برامج عملية لأئمة المساجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
يحتل إمام المسجد مكانة مرموقة في وسط المجتمع الذي يعيش فيه، وكيف لا وهو يمتثل للمهمة التي أتى بها نبينا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم -، ويقوم بدوره، فهو مبلغ الرسالة، ومرشد الناس، ومعلمهم الخير، وقد أثنى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – على من يعلم الناس الخير فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ؛ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ))1، وإمام المسجد هو من يلقى على عاتقه تعليم الناس، وتبصيرهم بأمور دينهم.
والحديث عن المسجد لا ينفك عن الحديث عن إمام المسجد وخطيب الجمعة، وقد تتحد هاتان الصفتان في شخص واحد، وقد يكون إمام المسجد غير خطيب الجمعة، إلا أن موضوعنا اليوم وحديثنا هو عن إمام المسجد، وما ينبغي عليه من التجديد في تعامله مع الناس، والرقي بالمجتمع إلى السمو، والرفعة وفق برامج علمية وعملية في الوقت نفسه تهدف إلى تقوية أواصر المحبة بين المصلين من جهة وإمام المسجد من جهة أخرى، وتهدف أيضاً إلى أن لا يقتصر دور إمام المسجد على الصلاة فقط، بل عليه أن يكون رقماً مؤثراً في المجتمع، والحي له دوره الإيجابي ومواقفه المشرفة.
ومن البرامج العملية التي ينبغي على الإمام أن يعملها:
· أن يعلم أن دوره لا ينحصر في الإمامة فقط بل هو أكثر من ذلك، فعلى عاتقه تقع مسؤولية رفع الجهل عن الناس، ومحاربة الأمور المخالفة للعقيدة من خلال الأسلوب الحسن، والكلمة المؤثرة الهادفة.
· على إمام المسجد أن يتعاهد بين الفينة والأخرى المصلين بالسؤال عنهم، وتفقُّد أحوالهم، وزيارة من مرض منهم، ومساعدة المحتاج، والوقوف إلى جانب صاحب الحاجة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ))2، وإذا كانت هذه الأمور من الحقوق الواجبة على المسلم تجاه أخيه فهي في حق إمام المسجد آكد وأبلغ.
· على إمام المسجد أن يجعل مسجده غير محصور في أداء الشعائر، بل هو مدرسة تربوية تنهل من النبع الصافي من منهج رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -، ويتحقق فيه الرسالة العظيمة للمسجد والتي غفل عنها الكثير جهلاً بها، أو غفلة عنها، أو عدم مبالاة، ويتحقق من خلال أمور منها: تشكيل شباب قائمين على المسجد وأنشطته، وتشكيل لقاء دوريًّ أسبوعيًّ على أن يتولى تنسيق ذلك شبابٌ من جماعة المسجد، وتطرح فيه جملة من القضايا التي تهم الجميع نحو أوضاع المسجد، وحلقات تحفيظ القرآن، ولا ينسى أن يعالج في هذه اللقاءات القضايا التي تهم الجميع، وسبل القضاء على المشاكل، وإقامة الدروس في المسجد خاصة ما يتعلق بالعقيدة والفقه…إلخ.
· على أئمة المساجد أن يركزوا على إقامة المحاضرات المختلفة، وأن يختاروا الملقي الجذاب الذي يستطيع أن يجذب السامع، ويحبب الدين إلى قلوب الناس؛ سواء كانت هذه المحاضرات علمية، أو طبية، أو اقتصادية، أو اجتماعية أو غيرها، وربط كل ذلك بالواقع، مع ربط الواقع بالقضايا الإيمانية.
· المشاركة الفاعلة في الأنشطة الثقافية، والدينية المقامة في الحي.
· القيام بإجراء البحوث والدراسات الدينية، وعرضها على الناس ليستفيدوا منها، وكتابة الموضوعات الدينية بالصحف والمجلات.
· السعي الجاد الحثيث لتوفير مكتبة ثقافية بالمسجد تحوي الكتب العلمية، والثقافية النافعة، والصوتيات الهادفة.
· أهمية استثمار كافة الأساليب والطرق الإلكترونية والمعلوماتية الحديثة سواء كانت مسموعة أو مقروءة أو مرئية لخدمة الدعوة في الحي، وتوفير الإمكانات الفكرية والمادية اللازمة للدعوة الإسلامية، والبحث عن طرق غير تقليدية.
هذه بعض البرامج المقترحة للأئمة، وعلى كل واحد أن يبرز جوانب الإبداع لديه؛ لإعطاء الصورة الحقيقية، والمشرقة عن الأئمة، وأنهم هم من يستحقون البروز والظهور حيث هم صمام أمان للأمة.
نسأل الله – عز وجل – أن يهدي أمة الإسلام لتعود للمسجد مكانته وهيبته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.