شبهات حول المولد النبوي والرد عليها

شبهات حول المولد النبوي والرد عليها

 

الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وحفظه, وسنَّ الدين وشرعه, وأرسل لنا أفضل البشر, وقيَّض للدين رجال ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين, والصلاة والسلام على خير البشر البشير النذير، والسراج المنير محمد بن عبد الله الصادق الأمين – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن من رحمة الله – تبارك وتعالى – لنا أن أرسل إلينا رسولاً من أنفسنا هو أفضل البشر، فهو سيد ولد آدم، وحامل لواء الحمد، وصاحب الشفاعة يوم القيامة, به أكمل الله الرسالة, وختم الرسل قال الله – تبارك وتعالى -:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}1, وقد بعثه الله بأفضل الكتب وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد, الذي تكفل الله – تبارك وتعالى – بحفظه بخلاف الكتب السابقة؛ فقد حُرِّفت وبُدِّلت قال الله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}2, وقد بيَّن لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – كل شيء, فلم يترك من شيء فيه خير إلا ودلنا عليه وأرشدنا إليه, ولا شر إلا وحذرنا منه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -, جاء عن العرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال: "وعظنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا؟ قال: ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هلك, من يعش منكم فيسرى اختلافاً كثيراً, فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين, عضوا عليها بالنواجذ, وعليكم بالطاعة, وإن عبداً حبشياً, فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد))3, ومع ذلك فقد وجدنا من خرج عن المحجة البيضاء التي هي الكتاب والسنة, وتنكَّب طريقها, واتبع هواه؛ بحجج تافهة, وشبهات ساقطة كسراب بقيعة

حجج تهافت كالزجاج تخالها                 حقاً وكلٌ كاسر مكسور

من أدعياء محبة الله – تبارك وتعالى -، ومحبة نبيه الكريم – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -, فزعموا حبه، وخالفوا هديه، فامتحنهم الله – تبارك وتعالى – بهذه الآية: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }4 قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى -: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله؛ كما ثبت في الصحيح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))5، ولهذا قال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ} أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَبَّ؛ وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زَعَمَ قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية6".

ولا يخفى على كل ذي لبٍّ وعقل ما للصوفية من نشاط في الأزمنة المتأخرة؛ من نشر باطلهم وبِدَعِهِم بين الناس بعد زخرفتها بزخرف القول, ومما رفع عقيرتهم ثناء بعض من ينتسبون للعلم والدعوة في هذه الأمة عليهم, لذا كان لزاماً علينا أن نكشف شبهاتهم حول بدعة المولد التي يخدعون بها عوام المسلمين, فنذكر بعضاً من هذه الشبه ونرد عليها قدر الإمكان، فنقول والله المستعان:

الشبهة الأولى: زعمهم أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس بدعة وإنما هو سنة حسنة, ويستدلون بقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها, وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء؛ ومن سن في الإسلام سنَّة سيئة كان عليه وزرها, ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء))7.

ونرد عليها فنقول: إن السنة الحسنة لا تكون إلا لما له أصل في الدين كالصدقة التي كانت سبباً لورود الحديث, وكقول عمر – رضي الله عنه – عندما جمع الناس لصلاة التراويح فقال: "نَعِمَتِ البدعة" بخلاف البدع؛ فإن كلها مذمومة لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))8, فلفظ "كل" هو من ألفاظ العموم, و"بدعة" نكرة دلت على العموم, فدل على أن جميع البدع ضلالة, ثم قال: "وكل ضلالة في النار" فيشمل جميع أنواع البدع, إذ ليس في الدين بدعة حسنة, ولو كان في الدين بدعة حسنة لأخبرنا بها النبي – صلى الله عليه وسلم – كما أخبرنا بأن جميع البدع ضلالة, فكان سيستثني منها.

الشبهة الثانية: تفسيرهم قول الله – تبارك وتعالى -: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}9, أن الرحمة في هذه الآية هو محمد – صلى الله عليه وسلم -، والرد عليها: أن اذكروا لنا من فسر هذه الآية بهذا التفسير من العلماء الذين يُعتمد عليهم، بل قد قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: "أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا، فإنه أولى ما يفرحون به {هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}10  أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة11", وقال العلامة ابن سعدي – رحمه الله -: "يقول – تعالى – مرغباً للخلق في الإقبال على هذا الكتاب الكريم بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} أي: تعظكم، وتنذركم عن الأعمال الموجبة لسخط الله المقتضية لعقابه، وتحذركم عنها ببيان آثارها ومفاسدها؛ {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} وهو هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد؛ مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة؛ … إلى أن قال: ولذلك أمر – تعالى – بالفرح بذلك فقال: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ} الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومنة، وفضل تفضل الله به على عباده {وَبِرَحْمَتِهِ} الدين والإيمان، وعبادة الله، ومحبته ومعرفته {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} من متاع الدنيا ولذاتها"12, فإذن لم يرد تفسير الرحمة بأنها النبي – صلى الله عليه وسلم – كما زعموا.

الشبهة الثالثة: قولهم أن الاحتفال بالمولد هو إحياء لذكرى النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ وهذا مشروع في الإسلام؛ كما أن الحاج يفعل في جميع المناسك كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم -، فهي إذن إحياء لذكر النبي – صلى الله عليه وسلم -.

وللرد عليها نقول: إن ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – مرفوع في كل زمان قال الله – تبارك وتعالى -: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك}13 قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: " قال مجاهد: لا أُذكَرُ إلا ذُكِرْتَ معي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة, فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله14", ولم ينقل عن أحد من الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم أجمعين – أن واحداً منهم احتفل بمولد النبي – صلى الله عليه وسلم -, وهم من هم في الحب له والاتباع.

الشبهة االرابعة: زعمهم أن شعراء الصحابة كانوا يقولون القصائد في مدح النبي – صلى الله عليه وسلم – كحسان بن ثابت, وكعب بن زهير وغيرهما – رضي الله عنهم -، فكان يرضى بذلك، ويكافئهم عليه.

والرد عليها هو أنه: لم ينقل عنهم أنهم كانوا يلقون القصائد في مدحه في يوم مولده, فنقول لمن فعل ذلك "ثبِّتْ عرشَكَ ثم انْقُش", هات الدليل على صحة ما تقولون, فإنما كانت القصائد التي يلقيها شعراء الصحابة – رضي الله عنهم – في مدحه – صلى الله عليه وسلم – بعيدة كل البعد عن الغلو, بخلاف ما يفعله هؤلاء المبتدعة فإنهم يلقون القصائد في هذا الاحتفال المحدث وفيها الغلو مع وصفه ببعض صفات الرب – تبارك وتعالى -، ويستغيثون به ويدعونه, ويزعمون أنه يحضر في هذا الاحتفال المبتدع – عليهم من الله ما يستحقون -, وهنا نذكر جزءً من هذه القصائد المغالية على سبيل المثال لا الحصر ونقصد "قصيدة البردة" إذ قال فيها:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به              سواك عند حدوث الحادث العمم

إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي             صفحاً وإلا فقــل يا زلة القدم

فإن من جـودك الدنيا وضرتها              ومـن علومك علم اللوح والقلم

وغير ذلك كثير في القصائد التي تلقى في مثل هذا اليوم والتي فيها الكفر – عياذاً بالله تبارك وتعالى -.

الشبهة الخامسة: في الصحيح من حديث ابن عباس – رضي الله عنه – قال: قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك؟ فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيماً له, فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((نحن أولى بموسى منكم فأمر بصومه))15, فقالوا: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية الكبرى التي مضت؛ فإذا جاء الزمان التي وقعت فيه كانت فرصة لتذكرها، وتعظيم يومها؛ ومن ذلك المولد النبوي، فنحن نحتفل به لذلك.

وفي الرد عليها نقول: إن من النعم التي أنعم بها الله – تبارك وتعالى – على موسى – عليه السلام – أن أغرق الله – تبارك وتعالى – فرعون، ونجَّى موسى – عليه السلام -, والنعم تستحق الشكر, وإن النعمة الكبرى في الأمة الإسلامية هي بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – وليس مولده, إذ لم ينقل عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه احتفل بمولده, ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه احتفل بمولد النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولم يشر القرآن ليوم مولده – صلى الله عليه وسلم – وإنما أشار لبعثته على أنها فضل ومنة ونعمة فقال الله – تبارك وتعالى -: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ  فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين}16, وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين}17, فلو كان الاحتفال بذكرى مولده جائز؛ لكان الأولى الاحتفال بذكرى يوم بعثته وليس ذكرى يوم مولده – صلى الله عليه وسلم -؛ وأما صيام النبي – صلى الله عليه وسلم – لهذا اليوم فإنه – عليه الصلاة والسلام – المبلغ عن الله – تبارك وتعالى -، وهو المشرع عن الله – تبارك وتعالى -، وإنما نحن مأمورون بالاتباع لا الابتداع قال الله – تبارك وتعالى -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}18, وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد))19, وقال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))20, فالحديث الأول يشمل كل حدث في الدين, والثاني يشمل كل عمل لم يدل الشرع عليه، ولم ينقل، فهو مردود على صاحبه غير مقبول، ومن ذلك الاحتفال بالمولد.

الشبهة السادسة: حديث أبي قتادة الأنصاري – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سُئِلَ عن صومه؟ قال: فغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر – رضي الله عنه -: "رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، وببيعتنا بيعة", قال: فسئل عن صيام الدهر؟ فقال: لا صام ولا أفطر، أو – ما صام وما أفطر -، قال: فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم؟ قال: ((ومن يطيق ذلك؟))، قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يومين؟ قال: ((ليت أن الله قوانا لذلك))، قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يوم؟ قال: ((ذاك صوم أخي داود – عليه السلام -))، قال: وسئل عن صوم الاثنين؟ قال: ((ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت …. الحديث))21, فخص النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم مولده بصيام.

ورداً عليها نقول: يقال – إن صح أن مولد النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول -؛ لو كان معظماً عنده – صلى الله عليه وسلم – كما يزعم هؤلاء الصوفية لاتخذه عيداً, أو لخصه بشيء من الأعمال دون بقية الأيام, لكنه لم يُنقَل عن النبي – صلى الله عليه وسلم – شيء من ذلك، وقد قال الله – تبارك وتعالى – في محكم التنزيل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}22, والأولى بكم يا من ادعى محبته كذباً وزوراً أن تتبعوه في جميع أعمالكم, فتتبعوه في أمره ونهيه، وفي جميع أفعاله – صلى الله عليه وسلم – وخبره, فإن كان خصه بصيام فكان لكم أن تصوموه وكفى, لكنه كان – عليه الصلاة والسلام – يصوم كل اثنين وخميس, ولم يصم فقط يوم الثاني عشر من ربيع الأول أفلا تعقلون!!!؛ ولم يُنقَل عن الخلفاء الأربعة أو الصحابة أجمعين – رضي الله عنهم أجمعين – فهمكم هذا، وقد قال – عليه الصلاة والسلام -: ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وعليكم بالطاعة، وإن عبداً حبشياً، عضوا عليها بالنواجذ، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد))23 فدل هذا على أنه عمل محدث.

الشبهة السابعة: يقولون نحن قَصَدْنَا الخير, وفي هذا الاحتفال نذكر الله – تبارك وتعالى -، ونسبح، ونذكر النبي – صلى الله عليه وسلم -، ونصلي عليه, فأي إشكال في ذكر الله – تبارك وتعالى -، وفي الصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم -, هذا عمل خير وعبادة لله – تبارك وتعالى -؟

وفي الرد عليها نقول: إن العبادات مبناها على التوقيف, فكل عبادة لم يرد عليها دليل فهي بدعة محدثة, وكل بدعة ضلالة كما تقدم, أما قولكم "نحن قَصَدْنَا الخير" فنقول كما قال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: "وكم من مريد للخير لم يصبه", وإنما الخير كله في الاتباع لا الابتداع, فهل فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – ذلك, أو الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم -، فإن قالوا:نعم قلنا: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين, وإن قالوا: لا, قلنا: أفلا يسعكم ما وسعهم, وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم -, فإن ذكر الله – تبارك وتعالى – عبادة، والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – عبادة, ولكن لا بد لقبول العبادة من شرطين أساسيين هما: الإخلاص والاتباع, فالإخلاص إن وُجِدَ عندكم كما تقولون؛ فقد غاب الشرط الآخر وهو الاتباع، فوقعتم بذلك في الابتداع, وقد سبق حديث عائشة – رضي الله عنها – في أن العمل إذا لم يكن على هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو مردود.

الشبهة الثامنة: يتمسكون بكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حيث قال: "وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى – عليه السلام -، وإما محبة للنبي – صلى الله عليه وسلم – وتعظيماً, والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع؛ من اتخاذ مولد النبي – صلى الله عليه وسلم – عيداً, مع اختلاف الناس في مولده, فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه لو كان خيراً، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف – رضي الله عنهم – أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص24".

والرد عليها هو أن نقول: إن شيخ الإسلام – رحمه الله – قد صرح ببدعية المولد في كلامه السابق, ومعنى قوله: يثيبهم الله على هذه المحبة والاجتهاد أي أنهم يؤجرون على نيتهم في محبة النبي – صلى الله عليه وسلم -، وحسن القصد؛ لا على العمل، فتنبه, ومع ذا حتى لو لم يقل شيخ الإسلام ببدعيته؛ فيبقى أنه ليس معصوماً، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم -, مع أنه – رحمه الله – قد صرح ببدعيته في أماكن متعددة من كتبه، فقد قال – رحمه الله -: "وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال أنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال – عيد الأبرار -؛ فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف، ولم يفعلوها والله – سبحانه وتعالى – أعلم25", وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله -: "المولد لم يرد في الشرع ما يدل على الاحتفال به; لا مولد النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا غيره، فالذي نعلم من الشرع المطهر، وقرره المحققون من أهل العلم؛ أن الاحتفالات بالموالد بدعة لا شك في ذلك؛ لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو أنصح الناس وأعلمهم بشرع الله، والمبلغ عن الله؛ لم يحتفل بمولده – صلى الله عليه وسلم – ولا أصحابه لا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم، فلو كان حقاً وخيراً وسنة لبادروا إليه، ولما تركه النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولعلمه أمته، أو فعله بنفسه، ولفعله أصحابه وخلفاؤه – رضي الله عنهم -، فلما تركوا ذلك علمنا يقيناً أنه ليس من الشرع، وهكذا القرون المفضلة لم تفعل ذلك، فاتضح بذلك أنه بدعة، وقد قال – عليه الصلاة والسلام -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))26, وقال – عليه الصلاة والسلام -: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))27 في أحاديث أخرى تدل على ذلك.

وبهذا يعلم أن الاحتفالات بالمولد النبوي في ربيع الأول أو في غيره، وكذا الاحتفالات بالموالد الأخرى كالبدوي والحسين وغير ذلك; كل ذلك من البدع المنكرة التي يجب على أهل الإسلام تركها، حيث قد عوضهم الله بعيدين عظيمين: عيد الفطر وعيد الأضحى فيهما الكفاية عن إحداث أعياد واحتفالات منكرة مبتدعة.

وليس حب النبي – صلى الله عليه وسلم – بإقامة الموالد، وإنما حبه – صلى الله عليه وسلم – يقتضي اتباعه، والتمسك بشريعته، والذب عنها، والدعوة إليها، والاستقامة عليها، وهذا هو الحب الصادق كما قال الله – عز وجل -: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}28، فحب الله ورسوله يكون بطاعة الله ورسوله، والاستقامة على شريعة الله، وبالجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى سنة الرسول – صلى الله عليه وسلم –29".

وبعد:

فإننا نظن أن قد بَطُلَ احتجاج من يحتج على مشروعية المولد, وتبين أنه بدعة محدثة, نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يبصرنا ديننا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه, وأن يهدينا ويهدي ضال المسلمين إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد بن عبد الله الصادق الأمين وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.


1 سورة الأحزاب (40).

2 سورة الحجر (9).

3 رواه ابن ماجه برقم (43)؛ وأحمد في المسند برقم (17182)، وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (41).

4 سورة آل عمران (31).

5 رواه مسلم برقم (1718).

6 تفسير ابن كثير (1/440).

7 رواه مسلم برقم (1017) من حديث جرير بن عبد الله البجلي – رضي الله عنه -.

8 رواه النسائي برقم (1578) من حديث جابر – رضي الله عنه -؛ والطبراني في المعجم الكبير برقم (8521)؛ وقال الشيخ الألباني: إسنادها صحيح كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في إقامة الدليل على إبطال التحليل من الفتاوى (3/58) انظر خطبة الحاجة للألباني (25).

9 سورة يونس (58).

10 سورة يونس (58).

11 تفسير ابن كثير (2/512).

12 تفسير السعدي (366).

13 سورة الشَّرح (4).

14 تفسير ابن كثير (4/640).

15 رواه مسلم برقم (1130).

16 سورة آل عمران (164).

17 سورة الجمعة (2).

18 سورة الحشر (7).

19 رواه البخاري برقم (2550)؛ ومسلم برقم (1718).

20 رواه مسلم برقم (1718).

21 رواه مسلم برقم (1162).

22 سورة الأحزاب (21).

23 رواه ابن ماجة برقم (43)؛ وأحمد في المسند برقم (17182)، وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح بطرقه وشواهده وهذا إسناد حسن؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (41).

24 اقتضاء الصراط المستقيم (294).

25 الفتاوى الكبرى (4/414).

26 تقدم تخريجه برقم (19).

27 تقدم تخريجه برقم (20).

28 سورة آل عمران (31).

29 بتصرف يسير من فتاوى نور على الدرب لابن باز (1/326-327).