الطبق الخيري لصالح المسجد

الطبق الخيري لصالح المسجد

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

من سعة رحمة الله – تعالى – أن جعل أعمال الخير متنوعة، وكلٌ يقدم من الخير ما يستطيعه، ويبذل من الجهد ما يطيقه، فهذا أنفق في سبيل الله – عز وجل – الملايين لبناء مسجد أو توسعته – وهذا خير عظيم لا يستطيعه إلا القليل -، وآخر سخر نفسه لبيت الله يخدمه، ويقوم على مصالحه، وآخر يَعُدُّ كنس بيت الله من أرجى ما يقدمه، وكل هذه الأعمال هي من أفعال الخير الذي تنفع صاحبها يوم القيامة {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}1، وما يقدمه الإنسان في هذه الدنيا يجده يوم القيامة حتى ولو كان شيئاً يسيراً، المهم أن يقترن العمل بالإخلاص، وألا يكون فيه ابتداع {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}2 قال الإمام السعدي – رحمه الله تعالى -: "أي: أخلصه وأصوبه"3.

ومن أعظم أعمال الخير: الإنفاق لأجل المسجد، وكيف لا وقد خصه القرآن بآيات يذكر فيها فضل عمارته يقول – تعالى -: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}4، وأتت الأحاديث المتواترة في بيان أجر بنايته فعن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله؛ بنى الله له مثله في الجنة))5، وهو من الأحاديث المتواترة.

مما تواتر حديث من كذب         ومن بنى لله بيتاً واحتسب

شفـاعة ورؤيـة والحوض        ومسح خفين وهذا بعض

وهاهنا مقترح يجعل كل أفراد الحي يشاركون في عمارة بيت الله، وكلهم يساهم بما استطاع لدعم بيت الله، إذ قد يكون الدعم لصالح البناء، أو لصالح ترميم، أو لشراء شيء مهم للمسجد، المهم أن الكل سيشارك في توفير حاجيات المسجد.

نعم كل أفراد الحي؛ لكن هذه المرة ليس عن طريق جمع التبرعات، أو دفع الأموال؛ بل عن طريق الطبق الخيري.

وما شأن الطبق الخيري في عمارة المساجد؟

إننا اليوم نريد أن نجدد في مسألة جمع الأموال لصالح المسجد بطريقة جديدة، لها أثرها في نفوس جميع أفراد الحي، فالأب يشارك فيها، والأم تشارك، والابن والبنت، كل الأسرة تعمل في هذا المشروع؛ إنه مشروع "الطبق الخيري لصالح المسجد"، والناس معتادون على هذا الطبق؛ وهم يفعلونه لصالح جمعية ما أو مؤسسة أو غير ذلك، أما اليوم فنصنع هذا الطبق لصالح المسجد؛ لبنائه، لتوسعته، لإكمال احتياجاته، وخطوات العمل في هذا المشروع هي كالتالي:

1-  يعلن عن المشروع بشكل رسمي في المسجد، وفي مساجد أخرى مجاورة للمسجد.

2-  يفتح باب التسجيل لكل مشارك حتى يعرف عدد المشاركين قبل البدء بالعمل.

3-  يجتمع بالمشتركين فيخبرون بأهمية المشروع، وأنه باب من أبواب الأجر، إلى غير ذلك من التحفيزات.

4-  ترصد أسماء المشتركين مع نوع المشاركة، واسم الطبق التي سيتم المشاركة بها؛ مع التنبيه على عدم تكرار نوع الطبق.

5-  يعلن عن اليوم الفعلي للطبق الخيري، ويحفز الناس على الإقبال عليه، وبيان أن ريع هذا العمل يعود على المسجد.

6-  تكون لجنة من أبناء أسر الحي هي لجنة المبيعات، ويكون لهم لباس خاص فيه شعار المشروع، وشعار المسجد.

7- يكون مكان المشروع في ساحة مفتوحة، أو معرض كبير؛ يتيح للكل أن يجتمعوا فيه، ويقترح أن تنصب لذلك خيمة بجوار المسجد.

8-  تعدُّ بعض المسابقات الخفيفة لكل داخل ساحة المعرض كالأسئلة الفورية، أو المسابقة الورقية.

9-  يجهز قسم خاص للرجال، وقسم خاص للنساء، ويكون في كل قسم جميع الأنشطة التي في القسم الآخر.

ولهذا المشروع العديد من الآثار الطيبة، والثمار اليانعة، والفوائد الزكية، وقبل أن نذكر شيئاً منها؛ تأمل أنت في المشروع، وأخرج منه ما استطعت من الفوائد، والذي يظهر لنا من الفوائد – والله أعلم – التالي:

1- إذكاء روح الاحتساب في نفوس الناس، فالأب في إخراج المال، والأم في تجهيز الطبق، والابن أو البنت في بيع الطبق ضمن لجنة المبيعات.

2- تنويع العمل الخيري، وتوصيل رسالة للناس أن العمل لهذا الدين لا يقف عند حد معين؛ بل للجنة ثمانية أبواب، والذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله سبعة، وهكذا.

3- إدخال شيء من السرور على أهل الحي، وإخراجهم من الرتابة التي قد عششت على بعضهم.

4- حصول التعارف والتداخل بين أفراد الحي وذلك من خلال العمل الجماعي، والاشتراك المباشر والغير مباشر في العمل، وهذه الفائدة من أجلِّ الفوائد؛ فهي مقصد شرعي، ومطلب إسلامي.

5- يفتح باب من أبواب التنافس في الأجر، وتحمس الأسر في المسارعة لخدمة هذا الدين.

هذا والله أعلم، وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.


 


1 سورة الزلزلة (7-8).

2 سورة الملك (2).

3 تفسير السعدي (1/875).

4 سورة التوبة (18).

5 البخاري (431)، ومسلم (828).