حكم كتابة (الله – محمد) في المسجد

حكم كتابة (الله – محمد) في المسجد 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد: فإن اتباع خطوات الشيطان يؤدي إلى أسوء النتائج، ولهذا حذر الله – عز وجل – من ذلك فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}1، وقد جرى فيما يريد الشيطان قومُ نوح حين صوروا الصالحين من قومهم ليذكرونهم بالعبادة، فخطوا خطوة خطوة حتى وقعوا في الغلو فاتخذوهم أرباباً من دون الله – سبحانه وتعالى -. وإن من السير في خطوات الشيطان ما نراه اليوم منتشراً في المساجد وفي غير المساجد، لكنه في المساجد أشد نكارة، وأكثر خطورة، فلقد كثر في هذه الأيام تزيين المساجد، والمبالغة في ذلك، وهذا تصديق لما أخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه من علامات الساعة، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد))2، فإذا كانت زخرفة المساجد فيها ما فيها؛ فكيف إذا كان فيها كتابة محرمة من غلو أو إطراء كالذي عمَّ وانتشر مما هو مكتوب في قبلة المساجد، وعلى الجدران، ككتابة لفظ الجلالة (الله) وكتابة (محمد) اسم الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وهذا من الغلو الذي حذر منه الله – عز وجل – فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً}3، فهؤلاء النصارى قد غالوا في عيسى – عليه السلام – حتى زعموا أنه إله مع الله – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً -، والنبي – صلى الله عليه وسلم – قد حذر أمته من الغلو فقال: ((يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين))4، وكتابة ( الله – محمد ) من هذا القبيل، وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فأفتت بالتالي: “س: أود أن أطرح عليكم سؤالاً كان محض خلاف بين عدد من الناس، وهو أنه كانت مكتوبة كلمة الله وكلمة محمد بشكل متداخل فيما بينهما في أعلى باب أحد المساجد في محافظة أدلب، وهي كما يلي:…، فمنهم من قال: بأنه لا يجوز كتابتها على هذا الشكل، وبرهنوا على قولهم بأن محمداً – صلى الله عليه وسلم – أصبح بذلك في مرتبة الله، وهذا غير معقول، ومنهم من قال: بأن كتابتها ليس فيها أية حرمانية؛ لأن الله – عز وجل – جعل اسمه بجانب اسم رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم -، فأرجو منكم الإرشاد الصحيح ولكم مني جزيل الشكر؟

ج: مما جاء في نصوص الشريعة القرن بين الشهادة لله بالتوحيد والشهادة لنبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – بالرسالة في مواضع، من ذلك: القرن بينهما في الأذان للصلاة، وفي الإقامة لها، وفي حديث: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله))، وغير ذلك، مع بيان ما يجب الإيمان به على المكلفين بالنسبة لكل منهما مما هو أهله، كقول المكلف: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أما مزجهما كتابة فلم يأت في كتاب الله ولا في سنة النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك ففيه خطر عظيم، إذ فيه مشابهة لعقيدة النصارى الباطلة في التثليث، وأن الأب والابن وروح القدس إله واحد، وفيه أيضاً رمز للعقيدة الباطلة عقيدة وحدة الوجود، وفيه أيضاً ذريعة إلى الغلو في الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وعبادته مع الله – سبحانه -، وعليه يجب أن يمنع كتابة اسم الله – تعالى – واسم رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – على هذا الشكل، شكل تداخل حروف اسميهما كتابة، وتقاطع حروف اسم كل منهما بحروف اسم الآخر، بل لا يجوز كتابة (الله – محمد) على باب المسجد، ولا على غيره؛ لما في ذلك من الإيهام والتلبيس؛ لما ذُكِرَ من المحاذير وغيرها، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم”5. وقد حذَّر النبي – صلى الله عليه وسلم – من الإطراء الذي فعله النصارى فجاء عن عمر – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله))6، وكان – صلى الله عليه وسلم – يسد كل باب يؤدي إلى الشرك فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن رجلاً قال: يا محمد يا سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، فقال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس عليكم بتقواكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله – عز وجل -))7، ولا بد أن يميز بين الخالق والمخلوق فلا يقرنان ولا يساوى بينهما فعن ابن عباس – رضي الله عنهما -: أن رجلاً قال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: ما شاء الله وشئت، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أجعلتني واللهَ عدلاً، بل ما شاء الله وحده))8.

فإلى من وفقه الله إلى بناء المساجد: احرص على سلامة العمل من المخالفات الشرعية؛ لكي يكون عملك شاهداً لك لا عليك، وإذا رأيت منكراً كهذا الذي ذكرنا فغيِّره بما استطعت بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجب علينا ألا ندع مجالاً للشرك، ولا نسمح له أن يظهر في أي صورة كان.

والله أعلم.


1 سورة النور (21).

2 ابن ماجه (739)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة (604).

3 سورة النساء (171).

4 ابن ماجة (3029)، والنسائي (3057) بلفظ (فإنما أهلك)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2455).

5 من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتوى رقم (8377).

6 البخاري (3261).

7 مسند أحمد (12573)، وصحح إسناده شعيب الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد (3/153).

8 مسند أحمد (1839 )، وقال شعيب الأرنؤوط في التعليق على المسند: صحيح لغيره (1/214).