجها: أترى أحداً يرى هذا الوجه ولا يفتتن به, قال: نعم, قالت: من هو؟ قال: عبيد بن عمير هذا من كبار عباد السلف, قالت: فأذن لي فلأفتننه, قال: قد أذنت لك, فأتته كالمستفتية وهو في ناحية المسجد،  فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر, فقال: يا أمة الله استتري, قالت: إني قد فتنت بك, قال: إني سائلك عن شيء فإن أنتِ صدقتني نظرت في أمرك, قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك, قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك أكان يسرك أن أقضي لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا, قال: فلو دخلتي قبرك وأجلستي للمساءلة أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا, قال: فلو أن الناس أُعطوا كتبهم ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا, قال: فلو أردت الممر إلى الصراط ولا تدرين هل تنجين أو لا تنجين أكان يسرك أني قضيتها لك, قالت: اللهم لا, قال: فلو جيء بالميزان وجيء بك فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا, قال: اتقي الله فقد أنعم الله عليكم وأحسن إليك، فرجعت إلى زوجها, قال: ما صنعت ؟ قالت: أنت بطال ونحن بطالون, فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة, فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد بن عمير، أفسد علي امرأتي كانت في كل ليلة عروساً فصيرها راهبة) روضة المحبين، بتصرف.

الثلاثة في قصة أصحاب الغار الثاني منهم قال: (اللهم إنها كانت لي بنت عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء, فطلبت منها فأبت علي,- المرأة فيها خير فيها دين امتنعت عن الحرام –حتى أتيتها بمائة دينار لما احتاجت فبغيت حتى جمعتها فلما وقعت بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها) البخاري (2215) ومسلم (2743)., كيف يقوم الإنسان من مجلس مثل هذا, وما الذي يجعله وهو في قمة الإغراء, لم يبق شيء قال: فلما قعدت بين رجليها في كلمة قد تأتي أحياناً اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، يحصل عند الإنسان أحياناً تذكير بآية يسمعها أو كلمة, ولذلك مهم أن يوجد حتى في أماكن الشر والفاسد شيء يذكر أحياناً كتاب نشرة، مطوية، شريط، حاجة، شيء يُسمع، آية , مقطع بلوتوث, شيء يذكر في غمرة المحرمات, هذا مهم جداً في مقاومة الإغراء, هناك وسائل كثيرة كما قال بعض السلف: (إذا أعجبتك امرأة فتأمل مناتنها) روضة المحبين (1/ 473). ,مناتنها يعني ما يكون من الخارج من السبيلين وما يكون في الأنف وما يكون من العرق وما يكون من أشياء كثيرة, تأمل مناتنها.

الإغراء بالمال

 إذا انتقلنا إلى قضية أخرى من جوانب الإغراء وأوديته: الإغراء بالمال, المال محبب إلى النفس, النفس تحرص عليه ((لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا)) رواه البخاري(6072)ومسلم (1048). ،مع أن الوادي الواحد يكفيه وأولاده وأحفاده والجيل العاشر, لكن يريد ثلاثة وأربعة (( إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال )) الترمذي(2258)، وصححه الألباني. كما قال عليه الصلاة والسلام, فتنة النساء أشد بالنسبة للرجال والفتنة العامة التي تشمل الرجال والنساء هي المال, هذا التوفيق بين الحديثين, والفتنة بالمال في هذا الزمان شديدة جداً؛ لأن المال كثر، وتنوعت وسائل المكاسب، وتعددت طرق الحيل والخداع، وكثرت أبواب الحرام في المال، كم منتج ربوي؟ كثير، كم نوع من القروض الربوية؟ كثير، كم وظيفة محرمة؟ كثير, كم نوع للرشوة؟ كثير وتفنن، أبسط شيء موظف المكان هذا يأتيه المندوب يقول: جيب لي لاب توب، أعطوني جوال، ما عندكم تذاكر سفر للصيف أنا والأولاد, شوف لنا غرفة نوم نريد نزوج الولد عندكم تخفيضات, فقد تكون الرشوة تخفيضاً, هذه قضية الأموال اليوم مع اتساع الوسائل الجالبة للأموال، وكثرة طرق الكسب المشروع والممنوع، والرغبة في الكماليات، والرغبة في اقتناء الأشياء، وحتى المستويات الكبيرة قصر استراحة مزرعة شاليه, وعلى مستويات أخرى, أنواع السيارات وسيارة كبيرة وصغيرة للعائلة وللتحميل والسوق, كم سرعة تبديل الجوال اليوم في المجتمع؟ أشياء رهيبة الآن, نصف سكان العالم عندهم جوالات وربع سكان العالم يدخلون على الإنترنت, كما تقول الإحصاءات, التبديل والتغيير والسعي في قضية الأنقى وليس الأتقى، دنيوياً ليس النقاء الشرعي، لا، هذه أجمل أحلى أصفى أنقى دنيوياً, وليست أنقى شرعياً, ولا أتقى شرعياً بسبب إغراء المال باع ناس دينهم, بسبب إغراء المال صار بعضهم أُجَرَاء للأعداء, أقلام مؤجرة يكتبون في الدين، طعناً في الدين، وفي الكتاب والسنة، في تغيير الأحكام الشرعية, وفي السخرية من المسلمين, وأهل الدين وإثارة الشبهات, أُجَرَاء يُستأجر ليكتب؛ كل ما كتب أكثر كلما أعطي أكثر, وهكذا يتكلم بالباطل مثل هاتف العملة كلما وضعت فيه أكثر كلما يعطيك مجال أكثر للكلام, وبطاقات شحن شغالة، ناس تكتب بالباطل وتتكلم بالباطل, بسبب إغراء المال وقع القتل, قتلوا مورّثهم بسبب إغراء المال وقعوا ضحايا للأسهم وأكل الربا، أخذ الرشوة، السرقة، الغصب، الاختلاس.

عن عمرو بن عوف رضي الله تعالى عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين, فسمعت الأنصار بقدوم أبو عبيدة – والناس محتاجين فقراء فيهم شدة – فوافوا صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم, فلما انصرف من الصلاة تعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء، قالوا: أجل يا رسول الله, قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم )) رواه البخاري (3712)، ومسلم(5261). النبي عليه الصلاة والسلام ما خشي على أمته الفقر خشي عليهم الغنى لأن مضرة الفقر دنيوية غالباً, ومضرة الغنى دينية غالباً, قال عليه الصلاة والسلام: (( إني بين أيديكم فرط –أنا سأسبقكم إلى الله – وأنا عليكم شهيد وإن موعدكم الحوض – الموعد عند الحوض, كأنه يقول: يا عباد الله فاثبتوا, قال: وإني لأنظر إليه من مقامي هذا, إني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها)) يقول لأصحابه. رواه البخاري(3736).

يقول الله عز وجل: { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }(التغابن: الآية15) . فإذا فكرت في الأجر تهون عليك فتنة المال, كما قلنا في قضية فتنة النساء لابد نعطي للأمر أهبته ونأخذ له الاستعداد (( ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف )) الترمذي(2298)، وصححه الألباني. الحرص على المال والحرص على الجاه يفسد في الدين أكثر من إفساد ذئبين جائعين أرسلا في زريبة غنم, الحرص على المال وعلى الجاه؛ لأن الواحد يضحي بأي شيء في مقابل ذلك، يفسدان الدين أكثر من إفساد ذئبين جائعين لزريبة غنم اقتحماها, ((تعس عبد الدينار تعس بعد الدرهم )) البخاري (2887). وعبد الدرهم وعبد الخميصة قد يستعبده ثوب، قد تستعبده امرأة، قد يستعبده مال، (( إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط)), هذه القاعدة, صارت المسألة على حسب ما ينال من الدنيا, قال الحسن البصري – رحمه الله -: (لكل أمة وثن يعبدونه, وصنم هذه الأمة الدينار والدرهم) بهجة المجالس وأنس المجالس., كم من أناس وقعوا ضحايا لهذا الصنم, ولم يقاوموا إغراءه.

وقد يُهْلِك الإنسانَ كثرة ماله         كما يذبح الطاووسُ من أجل ريشه.

طرحت إحدى الصحف الغربية سؤالاً ما هو المال؟ فكان الجواب الذي نال الجائزة: المال : جواز سفر عالمي يمكن صاحبه من أن يسافر إلى كل البلاد ما عدا السماء وهو يجلب كل شيء إلا السعادة.

قال عليه الصلاة والسلام: (( إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس – هلع – لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع )) البخاري (1472) ومسلم. ثبت الصحابة أمام إغراء المال, وقدموا لنا أمثلة عجيبة، لما فتحت عليهم كسرى وقيصر وفارس والروم، هؤلاء أكثر مالهم الذهب الأحمر، وهؤلاء أكثر مالهم الفضة الصفراء والبيضاء الذهب والفضة, (( أعطيت الكنزين الأبيض والأحمر)) مسند أحمد (17156). فالذهب يترواح بين الصفرة والحمرة, ثبت الصحابة مع أن الدنيا فتحت عليهم فتحاً عظيماً جداً, عبد الله بن حذافة السهمي لما أُخذ أسيراً مع بعض المسلمين ذهب به الروم إلى ملكهم, قالوا: إن هذا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي؟ قال: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ملك العرب ما رجعت عن دين محمد صلى الله عليه وسلم, هدده بالقتل فأبى! قاوم, الثبات أمام المال يحتاج إلى علم وإيمان, يحتاج أيضاً إلى خبرة وبصيرة؛ لأن بعض الناس يمكن يستدرج نتيجة غفلة, ما عنده خبرة بالحياة, ممكن ظالم يجره يستغفله ويجذبه, دخل جبار الشام إبراهيم باشا ابن محمد علي حاكم مصر السابق دخل المسجد الأموي في ذلك الوقت وكان الشيخ يلقي درساً في المصلين, مرَّ إبراهيم باشا بالشيخ وكان ماداً رجله، فلم يحرك الشيخ ولم يبدل جلسته ما تحفظ ولا قام ولا فزع بقيت رجله ممدودة, فاستاء إبراهيم باشا واغتاظ غيظاً شديداً, وخرج من المسجد وهو يضمر شراً بهذا الشيخ, فكيف ينتقم ويذل هذا, فأرسل إلى الشيخ ألف لَيرة ذهبية, طبعاً هذا مبلغ يسيل له اللعاب, وطلب من وزيره أن يعطي المال للشيخ على مرأى ومسمع من تلاميذه, فانطلق بالمال إلى المسجد ودخل واقترب من الشيخ وهو يلقي درسه فألقى السلام وقال بصوت عال سمعه كل من حول الشيخ : هذه ألف لَيرة ذهبية يرى مولانا الباشا أن تستعين بها على أمرك، فنظر الشيخ نظرة إشفاق إلى هذا الرجل وقال له : يا بُني عد بنقودك إلى سيدك وردها إليه وقل له: إن الذي يمد رجله لا يمد يده.

حاول اليهود استمالة السلطان عبد الحميد ليسمح لهم في إقامة وطن في فلسطين وعرضوا عليه مبالغ طائلة بالإضافة إلى دفع مبلغ كبير للدولة سنوياً وتسديد جميع ديون السلطنة العثمانية لأوروبا مقابل أن يصدر السلطان عبد الحميد قراراً واحداً يسمح فيه لليهود بالهجرة إلى فلسطين والاستيطان بها, فقال السلطان – رحمه الله -: إن ديوننا ليست عاراً, ولكن العار أن أبيع أرض المسلمين لليهود, وكان ذلك سبب تأليب أوروبا وروسيا على الخلافة العثمانية والعمل الحثيث على إسقاطها, المال اليوم إغراءاته ضخمة, يقول: جاءتني وظيفة في مكان لكنه حرام, الراتب رهيب ضعفي راتبي, ثلاثة أضعاف, هناك مستقبل, هناك إمكانية للتطور, النظام عندهم يسمح بالترقي بسرعة, الإغراءات كثيرة، والناس تحتاج الفلوس, لحاجة ولغير حاجة وللكماليات وللتحسينيات, واحتياجات الناس متفاوتة لكن الآن نحن في نمط استهلاكي, دخل المجتمع في أنماط استهلاكية كثيرة جداً، أكثر الأموال لا تنفق على شيءٍ إنتاجي, وإنما تنفق في الاستهلاكيات, ونادراً أن ترى المال يوضع في إنتاج، وإنما يوضع في استهلاك, المجتمعات الغربية, صارت علبة الببسي تكبر وصارت السندوتشات الماك طبقتين ثلاثة, أناسٌ تستهلك, فوقعوا على أم رؤوسهم، وصارت الآن عندهم  خيام في الحدائق يسكنون فيها, في تلك البلاد في أمريكا!!, انفلونزا الخنزير بعد انفلونزا الطيور, ورعب، الواحد لا يكتشف الحقيقة إلا إذا زار المقبرة, إذا ما زرت المقبرة لن تكتشف الحقيقة, زر المقبرة وتأمل في هؤلاء, هذا من أعظم وسائل الثبات أمام الإغراءات, قم بزيارة إلى المقبرة.

 الإغراء بالمنصب والجاه

 ثالثاً المنصب والجاه من أعظم الإغراءات الموجودة التي يضحي الناس بدينهم من أجلها إلا من رحم الله، هذا الحرص الشديد في النفوس على نيل شرف الدنيا والرفعة فيها والعلو في الأرض والتعالي على الخلق بطلب المنصب، مدير، رئيس، … ( لمَّا عَلِمَ هِرَقْلَ بخُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ نَبِيٌّ أَذِنَ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بناء مثل القصر – بحِمْصَ وهرقل أصلاً كان من رجال الدين لدى النصارى، ما كان ملكاً من أهل الدنيا فقط، كان في خلفيته وأصله كان له اطلاع جيد على أوصاف النبي عليه الصلاة والسلام في كتبهم، لما سمع بخروجه وعرف وصفه، وتأكد أنه هو أراد أن يتبعه، هرقل أراد أن يسلم، لكنه الآن في منصب ملك الروم، وتحته الشام والهيلمان، ما أراد أن يخسر ملكه وأراد أن يجمع بين الإسلام والملك، الخطة التي فعلها أنه أذن لعظماء الروم، وزعمائهم وقياداتهم الدينية والعسكرية والسياسية أن يدخلوا عليه في هذا القصر في حمص ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ وهذه قصة حقيقية في صحيح البخاري، وتبين تأثير الإسلام أنه بلغ رأس الروم، والنبي عليه الصلاة والسلام أرسل رسائل واضح الحق فيها، وأثرت في هرقل حقيقة وهذه الكلمات من هنا قيلت- فَحَاصُوا- حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ اضطربوا وتدافعوا الأبواب بدأ التمرد على هرقل فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ – وصاروا داخل يدورون – فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنْ الْإِيمَانِ قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ.

وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ.

فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ ). البخاري(6).

فما استطاع أن يقاوم وزراء الملك، والخروج من الملك، كان فعلاً ينوي أن يسلم ويجر وراءه الروم كلهم، فلما رأى أنه سيفقد الملك وصار بين أمرين إما أن يبقى على الكفر وهو ملك، وإما أن يدخل في الإسلام، ويزول ملكه، ضن الخبيث بملكه، فسقط في الاختبار.

بينما في الجانب المقابل لما تعرض كعب بن مالك رضي الله عنه للإغراء من ملك غسان، لما قاطع المسلمون كعباً بأمر النبي عليه الصلاة والسلام، وتنكرت له الأرض حتى ما يكلمه ولا ولد عمه، ويمر في السوق فلا يسلم عليه أحد، وزوجته تعتزله، يأتي إليه كتاب من ملك غسان، ملك تلك المملكة على الحدود العربية الرومية، الدولة الغسانية (أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، – الأعداء يلتقطون كل الأخبار، فكيف عرف ملك غسان عن واحد من الصحابة في المدينة، هناك اصطياد واضح، قال: بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله في دار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك – تعال نعطيك لجوء، وتعيش بيننا معزز مكرم، وما لك والهوان؛ مقاطع، منبوذ، ألحق بنا، الآن لما جاء الإغراء في وقت الشدة، قال: – لما قرأتها، وهذا أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور، فسجرته بها ) رواه البخاري(4066)، ومسلم(4973).

إذاً مقاومة الإغراء حصلت عند الصحابي لما جاء له الإغراء هذا ثبت، ومباشرة أحرق الخطاب، أيأس نفسه من هؤلاء، رجل مجفو لا يُكلم، مهجور، منبوذ حتى من أقرب الناس إليه، يُغرى ويهتم به ملك غسان، وتأتيه رسالة خاصة من ملك غسان، وهو يحرق الخطاب، يدل على ماذا؟ الإغراء يُمتحن العبد به فتظهر قوة إيمان العبد، مستعد يصمد وغير مستعد أن يصمد.

نحن نأخذ دروس يا إخوان، الآن المسألة أخذ العبر، وتقوية النفس بهذه المواقف، الإيمانية للصحابة، للصالحين، نحن لا بد أن نأخذ من المواقف، نأخذ العبر، ونؤسس أنفسنا عليها، حتى إذا خرجنا من هنا وجاء أي إغراء نستطيع الصمود، دل صنيع كعبٍ كما يقول الحافظ رحمه الله: (على قوة إيمانه، ومحبته لله ورسوله، وإلا فمن صار في مثل هذا الحال من الهجر والإعراض قد يضعف عن احتمال ذلك، وتحمله الرغبة في الجاه والمال على هجران من هجر، – قاطعتموني أقاطعكم- ، ولا سيما إذا استدعاه قريب ونسيب، – وكعب بن مالك وملك غسان يجتمع نسبهما في عامر بن ماء السماء – فغلب عليه دينه، وقوي عنده يقينه، ورجح ما هو فيه من النكد والتعذيب على ما دعي إليه من  الراحة والنعيم، حباً في الله ورسوله) فتح الباري..

الغلام الذي كان يتعلم السحر عند الملك كان ينتظره مستقبل كبير؛ لأن الساحر إذا مات، سيعين الملك الغلام المعلّم بدلاً من الساحر الكبير في السن، وإذا مات هذا وراءه منصب وجاه عريض، لكن ضحى بنفسه، وقدم نفسه للموت، الغلام قدم نفسه للموت، رغم المغريات العظيمة، {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (القصص: الآية83).

اليوم نرى أنواع المغريات، انظر مثلاً إلى الفنانات التائبات، ما بقي شيء في عالم الإغراء والإغواء ومحاولة إرجاعهن إلى الفساد والعفن إلا وبذلت، خذ مزيداً من الشهرة، خذ مزيداًَ من المال، تقول إحداهن: للأسف عندما أعلنت اعتزالي للرقص، بدأت المطاردات من أصحاب الملاهي يعرضون علي عشرات أضعاف ما كنت أتقاضاه من أجر من أجل أن أعود إلى الرقص، وزميلاتي يسخرن بي، – إغراء مالي من جهة، وسخرية وضغوط نفسية من الجهة الأخرى- ، وأنا أقول: اسخرن كما شئتن، ولكني ذقت حلاوة الإيمان، تقول: سعادة المال تذهب وتأتي، أما سعادة الإيمان فلا أستطيع وصفها، إنَّ هذه السَّعادة تَستحِقُّ أن أموت من أجلها، ومن ذاق عرف.

مخرج فرنسي يدعى كرستيان، غير اسمه إلى عيسى، وتعرض إلى اضطهاد بعد أن أعلن إسلامه، أولاً: فقد عمله، ثانياً: تركته زوجته، ثالثاً: هجره أصدقاؤه، رابعاً: تعرض بيته للتخريب، وسيارته للتكسير، مما اضطره إلى تغيير مكان إقامته، وتبديل سيارته، وراح في دراجة نارية، لم يجد عملاً، نبذه الجميع، بالرغم من  المحاولات، إغراءات أولاً، ثم الضغوط ثانياً، والمحاربة، {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء}(إبراهيم: الآية27).

ليت الأغنياء من المسلمين يسخّرون أموالهم لاحتضان هؤلاء التائبين والتائبات حتى لا يعودوا.

 الإغراء بالفتاوى الضالة

ومن أعظم الإغراءات يا إخوان، أنا أقول  إغراء ظهر الآن وهو من نوع مؤسف جداً، إغراء الفتاوى الضالة بإعادة الفنانين والفنانات إلى العمل، الفتاوى الضالة الشاردة عن منهج الله ورسوله، يغرونهم بها، فتاوى، لماذا  تحرمين الناس من صوتك الجميل؟، وهل صوتها الجميل حق لكل الأمة؟ لماذا، إذا ولا بد الإنشاد الديني، يعطونها قصيدة لصوفية تجلس تغني فيها على الناس.

إن بعض هؤلاء رجعن بالفتاوى الضالة، فإذا ما وجدتها في إغراء المال، ولا إغراء الضغوط، فإنه بإغراء الفتاوى الضالة، هذا إغراء جديد.

 سمات المغريات المعاصرة

من سمات المغريات المعاصرة أولاً: كثرتها، إغراءات كثيرة حولك، كأمواج البحر، فتن، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((بادرا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضاً))مسلم (118) وأحمد (7970)، كموج البحر، أمواج متراطمة وراء بعض.

ثانياً: سهولة تحصيلها، ما أسهل الوصول إلى الحرام في هذا الزمان، جاءني شاب في المسجد قال: يا شيخ أنا أريدك تعطيني شيئاً يفكني من الحرام، لماذا؟ قال: أنا كل يوم أقع في الفاحشة، لماذا؟ قال: أذهب إلى السوق، والله العظيم إني أوقف السيارة، أترك الباب مفتوح أحصّل واحدة ركبت، وآخذها وأمشي، كل يوم، الحرام سهل جداً، زمان ما في هواتف، الآن الجوالات، وسائل الاتصالات هذه النعمة العظيمة من الله صارت تستعمل في الشر، صارت التقنية تسخَّر في تسهيل الحرام، وطبعاً الأفلام والدعايات تغري بالحرام، هذه تغري، وهذه تسهل الوقوع المباشر.

ثالثاً: كثرة من يقف وراء هذا من أعوان الشيطان، ويروّج، شركات كبرى، عالمية، كما قال اليهود تعهدوا في بروتوكولاتهم سنشغل الأميين بالبطن والفرج، الإغراءات المعاصرة براقة، جذابة، إن سحر الإعلام قد يكون أقوى من سحرة فرعون، السحر في المؤثرات الدعائية والإعلانية والإعلامية، مؤثرات شديدة قوية، مغرية، متنوعة، ما تشتهيه الأنفس.

قال أبو حازم رحمه الله: (اشتدت مؤونة الدنيا ومؤونة الآخرة، فأما مؤونة الآخرة فإنك لا تجد لها أعواناً، وأما مؤونة الدنيا فإنك لا تضرب بيدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجراً قد سبقك إليه) ذم الدنيا لابن أبي الدنيا(311). المشكلة أحياناً تذهب لصلاة الفجر تحصّل واحد اثنين ثلاثة، قليل، ويمكن أحياناً ما تحصّل المؤذن وما تحصّل أحد، اذهب إلى أماكن الفساد آلاف مؤلفة، مثلاً: أفتح موقع كلمات البحث في الإنترنت والمواقع ، ما الأكثر دخولاً، وما الأكثر ارتياداً من قبل زوار الشبكة؟ الأكثر إقبالاً الأسواق وإلا المساجد، الأسواق، النبي عليه الصلاة والسلام أخبر أن هذه أحب البلاد إلى الله، وهذه أبغض البلاد إلى الله، ضعف التوحيد، يجعل الإنسان يهوى الصنم، وفي كل قلب صنمٌ أو أصنام، ما هي فائدة جعل المساجد في الأسواق يا إخوان؟ لأن المساجد معلم تذكير في مكان الغفلة، لماذا؟ لأن الأسواق مكان للدنيا والبيع والشراء، المسجد هذا معلم أذان، درس، محاضرة، فيه شيء يذكّر في وسط الغفلة، وذكر الله في أماكن الغفلة وأوساط الغفلة أجره مضاعف، لماذا؟ لأن العبد الذي يذكر ربه في مكان الغفلة معناه أن قلبه حي، ما استولت عليه الغفلة، ما أسكرته، ما أشغلته، ولا بد أن يقوى التدين في النفوس ليكون معارضاً ومقاوماً للعشق والشهوات، ويبتلى الإنسان بالعشق نتيجة ضعف الإيمان في القلب.

يقول قتادة: (إن الرجل إذا كان كلما هوي شيئاً ركبه، وكلما اشتهى شيئاً أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى فقد اتخذ إله هواه)جامع العلوم والحكم (1/ 210 ) وعندما يكون ضعف التدين موجوداً، والإنسان لا يرى النار، ولا يتذكرها، ويصير محجوباً، يقع في الفخ الذي ينصب له، ولذلك كان  جهاد الهوى من أعظم أنواع الجهاد، قال رجل للحسن البصري رحمه الله: (يا أبا سعيد أي الجهاد أفضل؟ قال: جهادك هواك).

قال ابن القيم: (وأفرض الجهاد جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه) الفوائد صـ 59.

 توجيهات في مقاومة الإغراءات

ولا بد أيها الأخوة حتى نقاوم الإغراءات أنه ما تشغلنا الدنيا عن الآخرة، {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}  (الأعلى:16-17) . سورة الأعلى، لا يصبر عن شهوات الدنيا إلا من كان في قلبه ما يشغله من الآخرة، متزود منها، بقدر ما تحزن للدنيا يخرج هم الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة يخرج هم الدنيا من قلبك، ثم لا للترف الزائد، طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر، كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً، وأيضاً لا بد أن يوجد في المجتمع قدوات ناصحون، متمسكون بالدين، آباء صالحون، معلمون، أئمة، طلبة علم، دعاة، أهل دين، هؤلاء يثبتون الناس، هؤلاء يجذبون الناس، هؤلاء يربطون الناس بالله، وأما إذا كان الأب مشغولاً، والأم مشغولة، وانشغل الناس عن الدعوة، وعن الوظائف الشرعية، وعن نصح الآخرين، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ما الذي إذاً سوف يثبت الناس، ما الذي سوف يجلبهم إلى الحق، الواحد يتقوى بغيره، يتقوى بموقف غيره، فلو كان عندك عدد من الثابتين على مواقفهم، فهم يثبتونك معهم.

ثم لا بد نعرف ما هي حقيقة الدنيا، ما هي حقيقة هذا الزخرف، ما هي حقيقة هذه الزينة، {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا } (الحديد: الآية20) . النهاية ماذا؟ {حُطَامًا} (الحديد: الآية20).

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ على جَانِبيه ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ صغير الأذنين، ميت فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: انظر القدوة والإمام والعالم كيف التربية أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ هذا جدي أسك ميت

فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟

قَالَ: أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟

قَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ.

فَقَالَ: ( فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ )) مسلم (2957).

الواحد أحياناً يتأمل يقول: الدنيا فيها ناطحات سحاب، وفيها مزارع هائلة، وفيها ثروات ضخمة، ومناجم ذهب وفضة، وفيها الكترونيات، وأجهزة، واختراعات، وطيارات، وفخامة وضخامة، وفيها لباس كل هذه ما تسوى عند الله جناح بعوضة، كلها، وفي يوم القيامة {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} (الزلزلة: الآية1)، كل شيء على الدنيا، على سطح الأرض سيتكسر، يصير هباء منثوراً.

لا بد أيضاً يكون عندنا أيها الأخوة مقاومة للنظرة المحرم، العين تقع على أشياء لها بريق، ربما قد يكون جسد امرأة، قد يكون أي شيء جذاب.

كل الحوادث مبداها من النظر               ومعظم النار من مستصغر الشرر

نظر العيون إلى العيون هو الذي             جعـل الهلاك إلى الفـؤاد سبيلاً

من الأشياء التي لا بد من مواجهة الإغراءات تجنب قضايا الاختلاط ما أمكن.

قال ابن القيم رحمه الله: (ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة – ترون انفلونزا الخنازير هذه عقوبات عامة – كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة) الطرق الحكمية (259). يا جماعة هذه أوبئة تجتاح العالم ما كانت موجودة من قبل، ما كانت معروفة من قبل، أشياء جديدة، لماذا؟ {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم: الآية41)، ما هو الفساد الذي ظهر بسبب المعاصي؟ فساد الزروع والثمار، تلوث البيئة، فشو الأمراض، أشياء مسرطنة كثيرة، اسأل الأطباء ما هي الأشياء المسرطنة؟ يقول: أشياء في مواد البناء، وأشياء في المأكولات، والمعلبات، كثيرة، ويقول لك: بالإشعاع الفلاني، وهذا لسرطان الدماغ، وهذا لسرطان الدم، وهذا لسرطان الجلد، ، شيء رهيب بأي شيء حصل هذا؟ الله رحيم، لكن الناس أنفسهم يظلمون لما تمردوا على شرعه عاقبهم، الله يضرب بسياط العقوبات الإلهية، أمراض جديدة، بلاءات جديدة، أزمة مالية، الله يعاقب؛ لأن البشرية إذا شردت عن ربها يعيدها بسياط العقوبات، والابتلاءات.

ثم لا بد من الرفقة الصالحة، الطباع نقّالة، والصاحب ساحب، لا تسأل عن المرء وسل عن قرينه، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي}(الفرقان: الآية27).

قال عمر رضي الله عنه يعظ رجلاً: (لا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره) (العزلة للخطابي /114) لذلك رفقاء السوء داء عضال، والقرب منهم مرض معدي

تجنب خليل السوء واصرم حباله            فإن لم تجد عنه محيصاً فداره

لأنه من البلاء أن تجد عدواً ما لك من صداقته بدُ، لازم تتعايش معه، على البلايا اللي فيه، على الأقل يكون منك وعظ، ما استجاب تجنب شره.

 الجهل بعظمة الله ما قدروا الله حق قدره، لو قدروا الله حق قدره، استجابوا لربهم، وقاوموا الإغراءات المحرمة، وثبتوا، أيضاً الفقر يدفع لأنواع من المحرمات، وجدت حالات أحياناً انسياق نساء وراء ماذا؟ إكسسوارات، بطاقة شحن جوال تأتي بامرأة، إذاً قضية الزهد في الدنيا، وقضية القناعة، وقضية اكتساب ما يغني، فالإنسان يعف نفسه حتى ما ينزلق، لماذا الواحد يحتاج ثم ينزلق تحت ضغط الحاجة؟ يبتغي مما كتب الله حتى يغني نفسه، ما ينزلق، وإذا كان الإنسان يجد وسائل سمعية ومرئية تغري، لا بد أن يكون عنده مقاومة، أغلق بعض الأشياء، غض البصر، انظر للمفيد، اترك غير المفيد، اترك الضار

وإذا خلوت بريبة في ظلمــة      والنفس داعية إلى العصيان

فاستحيي من نظر الإله    وقل لها     إن الذي خلق الظلام يراني

النفس الأمارة بالسوء تصرخ بها إني أخاف الله، وإذا وسوس لك الشيطان، فقل: ليس لك علي سلطان، وإذا زين لك قرناء السوء الطريق فقل: لا أبتغي الجاهلين.

الربيع بن خثيم شابٌ عالم لما بلغ الثلاثين تمالئ عليه أهل الفساد، أتوا بغانية قالوا لها، بذلوا المال: نريد فقط قبلة واحدة، قالت: لكم علي فوق ذلك أن أجعله يفعل بي، فتعرضت له في ساعة خلوة، وأبرزت مفاتنها، فقال: يا أمة الله كيف بك لو نزل ملك الموت فقطع منك حبل الوتين – هذا عرق بين الظهر والقلب إذا انقطع مات الإنسان-  أم كيف بك لو وضعت في قبرك فسألك منكر ونكير؟ أم كيف بك لو عرضت على الجبار فبأي لسان ستجيبين؟ فصرخت وولت هاربة تائبة عابدة زاهدة حتى لقبت بعابدة الكوفة، فقال الفساق: أفسدها علينا الربيع.

ملئ أوقات الفراغ بالأشياء النافعة والكثيرة، عالم الابتكارات والاختراعات وقضايا وتصميمات، والأعمال الدعوية المفيدة والنافعة، وجّهنا مرة سؤالاً للأخوات على شبكة الانترنت هاتوا لنا ما هي الأعمال المفيدة التي تفعلها المرأة في بيتها، حتى ما تحس أنها مسجونة بين أربعة جدران، ماذا تفعل؟ فأحصوا أكثر من خمسين عملاً تقوم بها المرأة في بيتها من الأشياء المفيدة والنافعة لها ولغيرها.

الآن مع وجود الشبكة صار سهلاً أن يقوم المرء من بيته بأشياء كثيرة، زمان تحتاج أن تذهب وتدعو إلى الله، وتمر على فلان، وتسافر للدعوة، الآن تسافر للدعوة تنخر عباب الشبكة، و كم تأخذ منك العملية؟ سهولة، ورخص، ومجهود قليل، من زمان الدعاة يسافرون في الأرض، كيف يدعو؟ ذو القرنين جاب مشارق الأرض ومغاربها، أنت الآن تجوب مشارق الأرض ومغاربها في الشبكة، تدعو إلى الله، وتنصح وتنكر، وتبين وتعلم، وتعمل مشاريع كثيرة لو أردت.

واحذر فراغك فهو لص جاثم      يدعو للإهمال والعصيان

إن الفراغ خديعة لعقــولنا      ومحطة للهم والأحـزان

واقصد إلى عمل تجيد أداءه        حتى تكون لحسنه متفان

وسواءً كان طلب علم أو دعوة إلى الله، أو طلب الرزق الحلال، أو بحث عما يعفك، أو قضية تفيد المجتمع في مشاريع اجتماعية كثيرة اليوم، الإدمان يحتاج إلى علاج، الطلاق يحتاج إلى علاج، من يتصدى اليوم لمصائب المجتمع الآن؟ كل الإحصاءات، الطلاق من خمسة وعشرين في المائة إلى ثلاثين في المائة، هذا الذي بلغ المحكمة، والذي في الإفتاء ما بلغ المحكمة كم؟ الذي في الإفتاء ما هي في صكوك المحاكم، والذي راح لطلبة العلم غير المفتي والذي طلق وما سأل أصلاً، كم؟ تحصين النفس قضية مطلوبة، بالزواج، ويعف الإنسان نفسه عن الإغراءات المالية، ((كن ورعاً تكن أعبد الناس)) رواه ابن ماجة وصححه الألباني .، وليجتهد بالأعمال الصالحة حتى يستعصم بالله، كيف تقوي نفسك بالله؟ أن تقوم لعبادته في المحراب، في القران، في الذكر والدعاء، في العمرة، في الصدقة، في الدعوة، في طلب العلم، في صلة الرحم.

أهل الحي ماذا عملت معهم، أهل حيك، وجيرانك، ماذا عملت معهم؟ ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر أن العبد المقيم لها المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها لا بد أن يكون عنده مقاومة للشر، ستنهاه صلاته.

ثم الإنسان في مقاومة الإغراءات لا بد يدعو الله بالثبات، يدعو الله بالنجاة، {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}(آل عمران: الآية8)،{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا}(البقرة: الآية250)، ((قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن)) مسند أحمد(26176)، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي – يقصد شر الفرج – )) رواه الترمذي (3492) وصححه الألباني.

ومن أهم الأمور: البعد عن أماكن الإغراءات، ما هي مواطن المغريات ابتعد عنها، أما الإنسان يغشاها ويقول: ما صبرت، ذهبت وانزلقت، لماذا ذهبت؟ أنت مشيت برجليك إلى الشر، ((لا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء)) رواه البخاري (3283) ، ومسلم (2766) وهذا لفظه.، قالها العالم للذي قتل مائة نفس، لماذا النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إياكم الدخول على النساء))؟ الإنسان ما يورط نفسه، يدخل ويقول: أنا ما صبرت، لماذا دخلت أصلاً، ((كونوا أحلاس بيوتكم)) الأحلاس : جمع حلس، وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير، ومعنى : كونوا أحلاس البيوت أي الزموها] رواه أبو داود (4262) وصححه الألباني في صحيح أبي داود. إذا صارت المسألة فتن في فتن، ((أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك)) رواه الترمذي 2(406) ، وصححه الألباني في الصحيحة (890) .

القناعة بالحلال الذي عندك هو الذي يجعلك عندما تطبق الآية: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}(طـه: الآية131) فأنت ترعى الجانب المقابل: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (طـه: الآية131). . لا تنظر إلى المترفين، لا يكن المترفون هم قدوتك، وغايتك، وتريد أن تكون مثلما لهم، يا أخي تتعب، واحد عنده سيارة، ليس عندك مثلها، وعنده قصر، ما عندك مثله، وعنده مزرعة ما عندك مزرعة، وعنده شاليه، ما عندك مثله، وعنده ثوب ما عندك مثله، تتعب، إذا خالطت أهل الدنيا تتعب، خالط أهل الآخرة ترتاح .

إذا ما أطعت النفس في كل لذة              نسبت إلى غير الحجا والتكرم

إذا ما أجبت النفس في كل دعوة            دعتك إلى الأمر القبيح المحرم

ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها له نصيبه، ومن أراد الدنيا وسعا لها سعيها له نصيبه، {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ} (التكاثر:1) .

 (يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ). مسلم (2958).

وختاماً فإن عمر الإنسان قصير، والأيام زائلة .

وما عيشها إلا ليال قلائل           سراع وأيام تمر قصار

الدنيا من أولها إلى آخرها قليل، وما متاع الدنيا إلا قليل، لو عشت ألف سنة متاع الدنيا قليل .

وكم ذي معاص نال منهن لذة                ومات وخـلاها وذاق الدواهي

تصرم لذات المعاصي وتنقضي               وتبقى تباعات المعاصي كما هـي

فيا سوءتا والله راء وسامــع               لعبد بعين الله يغشى المعاصــيا

خذ العدة للرحيل، ولا يلهينك طول الأمل، و الشباب زائل، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك، ومن غناك لفقرك، ومن شبابك لهرمك، واعلم أن الموت يأتي بغتة، فتبصر في العواقب، عمل الآخرة شاق، آخرته لذيذة، والمعاصي لذيذة في أوائلها وعاقبتها شؤم، فيا ويح من فضل لذة ساعة يقضي بعدها شراً إلى قيام الساعة وبعد قيام الساعة.

وشارب الخمر يلتذ ساعة، ويجني بعد ذلك من الآفات في الدنيا والآخرة ما الله به عليم، كما أن الزاني يلتذ ساعة في قضاء شهوة تعقبها فضيحة وفاحشة وساء سبيلاً .

وأكثر ذكر الله، أكثر ذكر الله، وننهي مجلسنا هذا بتذكير أنفسنا بهذا الكلام لابن القيم رحمه الله يقول: (الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة فإنها أما أن توجب ألماً وعقوبة، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة، وأما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه، وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامه خير من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها من قبل ذلك، – يتسلط عليك بسبب معصيتك- ، وإما أن تجلب هماً وغماً وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسى علماً ألذ من نيل الشهوة، وتشمت بك عدواً وتحزن ولياً، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة ) (الفوائد:131).

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها       من الحرام ويبقى الذل والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها        لا خير في لذة من بعدها النار

قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ}(الشعراء:206) . الموت {ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون}  (الشعراء:206) ، ذهبت اللذات وبقيت الحسرات .

اللهم إنا نسألك أن ترزقنا ذكرك، وأن تجعل عملنا في رضاك، أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، وجنبنا الغفلة والغافلين، اللهم أحي قلوبنا بالقرآن، واجعله لنا إماماً ونوراً يوم الدين، وارزقنا رفقة الصالحين، واسلك بيدنا في أهل اليمين والمقربين، وارزقنا حسن الخاتمة يا رب العالمين، اغفر للحاضرين والحاضرات، والمؤمنين والمؤمنات، يوم يقوم الأشهاد.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.