مكافحة أهل الحي لظاهرة البطالة عند الشباب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الإسلام دين يحث على العمل، وعدم الركود، وعلى السعي في طلب الرزق، ويحارب الاتكالية قال – تعالى -: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}1، فعلى العبد أن يكون متوكلاً على الله – عز وجل -، وأن يعلم علماً يقينياً أنه {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}2، وأن يعلم أن الزرق مكتوب من حين وهو في بطن أمه فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود – رضي الله عنه – قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ… الحديث))3 ولا يعني هذا أنه ما دام الرزق مكتوب فلا يسعى العبد لجلبه، بل الواجب السعي، وعدم اليأس والقنوط، مع الرضا والتسليم لله – عز وجل -؛ لأن هذا السعي هو السبب لعمارة الأرض.
إلا أن الناظر إلى حال الأمة اليوم يرى أنها تعيش في ضائقة معيشية صعبة، فقد انتشرت بينهم الاتكالية، مما أدى إلى ما يسمى بالبطالة، وللبطالة أسباب منها:
1. ضعف الإيمان بالله – عز وجل -، والبعد عن تعاليم الشرع الحنيف، وعدم التوكل على الله – تبارك وتعالى -، وهذا بحد ذاته منافي لحديث عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: ((لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا))4.
2. تعويد الأسرة لأبنائها على ذلك: حيث أن الوالدين عودا الطفل على الاتكالية، ولم يستثمرا وقت الفراغ لديه بإشغاله فيه، مما أفقد لدى الطفل الثقة والاعتماد على نفسه، ونتيجة لهذا فقد يتولّد لديه حين يكبر الخوف من مواجهة الآخرين ومجابهتهم.
3. انعدام فرص العمل لدى الكثير من الشباب.
4. الاعتقاد الخاطئ لدى فئة كبيرة من الشباب، حيث يعتقد أنه بمجرد أن يحصل على الشهادة العلمية في أي مجال فإنه من الواجب على الدولة أن توجد له فرصة عمل.
5. عدم التجديد لدى الكثير من الشباب حول إيجاد فرص ذاتية للرزق، ودون الرجوع أو الركون لأحد سواء كان جهات مسؤولة أو أفراد ونحوه.
6. عزوف أصحاب رؤوس الأموال عن الاستثمار، وإيجاد فرص عمل، وسبب هذا الأزمات المالية والاقتصادية التي تعصف بالعالم أجمع.
7. سوء التخطيط أو بالأصح عدم التخطيط، واللامبالاة من قبل أصحاب رؤوس الأموال، والشباب.
8. قلة الخبرات وندرتها في المجتمع.
فهذه بعض أسباب البطالة التي يعاني منها الكثير من الناس.
والبطالة همٌّ يعيشها المجتمع بكل فئاته، ولذا فلو بدأ الحي بعلاج ظاهرة البطالة لاستطعنا أن نقضي عليها ولو بنسبة تبدأ صغيرة ثم تكبر، وعلى أهل الحي أن يحاربوا هذه الظاهرة، ومن الحلول لظاهرة البطالة عند الشباب:
1. الإيمان الصادق بالله – عز وجل -، واللجوء إليه، والدعاء، وصدق التوكل عليه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}5، وهذا مصداق ما جاء عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: ((لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا))6.
2. العمل والسعي، وتنمية الباعث والحافز على العمل؛ بمعنى بذل السبب المشروع.
3. إيجاد فرص عمل للشباب من خلال أصحاب رؤوس الأموال في الحي، والسعي لإنشاء مشاريع صغيرة، وتمويلها، ويكون أساس قيام مثل هذه الأعمال؛ المشاركة، والمرابحة وليس الفائدة، وإنشاء مراكز للتدريب والتطوير الفكري والمهني والحرفي؛ لإكساب الشباب خبرة من أصحاب الخبرة وفي أي مجال أو تخصص.
4. تعويد الناشئة على الاعتماد على النفس، وعدم الركون إلى الغير مما بسبب الاتكالية لديهم، وإشغال أوقاتهم في المفيد.
5. بالنسبة للحي فإن تمويل المشاريع الصغيرة يبدأ بإنشاء صندوق في الحي للتبرع لصالح دعم هذه المشاريع.
6. التركيز على التعليم المهني والحرفي، والعمل على إنشاء الأماكن التي تهتم بمثل هذا التخصص لتتمكن مثل هذه المنشآت من تأهيل الشباب وإعدادهم.
7. إيجاد طرق جديدة لتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل.
8. إبرام اتفاقيات عمل بين ذو الوجاهة من أصحاب الحي من الذين لديهم علاقات مع أصحاب رؤوس الأموال؛ لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الشباب، أو تأهيلهم؛ ليتم إعداد كوادر يتمتعون بالكفاءة العالية، والإنتاج الجيد.
فهذه بعض طرق العلاج لظاهرة البطالة المتفشية في المجتمعات خاصة العربية؛ لأن هذه المجتمعات أصبحت سوقاً سوداء لمنتجات الدول الصناعية والمتقدمة علمياً، وهذا بحد ذاته يعدُّ من الأسباب المهمة في تزايد نسبة البطالة في هذه المجتمعات، وهذه الظاهرة لن يتم القضاء عليها إلا إذا تضافرت الجهود ابتداءً من الدولة بجميع فئاتها، إلى أصحاب رؤوس الأموال، إلى أصحاب الخبرة، إلى كل فئات المجتمع.
نسأل الله – عز وجل – أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يهدينا سواء السبيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.