الهروب من عش الزوجية
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على النهار، عدد ما صلى له المصلون الأخيار، ثم الصلاة والسلام على النبي المختار، خير من ركع وسجد، واستغفر بالأسحار، وعلى آله وصحبه الطيبين الأطهار، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم يبرز فيه العباد لله الواحد القهار، أما بعد:
فكثيراً ما يتكلم الناس عن الهروب من عش الزوجية عن الأسباب والمقدمات والنتائج، حتى أصبح حديث الشارع والبيت، والعمل والحي، وعلى كل المستويات عند طبقة من الناس، مما أدى إلى ارتفاع معدل حالات الطلاق في كثير من البلدان، ولذا أحببنا طرق هذا الموضوع لتعم الفائدة، ويوصف العلاج، لا سيما وقد عجز كثير من الأزواج عن إيجاد حلول مناسبة لهذا الهروب، وتفاقم الأمر حتى هربت المرأة من بيتها، والزوج من بيته، وهكذا تناثرت الأسرة إلى أشلاء مبعثرة تعاسة وشقاء، ومشاكل وشغب، وتهديد وطلاق، وهذا ناتج عن عدة أسباب من أهمها:
o عدم تكيف كل من الزوجين مع الحياة الزوجية، وعدم الشعور بالمسؤولية.
o اختلاف الطبائع، وعدم الانسجام بين الزوج والزوجة مما يسبب حدوث مشاكل بين الزوجين، فيفر الزوج من بيته، وتفر المرأة هروباً من هذه المشاكل.
o انعدام المحبة بين الزوجين، أو المحبة من طرف واحد؛ كأن يكون الزوج لا يحب الزوجة فيهرب الزوج من المنزل؛ لأنه لا يحس أن في وجوده ما يسعده، أو يدخل السرور إلى قلبه.
o اضطراب شخصية أحد الزوجين أو كليهما.
o القصور في فهم النفس البشرية بما تحويه من جوانب مختلفة إيجابية وسلبية: فهناك بعض من الناس لديهم تصورات مسبقة وغير واقعية لشريك الحياة، وعندما لا يحقق هذا الشريك تلك التوقعات نجدهم فى حالة سخط وتبرم، فهم لا يستطيعون قبول الشريك كما هو، ولا يحبونه كما هو، وإنما يريدونه وفقاً لمواصفات وضعوها له، فإن لم يحققها سخطوا عليه وعلى الحياة، وهؤلاء يفشلون فى رؤية إيجابيات الشريك؛ لأنهم مشغولون بسلبياته ونقائصه.
o القصور في فهم احتياجات الطرف الآخر بشكل خاص: فالمرأة لها احتياجات خاصة فى الحب والاحتواء والرعاية قد لا يوفيها الرجل، أو لا ينتبه إليها، والرجل له مطالب من الاحترام والتقدير، والسكن والرعاية؛ قد لا توفيها المرأة، أو لا تنتبه إليها.
o عدم القدرة على التعايش مع آخر: فهناك أفراد أدمنوا العيش وحدهم، وهم لا يتحملون وجود آخر فى حياتهم، فهم يعشقون الوحدة، ويفضلون حريتهم الشخصية على أي شئ، ويعتبرون وجود آخر قيد على حريتهم وحياتهم، ولذلك فهم يفشلون في حياتهم الزوجية، ويهربون منها فى أقرب فرصة متاحة.
o العناد: إذ قد يكون أحد الزوجين أو كليهما عنيداً، ومن هنا يصعب تجاوز أي موقف أو أي أزمة؛ لأن الطرف العنيد يستمتع ببقاء الصراع واحتدامه بلا نهاية، وهذا يجهد الطرف الآخر، ويجعل حياته جحيماً.
o العدوان: سواء كان لفظياً كالسب والشتم، والانتقاد الدائم، والسخرية اللاذعة، أو كان جسدياً كالضرب، وهذا العدوان ينزع الحب والاحترام من العلاقة الزوجية، ويجعلها أقرب لعلاقة سيد ظالم بجارية مظلومة.
o عدم فهم وإدراك قداسة العلاقة الزوجية: تلك العلاقة التي يرعاها الله ويحوطها بسياج من القداسة، ويجعلها أصل الحياة، ويصفها بصفات خاصة مثل: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا 1 وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ 2، هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ 3.
o غياب مفاهيم السكن والمودة والرحمة من الحياة الزوجية: السكن بمعنى الطمأنينة والاستقرار، والمودة الجامعة لكل معاني الحب والرعاية، والحنان – خاصة في حالة الرضا – والرحمة الجامعة لكل معاني التسامح والغفران، ونسيان الإساءة، والتغاضي عن الزلات – وخاصة في حالة الغضب -.
o عدم وضوح دور الرجل والمرأة وواجباتهما في العلاقة الزوجية.
o سوء استغلال مفهوم القوامة: فبعض الرجال يراها تحكماً واستعباداً، وانتقاصاً من حرية المرأة، وانتهاكا لكرامتها, فى حين أن القوامة فى مفهومها الصحيح هي قيادة حكيمة، ورعاية مسؤولة.
o غياب مفهومي الصبر والرضا: فلا يوجد شريك يحقق لنا كل توقعاتنا، لذلك يصبح صبرنا على الأخطاء والزلات، ورضانا بما يمنحه لنا الشريك قدر استطاعته؛ من ضرورات استمرار الحياة الزوجية السعيدة.
هذه هي الأسباب والعلاج في أضدادها، والله الموفق، والحمد لله أولاً وآخراً.