حلقة تحفيظ لأهل الأشغال

حلقة تحفيظ لأهل الأشغال

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين .. أما بعد:

القرآن الكريم كتاب الله – عز وجل -، أنزله على قلب نبيه – صلى الله عليه وسلم – هداية للناس أجمعين، وسراجاً منيراً يهدي به الله – تعالى – من يشاء إلى سواء السبيل؛ ولهذا كان لا بد أن يكون كل الناس على صلة بهذا الكتاب، كلٌ بحسب استطاعته وقدرته؛ ينهل من معينه، ويغترف من زلاله، حتى يصبح عنده شيء من القرآن الكريم؛ يتغنى  به في خلوته، ويكون سبباً لسلوته، الطبيب في المستشفى له منه نصيب، والمهندس كذلك والتاجر، ومدير الشركة والموظف، وكل شرائح المجتمع.

إن القرآن يخاطب كل الناس ليس فئة دون فئة، ولا أشخاصاً دون آخرين؛ بل خيره يعمُّ الناس جميعاً؛ لأنه يعالج قضايا المجتمع أجمع، فهو يهدي للتي هي أقوم في أمور الدنيا والدين {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}1 جاء في تفسير "أضواء البيان" للشيخ الشنقيطي – رحمه الله تعالى -: "وهذه الآية الكريمة أجمل الله – جلَّ وعلا – فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال؛ لأتينا على جميع القرآن العظيم؛ لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة"2، وجاء في الظلال: "…ويهدي للتي هي أقوم في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله،… وإذا العمل عبادة متى توجه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعاً واستمتاعاً بالحياة،… ويهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض: أفراداً وأزواجاً، وحكوماتٍ وشعوباً، ودولاً وأجناساً،… فيهديهم للتي هي أقوم في نظام الحكم، ونظام المال والاجتماع، ونظام التعامل الدولي اللائق بعالم الإنسان…"3.

وأساس المجتمع الأسرة، وقد اهتم القرآن بها وتكلم عنها من عدة نواحي؛ فقد تكلم مثلاً عن الحقوق المالية فيها {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ…}4، وبيَّن أن القوامة فيها لابد أن تكون للرجل {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء..}5، وبيَّن كيفية التعامل مع الأبوين في حال كانا مسلمين أو غير مسلمين {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}6، ويأتي بقصةٍ يتحدث فيها عن التربية المثالية للأبناء {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ..}7، ولم يهمل القرآن آداب الاستئذان داخل منزل الأسرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}8 … وغير ذلك من الأشياء الكثيرة التي تخص أحكام الأسرة في الإسلام.

واهتم القرآن كذلك بالمجتمع بشكل عام فتراه يأتي بأحكام البيع والشراء، ويحذر الربا {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}9، ويحرم البيع أثناء صلاة الجمعة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}10، وفي أطول آية يذكر الدَّين، وكيفية التعامل به {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ..}11، ليس هذا فحسب بل في القرآن الكريم كل ما يحتاجه المسلم إما بالنص أو بالإشارة إلى العمل بما في السنة {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا..}12، أو يدل على أهل العلم، ويأمر بسؤالهم والأخذ عنهم {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}13.

ومما سبق يتضح لنا أن القرآن مهم لكل فرد من أفراد الأمة، ولابد ألا يحرم منه أحدٌ؛ ولذلك فإنه لا بد أن يوضع برنامج مناسب لحفظ القرآن يناسب كل شخص، ويتوافق مع عمله، ولا يتعارض مع أشغاله؛ مما يجعله يعيش ولو لحظات مع كتاب الله – تعالى -، وليس المقصود بذلك هو تكوين لقاء عادي كما يفعل البعض من اجتماع على التلاوة ثم الانصراف – وإن كان في ذلك خير كبير – لكننا نريد اجتماعاً بشكل منظم ومرتب، وقد نلخص هذا المشروع بنقاط يسهل تطبيقها:

1-             يتم الإعلان عن افتتاح حلقة تحفيظ خاصة بأصحاب المهن، والأشغال والوظائف.

2-             يكون وقت الحلقة مناسباً لجميع المسجلين في الحلقة، والوقت المقترح أن يكون بعد صلاة الفجر.

3-             يمكن أن تكون الحلقة يومية، ويمكن أن تكون ثلاثة أيام في الأسبوع.

4-      يقوم المسجلون في الحلقة بعرض المقطع المراد حفظه على المعلم من خلال القراءة من المصحف مع تصحيح الأخطاء من قبل المعلم.

5-             يتم مراعاة الوقت في هذه الحلقة؛ فلا يستحسن أن يكون طويلاً بل تنتهي بانتهاء المشتركين من التسميع.

6-      يكون في الحلقة شيءٌ من المواعظ السريعة، والتنبيه على الأذكار، وقد يشرح بشكل سريع ذكر معين من أذكار اليوم والليلة.

7-      يتم التساهل مع أفراد هذه الحلقة ما لا يتساهل مع حلقة الصغار، أو بقية طلاب التحفيظ في الأوقات الرسمية، وذلك من حيث اللباس، وكيفية الجلوس، …الخ.

8-             أن يكون في الحلقة شيء من المحفزات؛ كالرحلة السنوية، أو الطلعة الفصلية، والشهرية.

9-      يقوم المشرف على الحلقة بتخصيص بعض الأنشطة لها كالأنشطة الدعوية مثل إلقاء كلمة من بعضهم في المسجد يوم الجمعة، وكذا الأنشطة الثقافية كسؤال يومي أو أسبوعي مع جائزة معدة لمن يجيب، والأنشطة الاجتماعية كالزيارات الأسبوعية أو الشهرية؛ بأن يجتمع المشتركون في بيت أحدهم.

10-        يختار اسم مناسب للحلقة يمثل حالها كاسم (حلقة التحدي)، أو (حلقة التفاؤل)، أو (حلقة أهل القرآن)…إلخ.

11-   يكون هناك شعار مناسب للحلقة مثل (لا يأس مع الحياة)، (القرآن كتاب الأمة)، أو (ولقد يسرنا القرآن للذكر)، أو(الهمة العالية)، أو (من جد وجد)، أو (رتل في الدنيا كي ترتل في الآخرة)…

12-   لا ننسى تكريم المجتهدين والمتفوقين في الحلقة، ويكون التكريم مصغراً في الحلقة، أو بشكل كبير على مستوى المسجد، أو مساجد الحي.

هذا والله أعلم، وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 


1 سورة الإسراء (9).

2 أضواء البيان (3/17).

3 في ظلال القرآن سورة الإسراء آية (9).

4 سورة النساء (11).

5 سورة النساء (34).

6 سورة العنكبوت (8).

7 سورة لقمان (13).

8 سورة النور (58).

9 سورة البقرة (275).

10 سورة الجمعة (9).

11 سورة البقرة (282).

12 سورة الحشر (7).

13 سورة النحل (43).