أساليب جديدة في تحفيظ كتاب الله

أساليب جديدة في تحفيظ كتاب الله – تعالى –

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد توالى تعلم وتعليم وحفظ القرآن الكريم عبر العصور، وجيلاً بعد جيل ابتداءً بالنبي  حين علَّمه لأصحابه – رضوان الله عليهم -، وتوالت الأجيال من بعدهم يتسابقون في هذا الفضل إلى وقتنا هذا، وبمختلف الوسائل التي سخَّرها الله – عز وجل – في كل عصر ودهر، وكان هدفها المساعدة على حفظ القرآن الكريم، وإتقان الحفظ، وجعل الإنسان الحافظ يأخذ صفة من صفات النبي  بأن يكون قرآناً يمشي على الأرض.

وما لا شك فيه أن حفظ القرآن الكريم وتعلمه وتعليمه عمل عظيم، فهو عمل الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، وإنا لنعلم أن تعليم القرآن الكريم، وتدريسه؛ يحتاج إلى إبداع مستمر، وأسلوب راق، ومدرس متمكن، وهذا ثابت منذ التحاق من أوحي إليه القرآن  بالرفيق الأعلى إلى يومنا هذا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد كانت طريقة ما يسمى بـ”التلقين والتلقي” هي الوسيلة الوحيدة لتدريس كتاب الله وحفظه، وهذا مما تفرد به القرآن الكريم عن بقية العلوم، فلا يحفظ القرآن إلا بالسماع من أفواه المشايخ، وأهل الاختصاص.

وسيطرت طريقة التلقين والتلقي على حفظ الكتاب الكريم؛ لأن الناس كانوا يتمتعون بفطرة صافية، وسليقة سليمة، ونفوس نقية؛ مما جعل منهم أناساً قادرين على حفظ القرآن الكريم بمجرد السماع والتلقي، أما في هذه الأيام فقد تغيرت أحوال الناس، وفسدت ألسنتهم، وتشعبت فروع العلم فأصبحت الحاجة ملحة – بما اقتضته الظروف التي نعيشها – إلى الإبداع في تعليم القرآن الكريم، والتجديد في الأسلوب في تحفيظ كتاب الله – عز وجل -، وفي الوقت ذاته لابد أن نعلم أن طريقة الحفظ بالتلقي والمشافهة من أفواه المشايخ مباشرة هي الوسيلة الباقية والصحيحة لتعليم كتاب الله – عز وجل -.

وهنا نذكر أساليب جديدة في تحفيظ كتاب الله – عز وجل – اقتضت الظروف والحاجة إحداثها لأنا نتعايش اليوم مع تقدم علمي على مختلف الاتجاهات والأصعدة، وتشعب العلوم، وانتشار وسائل اللهو المختلفة مما أدى إلى انصراف الكثير من شباب المسلمين عن حفظ وتعلم كتاب الله – عز وجل -، فلهذا كله وغيره أصبحنا بحاجة إلى التجديد في وسائل تعليم كتاب الله – تبارك وتعالى -، ومن تلك الوسائل:

أولاً: قبل البدء في الحديث عن أي وسيلة يجب أن نعلم أن الحلقة، والتلقين، والمشافهة؛ هي الأصل الذي يجب أن يسير عليه كل من يريد حفظ القرآن الكريم.

ثانياً: المعلم المتمكن هو أهم وسيلة خاصة المتقن لكتاب الله – عز وجل – حفظاً، وتجويداً، وأداءً، ومعرفة بأحكام القرآن، إذ كيف يعقل أن يوجد مدرس تغيب عنه كل هذه الأمور؛ فإن المدرس يمثل العمود الفقري، والشريان لهذه للحلقة، وأن يعلم أنه في إطار حديث النبي  إذ يقول: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))1.

ثالثاً: من الوسائل المادية الحديثة التي يمكن للمدرس في الحلقة أن يستخدمها داخل الحلقة:

أ‌- الأقراص أو اسطوانات الحاسوب ليستمع الطالب للقراءة، ويكرر ما سمعه، وفائدة هذه الوسيلة شد الذهن لدى الطالب، وجعله يركز أكثر مما لو كان الملقي المدرس؛ لأنه يبعث في نفس الطالب التجديد، والتشويق، وإبعاد الملل عن النفس.

ب‌- الاستفادة من وسائل الإعلام الصوتية والمرئية في إعداد برامج تناسب جميع فئات الحفظ، والعمر.

ت‌- استخدام الهاتف، وتزويده ببرنامج القرآن الكريم للراغب في العرض والتلقين والحفظ، ويقوم عليه أحد الحفاظ.

ث‌- استخدام البروجكت لعرض الآيات، وشرحها.

ج‌- لشرح الأحكام المتعلقة بالآيات يستخدم لوحة نظيفة يكتب عليها القرآن الكريم وأحكامه.

رابعاً: الحوافز التشجيعية، وهذه الحوافز تبعث لدى الطالب النشاط والهمة للتحصيل، وبث روح المنافسة بين الطلبة، ولابد من أن تكون هذه الحوافز ذات قيمة معنوية، وأن تكون منضبطة، ومفيدة للطالب، وأن تشمل جميع الطلاب على مراحل معينة؛ ليسعى الجميع للتحصيل.

خامساً: السعي لتطوير الطلاب من خلال إقامة الدورات، والرحلات إلى أماكن مشابهة، واستضافة بعض الحلقات الأخرى من المساجد الأخرى، وليراعى في هذا اختيار المتميزين، أو إقامة رحلات ترفيهية، وإقامة الدورات التي تتناسب مع المستوى العقلي، والعمري للطلبة.

سادساً: مراجعة الدروس المدرسية لهم، وتقويتهم فيها؛ مما يشجع الطالب على الاستمرار في التحفيظ، وتنفيذ ما يطلب منه، وأيضاً من خلال هذا يستطيع المدرس جلب أكبر عدد ممكن من الطلبة للتحفيظ.

سابعاً: التواصل المباشر مع أولياء الأمور؛ لإطلاعهم على المستوى الذي وصل إليه الطالب، ومن خلال التواصل يستطيع المدرس أن يتلافى القصور الحاصل عند الطالب.

ثامناً: على المدرس أن تكون علاقته بالطالب علاقة الأب بولده، وعليه أن يتابعه داخل الحلقة من خلال متابعة مستواه، وقوة أدائه، وحفظه، وخارج الحلقة من خلال متابعة سلوكه، وإصلاح السلوك الخاطئ لديه، ومتابعته عند أوقات الصلوات، والسؤال عنه في حال غيابه عن فريضة من الفرائض دون جرح مشاعر، أو ضغط نفسي.

تاسعاً: التجديد في طرق التدريس والتعامل؛ لإبعاد الروتين المتكرر في الحلقة، وكل أستاذ له طريقته، وأسلوبه الخاص به.

كل ما ذكر آنفاً من الوسائل التي تعين الطالب على الحفظ، وقوة الأداء، وسرعة المراجعة، وكثرة التحصيل العلمي؛ لا يجب أن تقتصر همة المعلم عليها فقط بل لا بد من أساليب تجديدية أكثر، واختيار الأنسب، إذ كلها تهدف إلى إيصال تعليم كتاب الله – عز وجل – إلى جميع شباب وفتيان المجتمع المسلم ذكوراً وإناثا.

نسأل الله – عز وجل – أن يهدي شباب المسلمين، وأن يمكِّن لدينه، وكتابه، وسنة نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم -، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم، والحمد لله رب العالمين.


1 رواه البخاري (4639).