من بدع المولد

من بدع المولد

من بدع المولد

الحمد لله الذي هدانا للإسلام والسنَّة, الحمد لله الكريم الوهاب, أكمل لنا الشرع, وأرسل إلينا الرسل لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، والصلاة والسلام على خير البشر محمد بن عبد الله الصادق الأمين صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الكرام؛ وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:

فمن الملاحظ المحسوس، والمشاهد الملموس؛ أنه يوجد طائفة من جهلة المسلمين أو العلماء المضلين ممن يحتفل في ربيع الأول من كل سنة بمولد النبي الكريم محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم -؛ منهم من يقيم هذا الاحتفال في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت والأماكن المعدة لذلك؛ ويحضر هذا الاحتفال جموع كثيرة من دهماء الناس وعوامهم, يعملون ذلك تشبهاً بالنصارى الضالين في ابتداعهم الاحتفال بمولد المسيح عيسى – عليه السلام -, والغالب في هذا الاحتفال – فوق كونه بدعة وتشبهاً بالنصارى – أنه لا يخلو من وجود الشركيات والمنكرات كإنشاد القصائد التي فيها غلو وإطراء في حق الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى درجة دعائه من دون اللّه – تبارك وتعالى -, والاستغاثة به، بل إنه يُعطى بعض صفات الربوبية, وقد نهى النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – عن الغلو في مدحه كما جاء في الحديث عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: سمعت عمر – رضي الله عنه – يقول على المنبر: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله))1 قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى – عليه السلام -، وإما محبة للنبي – صلى الله عليه وسلم – وتعظيماً له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبي – صلى الله عليه وسلم – عيداً, مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف – رضي الله عنهم – أحق به منا, فإنهم كانوا أشد محبةً لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتعظيماً له منا, وهم على الخير أحرص, وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره, وإحياء سنته باطناً وظاهراً, ونشر ما بُعث به, والجهاد على ذلك بالقلب, واليد، واللسان؛ فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان2"، وقال الإمام الشاطبي – رحمه الله -: "قال حذيفة – رضي الله عنه -: "كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلا تَعبَّدوها، فإن الأول لم يَدَع للآخِرِ مقالاً، فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا بطريق من كان قبلكم3".

وإن من البدع التي تقع في مناسبة المولد المحدث ما يلي:

1.  الغلو في مدح النبي – صلى الله عليه وسلم -: فإن المتأمل في هذا الاحتفال المبتدع يجدُ الصوفية يُنشِدُون الأبيات التي فيها غلو في مدح النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في أبيات قصيدة البردة حيث يقول فيها البوصيري:

إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقض              مـن النبي ولا حبلي بمنصرم

فإن لي ذمةً منه بتسميـــتي               محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم

إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي            فـضــلاً فقل يا زلة القدم

يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به             سواك عند حلول الحادث العَمِمِ

2.  دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم -: فالدعاء من العبادات التي يتقرب بها إلى الله رب العالمين، ولا يجوز صرفها لأحد من الناس قال الله – تبارك وتعالى -: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}4, فظهر بهذا أن دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – يعتبر من الشرك – عياذاً بالله تبارك وتعالى -, فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن أن يملك لغيره ولو كان من أقرب الناس إليه فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين أنزل الله – عز وجل -: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}5 فقال: ((يا معشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً))6.

3.  زعمهم أنه – عليه الصلاة والسلام – يحضر جلستهم المحدثة: وهذا من إساءة الأدب إلى النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -, وفيه مخالفة ظاهرة للقرآن والسنة, إذ فيهما أنه قد مات, ومعلوم أن من مات لا يرجع أبداً إلى الحياة الدنيا وإنما يعود يوم القيامة؛ وفيه إساءة؛ إذ كيف يحضر مجلس دُقَّت فيه الطبول, وأنشدوا فيه القصائد الشركية, واستغاثوا به – عليه الصلاة والسلام -, فيرى الشر – بزعمهم الباطل – ولا يُنكِرُ عليهم – فقبح الله هذه الأفهام -؛ وقد سُئلت اللجنة الدائمة: "ما حكم اجتماع الناس للمولد مع زعمهم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يحضر مجالسهم؟ وهل هذا الاجتماع يصح شرعاً، وماذا ينبغي لنا أن نفعل في يوم مولد النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومتى ولد، من أي يوم، وأي شهر، وأي سنة، وهل النبي – صلى الله عليه وسلم – حي في قبره الآن أم لا؟

فأجابت: اجتماع الناس لإحياء ليلة المولد وقراءة قصته ليس مشروعاً بل هو بدعة محدثة، وزعمهم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – يحضر مجالسهم كذب، والنبي – صلى الله عليه وسلم – حي في قبره حياة برزخية, يتمتع فيها بنعيم الجنة؛ وليست كحياته في الدنيا, فإنه قد توفي وغُسِّل وكُفِّن, وصُلِّيَ عليه صلاة الجنازة، ودُفِنَ كغيره، وهو أول من يُبعَثُ من قبره يوم القيامة، وقد قال الله – تعالى – مخاطباً إياه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}7, وقال سبحانه: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}8، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم9.

إن شأن المولد إذا تأمل فيه الإنسان خالي الذهن، غير مائلٍ لطرف من آراء الناس؛ ثم تأمل في أدلة كمال الشريعة الإسلامية؛ عَلِمَ أنه – أي المولد – شرٌ قُصِدَ به خيرٍ – إن أحسنا بهم الظن وهذا بعيد إلا على العوام منهم -, فإنه ليس عليه دليل، والنبي الكريم – صلى الله عليه وسلم – يقول كما في حديث عائشة – رضي الله عنها -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد))10, فإحداث هذا الاحتفال بحدِّ ذاته حَدَثٌ في الدين، وبدعة، والله – تبارك وتعالى – لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً موافقاً لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم -, وإن محبة الرسول – صلى الله عليه وسلم – عقيدة راسخة في قلوب المؤمنين، ثمرتها الاقتداء، والبذل، والعطاء، والتضحية، والجهاد في سبيل نصرة دينه، وإعلاء لوائه، وحماية سنته، وليس بين محبِّي الرسول – صلى الله عليه وسلم – مكان للعجزة النائحين الثكالى.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يرزقنا حسن الإتباع، وحسن العمل, وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يردهم إلى دينه رداً جميلاً، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.


 


1 رواه البخاري برقم (3261).

2 اقتضاء الصراط (294-295) تحقيق: محمد حامد الفقي.

3 كتاب الاعتصام للشاطبي (418).

4 سورة غافر (60).

5 سورة الشعراء (214).

6 رواه البخاري برقم (2602).

7 سورة الزمر (30-31).

8 سورة المؤمنون (15-16).

9 فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الأولى (3/34 -35).

10 رواه البخاري برقم (2550)؛ ومسلم برقم (1718).