رسم المصحف

 

 

رسم المصحف

الحمد لله منزل الكتاب وهادي الألباب، وجاعل السبيل ومقيم الدليل، ومجلي اليقين بالنور المبين وهو رب العالمين.

والصلاة التامة على خاتم الرسل وموضح السبيل، معلم الحكمة وهادي الأمة محمد النبي العربي الأمي، صلاة تنيلنا الزلفى والمورد الأصفى، وعلى آله الطيبين وصحبه الأكرمين الذين سلكوا سبيله، وبينوا دليله،وبالغوا في الإرشاد والنصيحة، وضبطوا بخط المصحف لغته الفصيحة، على أكمل بيان؛ لتفهيم الفرقان، المبلغ إلى مقامات الرضوان، ومحل الإحسان وسلم كثيراً.1 أما بعد:

فإن الله جل وعلا أخبر في كتابه عن حفظ القرآن الكريم الذي هو كلامه العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد يسر له سبحانه من يحفظه ويعتني به ليوصله إلى الأمم القادمة والأجيال المتلاحقة، وهو كما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم. وأعظم من عني بحفظه والعناية به الصحابة رضي الله عنهم، فقد جمعوه في مصحف واحد من صدور الناس ومن الألواح والوسائل الأخرى التي كان مكتوباً عليها، ثم جمع عثمان رضي الله عنه القرآن في مصحف واحد فكان هو الخاتمة للجمع وهو الذي اتفق عليه المسلمون، وقد تم رسم القرآن وخطه بخط مميز وهو محفوظ إلى اليوم بذلك الخط الفريد.

رسم المصحف:

المراد برسم المصحف: أي الكيفية التي كُتبت بها حروفه وكلماته، وَفق المصاحف العثمانية.

وقد كتبه الصحابة من المصحف العثماني على هيئة مخصوصة لا تتفق مع قواعد الكتابة.

فمن المعلوم أن الصحف التي كُتبت في عهد النبي  ، أو المصاحف العثمانية التي كتبها عثمان ثم وُزعت على البلدان الإسلامية فيما بعد، كانت خالية التشكيل والتنقيط، ولا ريب أن رسم المصاحف العثمانية كان يقوم على إملاءٍ خاصٍ به، يختلف عن الرسم الإملائي المعروف لدينا اليوم في الوقت الحاضر.

قواعد رسم المصحف:

وللمصحف العثماني قواعد في خطه ورسمه حصرها علماء الفن في ست قواعد وهي: الحذف، والزيادة، والهمز، والبدل، والفصل، والوصل، وما فيه قراءتان فقرىء على إحداهما.2

وقد جمع هذه القواعد العلامة الشيخ محمد العاقب الشنقيطي رحمه الله بقوله:

الرسم في ست قواعد استقل حذف زيادة وهمز وبدل
وما أتى بالوصل أو بالفصل موافقا للفظ أو للأصل
وذو قراءتين مما قد شهر فيه على أحداهما قد اقتصر3

 

وهاك شيئاً عنها بالإجمال؛ ليكون الفرق بينها وبين مصطلح الخطوط في عصرنا على بال منك:

قاعدة الحذف:

وخلاصتها: أن الألف تحذف من ياء النداء نحو “يأيها الناس”، ومن ها التنبيه نحو “هأنتم” ومن كلمة “نا” إذا وليها ضمير نحو “أنجيناكم” فكتبت “أنجينكم” ومن لفظ الجلالة “الله” والأصل كتابتها”اللاه” ومن كلمة “إله” والأصل “إلاه” ومن لفظي “الرحمن، وسبحان” وبعد لام نحو كلمة “خلائف” وبين اللامين في نحو “الكلالة” ومن كل مثنى نحو “رجلان” ومن كل جمع تصحيح لمذكر أو لمؤنث نحو “سماعون، المؤمنات” ومن كل جمع على وزن مفاعل وشبهه نحو “المساجد، والنصارى” ومن كل عدد نحو “ثلاث”.

ومن البسملة، ومن أول الأمر من “سأل” وغير ذلك إلا ما استثني من هذا كله.

وتحذف الياء من كل منقوص منون رفعاً وجراً نحو: “غير باغ ولا عاد” ومن هذه الكلمات “أطيعون، اتقون، خافون، ارهبون، فأرسلون، واعبدون” إلا ما استثني.

وتحذف الواو إذا وقعت مع واو أخرى في نحو: “لا يستوون، فأووا إلى الكهف”، وتحذف اللام إذا كانت مدغمة في مثلها نحو: “الليل، والذي” إلا ما استثني.

وهناك حذف لا يدخل تحت قاعدة كحذف الألف من كلمة “مالك” وكحذف الياء من “إبراهيم” وكحذف الواو من هذه الأفعال الأربعة: “ويدعو الإنسان، ويمحو الله الباطل، يوم يدعو الداع، سندعو الزبانية”.4

وقد أشار الشيخ محمد العاقب إلى مواضع حذف الواو من آخر الفعل بقوله:

وحذف الواو بغير داع في يدع الإنسان ويدع الداع
سندع صالح ويمح الله إن سبق الباطل لا سواه5

قاعدة الزيادة:

 

وخلاصتها: أن الألف تزاد بعد الواو في آخر كل اسم مجموع أو في حكم المجموع نحو “ملاقوا ربهم، بنوا إسرائيل، أولوا الألباب”.

وبعد الهمزة المرسومة واواً نحو”تالله تفتأ” فإنها ترسم هكذا “تالله تفتؤا”.

وفي كلمات “مائة ومائتين والظنون والرسول والسبيل” في قوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (10) سورة الأحزاب، و{أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} (66) سورة الأحزاب، و{فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}(67) سورة الأحزاب.

وتزاد الياء في هذه الكلمات “نبأ، آناء، من تلقاء، بأيكم المفتون، بأيد من قوله تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ}(47) سورة الذاريات،وتزاد الواو في نحو “أولو، أولئك، أولاء، أولات”.

قاعدة البدل:

وخلاصتها: أن الألف تكتب واواً للتفخيم في مثل “الصلاة والزكاة والحياة” إلا ما استثني، وترسم ياء إذا كانت منقلبة عن ياء نحو “يتوفاكم، يا حسرتا – يا أسفا” وكذلك ترسم الألف ياء في هذه الكلمات “إلى، على، أنى بمعنى كيف، متى، بلى، حتى – لدى” ما عدا “لدى الباب” في سورة يوسف فإنها ترسم ألفاً، وترسم النون ألفاً في نون التوكيد الخفيفة وفي كلمة “إذن”.

وترسم هاء التأنيث تاء مفتوحة في كلمة”رحمت” بالبقرة والأعراف وهود ومريم والروم والزخرف.

وفي كلمة “نعمة” بالبقرة وآل عمران والمائدة وإبراهيم والنحل ولقمان وفاطر والطور.

وفي كلمة “لعنة الله” وفي كلمة “معصية” بسورة قد سمع، وفي هذه الكلمات “إن شجرة الزقوم، قرة عين، جنة نعيم، بقية الله” وفي كلمة “امرأة” أضيفت إلى زوجها نحو “امرأة عمران، امرأة نوح” وفي غير ذلك.

قاعدة الوصل والفصل:

وخلاصتها: أن كلمة “أن” بفتح الهمزة توصل بكلمة “لا” إذا وقعت بعدها، ويستثنى من ذلك عشرة مواضع: منها: “أن لا تقولوا، أن لا تعبدوا إلا الله”.

وكلمة “من” توصل بكلمة “ما” إذا وقعت بعدها، ويستثنى “من ما ملكت أيمانكم” في النساء، والروم، و”من ما رزقناكم” في سورة المنافقين.

وكلمة “من” توصل بكلمة “من” مطلقاً، وكلمة “عن” توصل بكلمة “ما” إلا قوله سبحانه “عن ما نهوا عنه” وكلمة “إن” بالكسر توصل بكلمة “ما” التي بعدها إلا قوله سبحانه “وإن ما نرينك”.

وكلمة “أن” بالفتح توصل بكلمة “ما”مطلقاً من غير استثناء.

وكلمة “كل” توصل بكلمة “ما” التي بعدها إلا قوله سبحانه {كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ}(91) سورة النساء، و{مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}(34) سورة إبراهيم.

 وتوصل كلمات “نعما، وربما، وكأنما،ويكأن” ونحوها.

قاعدة ما فيه قراءتان:

وخلاصتها: أن الكلمة إذا قرئت على وجهين تكتب برسم أحدهما كما رسمت الكلمات الآتية بلا ألف في المصحف وهي: “مالك يوم الدين، يخادعون الله، وواعدنا موسى، تفادوهم” ونحوها، وكلها مقروءة بإثبات الألف وحذفها.

وكذلك رسمت الكلمات الآتية بالتاء المفتوحة وهي: “غيابة الجب، “أنزل عليه آية” في العنكبوت، “ثمرة من أكمامها” في فصلت، “وهم في الغرفة آمنون” في سبأ.

وذلك لأنها جمعاء مقروءة بالجمع والإفراد، وغير هذا كثير، وحسبنا ما ذكرناه للتمثيل والتنوير

قاعدة الهمز:

وخلاصتها: أن الهمزة إذا كانت ساكنة تكتب بحرف حركة ما قبلها نحو “ائذن – أؤتمن – البأساء” إلا ما استثني.

أما الهمزة المتحركة فإن كانت أول الكلمة واتصل بها حرف زائد كتبت بالألف مطلقاً سواء أكانت مفتوحة أم مكسورة نحو “أيوب – أولو – إذا – سأصرف، سأنزل – فبأي” إلا ما استثني.

وإن كانت الهمزة وسطاً فإنها تكتب بحرف من جنس حركتها نحو “سأل، سئل – تقرؤه” إلا ما استثني.

وإن كانت متطرفة كتبت بحرف من جنس حركة ما قبلها نحو “سبأ، شاطىء – لؤلؤ” إلا ما استثني، وإن سكن ما قبلها حذفت نحو “ملء الأرض، يخرج الخبء” إلا ما استثني، والمستثنيات كثيرة في الكل.6

فهذا هو ما يسمى بالرسم العثماني الذي انفرد في خط القرآن الكريم، ولهذا ينبغي ألا يكتب القرآن إلا به، وقد اختلف العلماء في كتابة القرآن بغير الرسم العثماني، فمنهم المجيز ومنهم المانع ومنهم المفصل، وهذا لا يعنينا في هذا الموضوع، إنما الذي نريد فهمه ومعرفته هو كيفية الرسم في الأمثلة المشار إليها، والتي تخالف قواعد الكتابة المعهودة اليوم، وبحمد الله فإن الناس قد تعودوا على قراءته بهذا الرسم تيسيراً من الله وحفظاً لكتابه ولمراد أصحاب نبيه من ذلك الرسم.

{إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}(3) سورة الطلاق هذا ما تيسر جمعه في هذا الموضوع، والله ولي الهداية والتوفيق، والحمد لله رب العالمين.



1 المقدمة من كتاب: عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل – لابن البناء المراكشي ص1.

2 مناهل العرفان في علوم القرآن، لمحمد عبد العظيم الزرقاني، (1/255).

3 تاريخ القرآن الكريم، محمد طاهر الكردي (1/94).

4 مناهل العرفان في علوم القرآن، (1/255).

5 يعني تحذف الواو من قوله تعالى: {يَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} بالشورى بخلاف قوله:{يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} بالرعد فانه بإثبات الواو.

6 مناهل العرفان في علوم القرآن: (1/255-258).