إياك وشرب أم الكبائر
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}1، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}2، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}3، أما بعد:
أيها المؤمنون: إن الله بعث محمداً – صلى الله عليه وسلم – بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً، يأمركم بالمعروف وينهاكم عن المنكر، ويحل لكم الطيبات ويحرم عليكم الخبائث؛ قال الله – تعالى – في وصف ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم -: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}4، ألا وإن أم الخبائث الخمر كما قال النبي – عليه الصلاة والسلام -: ((الخمر أم الخبائث))5، وقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – بأنها مفتاح الشرور؛ فعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر))6.
وصدق الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – فإنه قد اجتمع فيها من الشرور والآثام والخبائث مالم يجتمع في غيرها، كيف لا؟ والمرء إذا سكر خرج عن طوره، وفقد عقله، وضاع سمته، وغرق في ألوان المعاصي والموبقات، فالخمر – يا أيها المؤمنون – تفسد الأديان، وتهلك الأنفس، وتعطل العقول، وتهتك الأعراض، وتتلف الأموال، وهذا سر تسمية النبي – صلى الله عليه وسلم – الخمر أم الخبائث وأم الفواحش؛ ففي حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((الخمر أم الفواحش، وأكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه، وخالته، وعمته)) نعوذ بالله من ذلك.
فإياك يا من يرجو نجاته:
وإياك شرباً للخـمور فـإنها **** تسود وجه العبد في اليوم والغد
وكل صفات الذم فيها تجمعت **** كذا سميت أم الفـجور فأسند
وقد جاء تحريم الخمر في الكتاب والسنة فقال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}7.
أما السنة فالأحاديث الدالة على تحريمها كثيرة عديدة فمن ذلك مارواه ابن عمر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((كل مسكر خمر، وكل خمر حرام))8، وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((كل شراب أسكر فهو حرام))، وقد أجمع المسلمون على تحريمها، وهذا الحكم ثابت لكل ما أسكر سواء كان مشروباً أو مطعوماً، أو مستنشقاً أو متعاطىً بغير ذلك، فالمخدرات وما شابهها حكمها حكم الخمر أو أشد.
أيها المسلمون عباد الله: إن الله – سبحانه وتعالى – توعد من خالف أمره، وتعدى حدوده؛ فشرب الخمر بعقوبات دينية شرعية، وعقوبات كونية قدرية، فمن العقوبات الشرعية أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد لعن في الخمر تسعة فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: ((لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الخمر، وشاربها وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه))9.
ومن العقوبات الشرعية الكبرى أن شارب الخمر مهدد بنزع الإيمان ورفعه من قلبه ففي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه -: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن))10، قال أبو هريرة – رضي الله عنه -: من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه – نعوذ بالله من الخذلان -.
أيها المسلمون عباد الله: إن من العقوبات الشرعية لشارب الخمر:
– أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، فعن عبدالله بن عمرو وابن عباس- رضي الله عنهم جميعاً – قالا: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من شرب الخمر وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، وإن مات دخل النار؛ فإن تاب تاب الله عليه، من شرب الخمر وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، وإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، من شرب الخمر وسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، وإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة)) قالوا: يا رسول الله وما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار))11.
– ومن العقوبات الشرعية أن شارب الخمر في هذه الدنيا يحرم شربها في الآخرة، ففي صحيح مسلم قال: ((كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب؛ لم يشربها في الآخرة))12.
– بل الأمر أعظم من ذلك وأدهى؛ فإن شارب الخمر متوعد بحرمان الجنة، فعن أبي الدرداء مرفوعاً: ((لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا مكذب بالقدر))13.
– ومن أعظم ما ورد في حال مدمن الخمر ما رواه ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مدمن الخمر إذا مات لقي الله كعابد وثن))14.
– ومن العقوبات الشرعية أن يجلد شارب الخمر فعن أنس – رضي الله عنه -: ((أن النبي – صلى الله عليه وسلم – جلد في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر – رضي الله عنه – أربعين))15، فإن تكرر ذلك منه فقد قال النبي – عليه الصلاة والسلام – فيما رواه معاوية رضي الله عنه -: ((من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه))16، فمن أدمن الخمر فهو عنصر فاسد يجب على المجتمع أن يتخلص منه دفعاً لشره وأذاه.
أيها المؤمنون: هذه بعض العقوبات الشرعية أما العقوبات القدرية الكونية فكثيرة لا حد لها، إلا أن منها: أن شرب الخمور والمخدرات وما شابهها سبب للإصابة بأنواع من الأسقام، والأمراض الصحية والنفسية، وقد أفاض المختصون في بيان تأثير هذه الموبقات على صحة الإنسان، فما من عضو من أعضاء البدن إلا وتطاله آثار شربها، وعقوبة تعاطيها.
أما الأمراض النفسية والعصبية فذاك بحر لا ساحل له، فإن شاربها يعاني من ألوان من الاضطرابات وأنواع الضيق والضنك، فلا يسكن همه، ولا يذهب غمه؛ إلا بمعاقرة الخمور، ومداومة شربها؛ فلله ما أصدق ماأخبر به الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلم – فعن طارق الجعفي – رضي الله عنه – أنه سأل النبي – عليه الصلاة والسلام – عن الخمر فنهى عنها، فقال السائل: إنما أصنعها للدواء؟ فقال: ((إنها ليست بدواء، ولكنها داء))17.
أما أضرار الخمر الاجتماعية فكم هدمت من بيت، وشتتت من شمل، وأزهقت من نفس، وأفسدت من عقل، ونغصت من عيش، وكم بنت من منكر، وقلعت من معروف، كيف لا وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((من شربها وقع على أمه، وخالته، وعمته))18، فشؤم معاقرة الخمور وشربها لا يقتصر على شاربها بل يمتد ذلك إلى أسرته وأهل بيته ومجتمعه، فمدمن الخمر وشاربها بليد الإحساس، غير مهتم بأولاده أو أهله، ولا هو أهل لتحمل المسؤولية.
ومن أضرار شرب الخمور يا عباد الله إشاعة الفاحشة والجريمة بين المسلمين، فإن شارب الخمر المتورط بها عضو فاسد في مجتمعه، يزين الشر ويحسنه، ولا يقر قراره حتى يجر غيره إلى هذا المستنقع القذر.
كما أن متعاطي الخمور والمخدرات هم رواد الجريمة وتجارها، وكثير من الجرائم تقع بسبب شرب الخمر وقد صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما قال محذراً: ((لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر))19، فتباعدوا يا عباد الله عنها وعن أهلها.
فتباعدوا عن شرب مفتاح الردى *** ومغالقٍ للخير والإيمان
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث والمنكرات، وأصلي وأسلم على نبينا محمد الذي ختم الله به الرسل والنبوات، وعلى آله وأصحابه وسائر المؤمنين والمؤمنات أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتعاونوا على البر والتقوى كما أمركم الله – تعالى -، فتعاونوا جميعاً صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً، أفراداً وجماعات؛ على مكافحة داء الخمر العضال الفتاك، الذي إذا تفشى في المجتمع كان أحد أهم أسباب هلاكه ودماره، ويشهد لذلك أن الخمر تنتشر في آخر الزمان الذي هو وقت قرب هلاك الدنيا فعن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا))20.
ألا وإن من أهم وسائل مكافحة هذا البلاء الكبير، والداء الخطير؛ بناء الإيمان وإشاعته، وترسيخ الوازع الديني في النفوس، فإن القلوب إذا لم تكن قد عمرت بالإيمان فلن يردعها أضرار صحية, ولا أزمات نفسية, ولا مشاكل أسرية, أو اجتماعية، ولا ضائقة اقتصادية، فالنفوس ضعيفة، والشهوات جذابة، ولذا فإن الله – سبحانه وتعالى – لم يحرم الخمر في بداية دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – بل حرمها بعد أن استقر الإيمان في قلوب المسلمين، ورسخ وأينع وأثمر، ومع شدة تعلق العرب بالخمر في ذلك الوقت إلا أن الإيمان الصادق الراسخ قد تغلب على هذا العشق الجامح للخمر، قال أنس – رضي الله عنه -: "حرمت الخمر ولم يكن للعرب عيش أعجب منها، وما حرم عليهم شيء أشد من الخمر"، ويوضح شدة تعلق العرب بالخمر قبل تحريمها أن بعض الصحابة – رضي الله عنهم – لم يقلعوا عنها إلا عند التصريح بتحريمها، مع توالي الآيات التي تزهد فيها، وتنفر منها، صح عَنْ أَنَسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أنه قال: "كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُنَادِياً يُنَادِي: ((أَلا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ))، قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ}21".22
لكن تغير الحال بعد ذلك، فما إن نادى منادي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ألا إن الخمر قد حرمت؛ حتى أهرق الصحابة الشراب، وكسروا الكؤوس والقلال حتى سالت أزقة المدينة بالخمر، وتوقف الناس عن شربها، وقالوا: انتهينا ربنا، انتهينا!، وهكذا فليكن الاتباع.
أيها المؤمنون: هكذا يفعل الإيمان الراسخ، أمة تربّت على عشق الخمور، والتعلق بها، حتى قال قائلها عند موته موصياً:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة *** تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالـفــلاة فإنني *** أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
يرتفع كل هذا الحب والتعلق ويزول؛ عندما سمعوا قول المنادي: ((ألا إن الخمر قد حرمت))، فلله درّهم ما أعمق إيمانهم.
أيها المؤمنون عباد الله: إن مكافحة المخدرات والخمور شغل شاغل لكثير من الأمم، ولكننا أمة الإسلام لن نحقق النجاح في مكافحة السوءات إلا بإشاعة خلال الإيمان وخصاله, وتربية المجتمع عليها, فقبل أن نقول: لا للخمور، ولا للمخدرات، ونعلق الإعلانات على الجدران والشوارع؛ يجب أن نرسخ في قلوبنا "لا إله إلا الله"، وأن نصبغ حياتنا بمقتضياتها، وأن نطهر إعلامنا المرئي والمسموع والمقروء من كل ما يزين الخمور والفواحش، وما يدعو إليها، وبغير ذلك فلا نجني إلا العطب، ولن نصيب إلا الخبال، والشاهد على ذلك قائم ناطق، فأمريكا سنّت في أوائل القرن العشرين الميلادي قانوناً يمنع شرب الخمور وصناعتها وبيعها، فما هو إلا أن مرت سنوات إلا وتهاوى هذا القانون، وأفل هذا النظام، وكانت النتيجة عكسية، فزادت نسبة الشاربين للخمر قال الله – تعالى -: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}23.
أيها المؤمنون عباد الله: إن من أهم وسائل مكافحة هذا الداء الفتاك؛ إظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع، ودعم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الذين لهم أثر ملموس، ودور رائد، وجهد مشكور؛ في محاربة أهل الزيغ والفساد، فلله درهم ما أحسن صنيعهم، فكم من مصنع خمر قد هدموه، وكم من مروج له قد فضحوه، وكم من تائه ضائع حائر غارق في المعاصي والآثام والذنوب قد انتشلوه وأنقذوه.
أيها المؤمنون عباد الله: إن من وسائل مكافحة انتشار هذه البلايا إقامة الحدود وإظهارها, فإن الحدود على اسمها تحد من انتشار الرذائل والآثام، فبها يضعف الشر وينحسر، وينقمع أهل الباطل ويخنسون – بإذن الله جل وعلا -.
ومن وسائل الوقاية من هذه الكبيرة حفظ الأولاد وتوعيتهم، والابتعاد بهم عن أسباب الوقوع في هذه القاذورات؛ من رفقةٍ سيئة خبيثة تزين الباطل، وتدعو إليه، أو إعلام مدمر يغري بالخبائث، ويزين الفواحش، أو سفر إلى بلاد خلعت ثوب الإيمان، ولبست لباس الكفر والإباحية، والفجور والعصيان.
وأخيراً أقول لقوم استزلهم الشيطان، فتورطوا في شرب الخمور أو غيرها من الآثام: البدار البدار, التوبة التوبة, والإقلاع الإقلاع؛ قبل فوات الأوان، وانصرام الزمان؛ فقد دعاك مولاك إلى التوبة فأخبر خير جواب قال الله – تعالى -: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}24.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}25.
1 سورة آل عمران (102).
2 سورة النساء (1).
3 سورة الأحزاب (70-71).
4 سورة الأعراف (157).
5 سنن الدارقطني (4/ 247) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما -، وسنن الدارقطني (4/ 247).
6 سنن ابن ماجه (2/1119) برقم (3371)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
7 سورة المائدة (90-91).
8 صحيح مسلم (3/1587) برقم (2003)؛ ومسند أحمد بن حنبل (2/29) برقم (4830)، وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ وصحيح ابن حبان (12/177) برقم (5354)، وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح.
9 مسند أحمد بن حنبل (2/25) برقم (4787)، وقال شعيب الأرناؤوط: صحيح بطرقه وشواهده، وهذا إسناد حسن؛ وسنن البيهقي الكبرى (5/327) برقم (10559)، وسنن البيهقي الكبرى (6/12) برقم (10828).
10 صحيح البخاري (5/2120) برقم (5256)؛ وصحيح مسلم (1/76) برقم (57).
11 سنن ابن ماجه (2/1120) برقم (3377)؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (2/242) برقم (2722).
12 صحيح مسلم (3/1587) برقم (2003)؛ وسنن النسائي (8 /318) برقم (5673)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
13 مسند أحمد بن حنبل (6/441) برقم (27524)، وقال شعيب الأرناؤوط: حسن لغيره دون قوله "ولا مكذب بقدر" فقد تفرد بها سليمان بن عتبة الدمشقي وهو ممن لا يحتمل تفرده؛ ومصنف ابن أبي شيبة (5/98) برقم (24079).
14 مسند أحمد (5/357) برقم (2325)؛ وقال الألباني: الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح. انظر السلسلة الصحيحة (2/287).
15 صحيح مسلم (3/1330) برقم (1706)؛ وسنن أبي داود (2/568) برقم (4479).
16 سنن الترمذي (4/48) برقم (1444)؛ والمستدرك (4/412) برقم (8112)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
17 سنن الترمذي (4/387) برقم (2046) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح؛ وصحيح ابن حبان (4/232) برقم (1390) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
18 المعجم الكبير (11/164) برقم (11372)؛ والمعجم الأوسط (3/276) برقم (3134)، وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف.
19 سنن ابن ماجه (2/1119) برقم (3371)، وقال الشيخ الألباني: صحيح؛ والمستدرك (4/162) برقم (7231)، ووافقه الذهبي صحيح.
20 صحيح البخاري (1/43) برقم (80).
21 سورة المائدة (93).
22 البخاري (8/349) برقم (2284)؛ وصحيح مسلم (10/181) برقم (3662).
23 سورة النور (39).
24 سورة الزمر (53).
25 سورة الأحزاب (56).