من خرافات أهل البدع في شهر صفر

من خرافات أهل البدع في شهر صفر

 

الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وفاطر السماوات والأرضين، وديان يوم الدين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

عباد الله: لقد أراد  الله – عز وجل – أن يكون دين الإسلام آخر الرسالات السماوية إلى الأرض، وأن يكون محمد – صلى الله عليه وسلم – خاتم الأنبياء والمرسلين، فلا دين بعد دينه القويم، ولا نبي بعد نبيه الكريم عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مثلى ومثل الأنبياء كمثل رجل بنى داراً فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها، ويقولون: لولا موضع اللبنة)) قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((فأنا موضع اللبنة، جئت فختمت الأنبياء))1.

ثم أمر الله نبيه – صلى الله عليه وسلم – بتبليغ ذلك الدين العالمي الشامل الكامل الرباني الإلهي: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}2 فبلّغ محمد – صلى الله عليه وسلم – الرسالة بلاغاً مبيناً لا خفاء فيه، ولا غموض، ولا مداهنة، ولا ميول، حتى أشهد على ذلك مائة ألف أو يزيدون في حجة الوداع قائلاً: ((ألا هل بلغت؟)) قالوا: نعم. قال: ((اللهم اشهد))3، وفي رواية أنه قال: ((اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟))4، ثم نزلت شهادة الله – عز وجل – على ذلك في قوله – تعالى -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}5، ومضى الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم – يقتفون أثر نبيهم – صلى الله عليه وسلم -، ويبلغون دينه، وينشرون شرعه، ويأطرون الناس على الحق أطراً، فيأمرون باتباع الأثر، والحذر من ابتداع ما لم يرد به الخبر قائلين لهم: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم"، ويقولون: "كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة"6، واستمروا على ذلك يدفعون البدع التي كانت قد ظهرت على قلتها، وهكذا جاء من بعدهم من "أهل العلم والدين ينفون عنه (أي الدين) تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ لتدوم بهم النعمة على الأمة، ويظهر بهم النور من الظلمة، ويحيا بهم دين الله الذي بعث به رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وبيَّن الله بهم للناس سبيله، فأفضل الخلق أتبعهم لهذا النبي الكريم المنعوت في قوله – تعالى -: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}"7، لكن شوكة أهل البدع بدأت تقوى، وصوتهم بدأ يدوي، وكلما أحدثوا بدعة نسوا سنة نبوية؛ {جَزَاء وِفَاقًا}8" كما قال حسان9: "ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة"10.

ولقد ابتدع هؤلاء في غالب أبواب الدين، وكان مما ابتدعوه في دين الله وشرعه:

التشاؤم من بعض هذه الأشهر التي خلقها الله – تعالى -، والتطيُّر بها، واعتقاد أنها تجيء بالشر، من ذلك قولهم في هذا الشهر (شهر صفر) أنه "معروف بالنّحوسة"، ثم ينسجون ويختلقون لذلك الأحاديث المكذوبة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومن تلك الأحاديث التي كذبوها ونبه عليها العلماء ما يلي:

       حديث "من بشرني بخروج صفر بشرته بالجنة"!!11

   وكذلك حديث : "يكون صوت في صفر، ثم تتنازع القبائل في شهر ربيع، ثم العجب العجاب بين جمادي ورجب"12، وتراهم من أجل "ذلك يعمدون إلى أدعية اخترعوها، وتوسلات ابتدعوها؛ لم يشرعها الله – عز وجل -، ولم يستعملها رسوله المصطفى – صلى الله عليه وسلم -، ولم تنقل عن سلف هذه الأمة من أصحاب القرون الثلاثة الفاضلة، وأقل ما يقال فيها: إنها مختلف فيها، فما أجدرهم بقوله – تبارك وتعالى -: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير}13"14، ويقولون محتجين لذلك: "اعلم أن هذا الشّهر معروف بالنّحوسة، ولا شيء أجدى لرَفع النّحوسة من الصّدقة والأدعية، والاستعاذات المأثورة!! ومن أراد أن يصان ممّا ينزل في هذا الشّهر من البلاء فليقل كل يوم عشر مرّات: "يا شديد القوى، ويا شديد المحال، يا عزيز يا عزيز يا عزيز، ذلت بعظمتك جميع خلقك، فاكفني شر خلقك، يا محسن يا مُجمِل يا مُنعِم يا مُفضِل، يا لا إلـه إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وذلك نُنجِى المُؤمنين، وصلى اللهُ عَلى محمد وآله الطيبين الطاهرين"!!15.

وهكذا يخصصون لكل يوم من أيام هذا الشهر أدعية وصلوات وأذكاراً ما أنزل الله بها من سلطان، ثم يجعلون لآخر أربعاء من هذا الشهر عبادات أخرى، وصلوات عجيبة، من ذلك قولهم في أعمال آخر أربعاء من هذا الشهر: "صلاة أخرى وهي أربع ركعات بسلام واحد، تقرأ بعد الحمد الكوثر 17 مرة؛ والتوحيد 5 مرات، والمعوذتين مرة مرة، فإذا سلمت أدع بهذا الدعاء وهو: "اللهم يا شديد القوى، يا شديد المحال، يا عزيز، ذلت لعزتك جميع خلقك، فاكفني شر جميع خلقك، يا محسن يا مجمل يا متفضل يا متكرم، يا كافي يا وافي، يا حفيظ؛ يا من بيده مقادير كل شيء؛ إليك ألجأ، وبك ألوذ، وعليك أتوكل، فاحرسني بحراس حفظك، وحل بيني وبين من ناوأني، أدرأ بك في نحره، وأعوذ بك من شره، فاكفني يا رب بلا اله إلا أنت برحمتك يا أرحم الراحمين، وصل اللهم على محمد وآله الطاهرين"!، إلى آخر تلك المحدثات في دين الله وشرعه، والله – تعالى – قد قال: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}16 "قال العلماء: من لم يكن متبعاً سبيلهم كان متبعاً غير سبيلهم"17، فلا بد للمسلم أن يعرف دينه، ويتعلم شرع ربه كما هو في كتاب الله، وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، فقد أكمل الله دينه وأتمه، ولم يبق إلا أن نتعلم ذلك وندرسه، ونحفظه ونعمل به، ونحذر من كل زيادة فيه أو نقص منه، متذكرين دائماً وأبداً قول الحق سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}18، ولقد "كان الإمام مالك – رحمه الله تعالى – يقول: "من أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خان الدين، لأن الله – تعالى – يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فما لم يكن يومئذ دينًا، لا يكون اليوم دينًا"، وكان يقول: "السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"19.

والحمد لله رب العالمين


1 رواه مسلم برقم (6103).

2 سورة المائدة (67).

3 رواه البخاري برقم (1654)، ومسلم برقم (4480).

4 رواه مسلم برقم (7432).

5 سورة المائدة (3).

6 طبقات الحنابلة (ج1/ص68)، المقولة الأولى لابن مسعود – رضي الله عنه -، والثانية لابن عمر – رضي الله عنهما -.

7 مجموع الفتاوى (ج1/ص3) من كلام الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -.

8 سورة النبأ (26).

9 التابعي الجليل حسان بن عطية المحاربي – رحمه الله تعالى -.

10 رواه الدارمي في سننه برقم (98)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم ( 188).

11 قال العجلوني في كشف الخفاء (ج2/ص236): قال القاري في الموضوعات تبعاً للصغاني: لا أصل له.

12 ذكره السُّيوطي في كتابه اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة (ج2/ص322).

13 سورة البقرة (61).

14 التوسل  للألباني (ج1/ص46).

15 لا يوجد في كتاب من كتب الأحاديث المعتمدة.

16 سورة النساء (115).

17 مجموع الفتاوى (ج7/ص173).

18 سورة المائدة (3).

19 سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – للصلابي (ج1/ص387).