قصص الأطفال

قصص الأطفال

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

تحتل القصص أهمية كبيرة في تنمية الثقافة، والفهم، وقوة الإدراك، وإشاعة جو القراءة في المجتمع وترغيبها، فالقصة موضوع قائم بذاته، وأسلوب ناجح في التربية، بل من أهمها، ولهذا نجد أن القصة في القرآن الكريم سمة واضحة وبارزة من خلال عرض قصص الأنبياء والسابقين، وليس في موضع واحد، أو بأسلوب واحد، بل في عدة مواضيع، وبأكثر من أسلوب؛ لأن القصة من خلالها يزرع التوجه الذي يراد في عقول المستمعين إليها، ولا يقتصر الغرض من استخدام القصة إجادة اللغة، أو التوجيه الأخلاقي والسلوكي فقط، بل يتجاوز ذلك لحمل المستمع لها على أن يضع القصة بين يديه واقعاً ودافعاً على إكسابه عادة القراءة، وحب المطالعة، وحب الثقافة.

إذاً تبلغ أهمية القصص مبلغاً كبيراً في النفس، وتؤثر تأثيراً مباشراً على العقل ومدى ثقافته من خلال صياغة أفكارها بشكل قصصي جميل ومشوق.

وإن مما يجب أن نركز عليه في هذا الخصوص موضوع القصص الخاصة بالأطفال، فهذه القصص – وإن كانت الفائدة منها كبيرة في تربية الطفل، وتوسيع مداركه العقلية -؛ إلا أن في بعض هذه القصص خطورة كبيرة على الطفل، وعلى شخصيته، وعقيدته، وذلك من خلال القصص التي تنزل في الأسواق لتؤصل مفاهيم غربية انحلالية، وللأسف الشديد لا يُعلم مَصْدَرها، ولا مؤلفيها، وتهدف فيما تهدف إلى مسخ عقيدة الطفل، والتأثير المباشر على أفكاره.

إن هذا الموضوع هو من الأهمية بمكان، بل هو موضوع خطير لا ينبغي التساهل فيه؛ لأن من يقف وراء هذه القصص يضمن من خلالها التأثير الكبير على أبناء المستقبل، والسعي من أجل غرس التوجه اللاأخلاقي في نفوس أطفالنا.

نعم نحن لا نستطيع أن ننكر أنه لا يزال أدب الأطفال (والذي يتمثل في القصص، والبرامج الإعلامية) يمثل ثغرة في إنتاجنا المحلي الذي لم يصل في جملته حتى الآن إلى مرحلة النضج والاستواء، وهي المرحلة التي تحتاج إلى نتاج تراكمي يمتد على مدى سنوات عديدة حتى تكتمل، ولعل أدب الأطفال هو أحد أهم الحقول التي تعاني من نقص الأقلام المبدعة التي تستطيع أن تقدم الأفكار المهمة، إلا أنه ومع هذا التدني الواضح في الأقلام الإبداعية فيما يتعلق بالطفل على المستوى الإعلامي بمختلف أشكاله، وأنواعه؛ إلا أننا نمتلك كماً هائلاً من المواضيع التي تزخر بها كتب أسلافنا من قصص السيرة النبوية العطرة، وقصص الفتوحات الإسلامية، وقصص القرآن الكريم، وغيرها، وهذه القصص كفيلة لأن:

1)  تغرس في نفس الطفل القيم والأخلاق الإسلامية الربانية السامية، والمبادئ النبيلة التي يجب أن يتربى عليها الطفل من منبع إلهي رباني.

2)  تنمي جوانب شخصيتهم الحسية، والعقلية، والروحية، فالطفل يعيش القصة القرآنية، ويتخيل نفس الأحداث التي دارت فيها، فتترسخ في عقله.

3)  تحرره من واقعه وحدوده التي يعيش فيها إلى عالم واسع فسيح، يعيش فيه مع الأنبياء، والصحابة، والقادة مما يؤكد فاعلية القصة في تربية الأطفال، فتجعلهم يحنون إليها، ويستمتعون بها، ويجذبهم ما فيها من أفكار ووقائع وحوادث.

4)  تستثير اهتمامات الطفل بالمعلومات، وتعرفه الصحيح من الخطأ، وتنمي حصيلته اللغوية فتزيد من قدرته في السيطرة على اللغة، وتنمي ثقافته فتربط الماضي والحاضر.

5)    تربط الطفل بأسلافه الأوائل، وتشعره بأنه جزء لا يتجزأ من أمة خالدة عريقة، لها ثوابتها، ومقدساتها، وعقيدتها.

هذه بعض الجوانب التي تحققها القصص القرآنية في نفس الطفل المسلم حين يقرأ عنها، أو يستمع إليها، والله – تبارك وتعالى – قد وصف قصص القرآن بأنه أحسن القصص {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}1، فلماذا لا نُشبع أولادنا بأحسن القصص، ونربيهم عليها؟.

في حين أننا نجد من خلال النظر إلى ما تنشره قصص الأطفال في واقعنا يجد في القصص الكم الهائل من الأمور التي هي ضد مصلحة الطفل، وتحمل في طياتها مفاسد كبيرة لا يتنبه لها الكثير من أولياء الأمور، ومن هذه المفاسد:

1)  أنها تزرع في نفس الطفل الانحلال الأخلاقي من خلال الصور التي في ثنايا تلك القصص، والمحور الذي يقوم عليه تلك القصص.

2)  تزعزع التربية الإسلامية التي يتربى عليها الطفل من خلال ترسيخ مفهوم الاختلاط، وأنه لا بأس أن يتعرف الولد على فتاة، وأن يصاحب الفتى فتيات، ويكونوا أصدقاء.

3)    ترسيخ مفاهيم لا تمت إلى الإسلام بأي صلة كالمفاهيم الغربية، ونحوها؛ لتأصيلها، وغرسها في نفس الطفل.

4)  عدم تنمية الثقافة الفردية للطفل في القصص من خلال أن القصص تعتمد على الخرافة، والتي ليس لها أصل في الواقع، بل بعيدة كل البعد عنها.

5)  السعي لإزالة عقيدة الولاء والبراء من نفس الطفل من خلال القصص التي يذكر فيها شخصيات مسماه بأسماء غربية ونصرانية مثل جورج ونحوه، وهذه بحد ذاتها مفسدة.

هذه بعض المفاسد التي تحصل من القصص التي تنتشر في البلاد المسلمة، والتي تستهدف الأطفال المسلمين ليتربوا على مثل هذه الأفكار التي جاء الإسلام ليحاربها، وهي في نفس الوقت تتلاءم مع السياسة الغربية الاستعمارية، من هنا نَدَعُ لكل رب أسرة أن يعي خطورة هذه القصص التي لا يعرف مصدرها، والتي تهدف إلى زعزعة التربية الإسلامية لدى أطفالنا، وإيجاد بيئة خصبة تتناسب مع الأفكار الغربية، بل وتجعلها هي مهد التطور والحضارة، وغيرها من الأفكار تمثل الرجعية، والتخلف.

نسأل الله – عز وجل – أن يصلح أبناء المسلمين، وأن يعلي راية الدين، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين، ولا مضلين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.


 


1 سورة يوسف (3).