الزواج والختان في شهر صفر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
الزواج:
حث الإسلام على الزواج، ورغب فيه، وجعل الزواج آية من آيات الله في الكون، فقال ممتناً على الأمة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}1، ومعنى الآية – والله أعلم -: "{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} أي: خلق لكم من جنسكم إناثا يَكُنَّ لكم أزواجا، {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} كما قال – تعالى -: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}2 يعني بذلك حواء خلقها الله من آدم من ضِلَعه الأقصر الأيسر، ولو أنه جعل بني آدم كلهم ذكوراً، وجعل إناثهم من جنس آخر من غيرهم إما من جان أو حيوان؛ لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نَفْرَة لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة، ورحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها، أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، وغير ذلك {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }"3.
وذَكر أن الزواج من سنن الأنبياء والمرسلين فقال الله في كتابه الكريم: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً}4، بل نجد الشرع الحنيف قد أمر بالزواج، وحث عليه؛ جاء ذلك صريحاً في حديث عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود – رضي الله عنه – قال: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – شَبَاباً لَا نَجِدُ شَيْئاً، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ))5، وردَّ النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وقال الصحابة: "وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا"6.
والزواج باب للخيرات، ومدخل للمكاسب العديدة للفرد والمجتمع؛ لذلك فإن من يشرع في الزواج طاعة لله، واقتداءً بالنبي – صلى الله عليه وسلم – يدخل في قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف))7، ومن خلال هذا يصبح الزواج في الإسلام عبادة خالصة لله يُثاب المقبل عليها، وقد بنى الشارع الحكيم على هذا الزواج المصالح الدينية والدنيوية، ومن المصالح التي توجد في الزواج:
1. أن الزواج طريق شرعي لاستمتاع كل من الزوجين بالآخر، وإشباع الغريزة الجنسية، بصورة يرضاها الله – عز وجل – ورسوله – صلى الله عليه وآله وسلم -.
2. والزواج يوفر للمسلم أسباب العفاف، ويعينه على البعد عن الفاحشة، ويصونه من وساوس الشيطان.
3. وهو وسيلة لحفظ النسل، وبقاء الجنس البشرى، واستمرار الوجود الإنساني، وحفظ الأعراض قال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء}.8
4. وكذا مطلب شرعي يحفظ الأنساب من أن تختلط، والحرمات من أن تنتهك، والنفس من أن تفسد، والمجتمع من أن تغيب منه الفضيلة، والقيم، والأخلاق الحسنة، وتحل محله الرذيلة، والانحطاط الأخلاقي، ولهذا نجد الشارع الحكيم أمر كل فرد أن يحفظ فرجه فقال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}9.
فهذه بعض الثمرات التي تحصل من الزواج على الوجه الشرعي.
وقد حرص الإسلام على أن ينال كل رجل وامرأة نصيباً من تلك الفوائد، لهذا رغب في الزواج وحث عليه، وجعل من أسباب الفساد في الأرض تأخير الزواج للفتاة من قبل ولي أمرها فعَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ))10.
لكن يوجد اعتقاد لدى بعض العوام أن الزواج في شهر صفر حرام، وهذا الاعتقاد لا شك أنه أقرب إلى الخرافة والبدعة، إذ لا أصل له في الشرع الإسلامي، حيث الزواج مطلب شرعي، ومن يتزوج فقد أحرز شطر دينه، فكيف يحرمه الله – عز وجل – ورسوله – صلى الله عليه وآله وسلم – في يوم من الأيام، أو في شهر من الشهور؛ مع العلم أن الشهور كلها لله – تبارك وتعالى -، وقد كان في شهر صفر زواج السيدة خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها – من النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – عقب خمسة وعشرين يوماً من صفر"11، ووقع زواج علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – من السيدة فاطمة – رضي الله عنها – في صفر كما قال ابن كثير: "وأما فاطمة – رضي الله عنها – فتزوجها ابن عمها علي بن أبى طالب – رضي الله عنه – في صفر سنة اثنتين، فولدت له الحسن والحسين، ويقال ومحسن، وولدت له أم كلثوم وزينب"12.
فلماذا لم يتشاءم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بهذا الشهر، ويمتنع عن الزواج، ويؤخر زواج علي بابنته فاطمة – رضي الله عنهما -.
فإذن لا صحة لمن يحرِّم الزواج أو يكرهه في صفر، ولا دليل أيضاً يبنى عليه هذا الزعم الباطل الذي لا يستند إلى دليل شرعي، فهذا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – تزوج، وزوج ابنته؛ في شهر صفر، وينبغي أن نعلم أن هذه عادة باطلة جاهلية ينبغي أن تزال من المجتمع المسلم، ولا ينبغي للمسلم المؤمن بالله حق الإيمان التشاؤم بأي يوم من الأيام، ولا بأي شهر من الأشهر، لا في شوال، ولا في المحرّم، ولا في صفر، ولا في غير ذلك؛ حيث لم يرد نصٌّ شرعي يمنع الزواج في أي وقت من الأوقات إلا للحاج أو المعتمر فقط.
الختان:
الإسلام دين النظافة والجمال، اعتنى بالطهارة، وحث على النظافة، وجاءت النصوص الكثيرة في القرآن الكريم والسنة المطهرة عن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – لتحث على النظافة، وكمال الطهارة، وهناك خصال خصَّها الإسلام، وحثَّ عليها؛ لأنَّها متضمنة لكمال النزاهة والطهارة، وجمال المنظر، وسماها بـ"خصال الفطرة" والتي ورد ذكرها فيما جاء عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ))13، وفي رواية أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ))14، فهذه الخصال كلها راجعة إلى النظافة والجمال، إذ الفطرة هي "الخلقة التي فطر الله عباده عليه15"، وقيل: "الفطرة هي الفطرة المستقيمة"16، وقيل: هي الدين.
وفي الحديثين السابقين ذكر النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – خصال الفطرة، وعلى الصحيح أن العدد لا مفهوم له، فلا تنحصر الخصال في هذه العشر لذا قال: عشر من الفطرة أي عشر خصال من الفطرة وعدَّها، وفي الرواية الثانية ذكر خمس، "وَذَكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ أَنَّ خِصَال الْفِطْرَة تَبْلُغ ثَلَاثِينَ خَصْلَة، فَإِذَا أَرَادَ خُصُوص مَا وَرَدَ لَفْظ الْفِطْرَة فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَنْحَصِر فِي الثَّلَاثِينَ بَلْ تَزِيد كَثِيراً" 17، فإذاً "لَيْسَ الْمُرَاد الْحَصْر فَقَدْ جَاءَ عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَة، فَالْحَدِيث مِنْ أَدِلَّة أَنَّ مَفْهُوم الْعَدَد غَيْر مُعْتَبَر"18.
وكل ما يحافظ على المظهر الجميل، والنظافة؛ يعدُّ من خصال الفطرة التي حث عليها الإسلام، ودعا إليها الشرع؛ لأن النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: ((إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ))19.
إنَّ هذه الخصال المذكورة هي عنوان النظافة والطهارة، وجمال المظهر، وتتعلق بها مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع منها: تحسين الهيئة، وتنظيفُ البدن جملةً وتفصيلاً، ومخالفةِ الكفار، وامتثال أمر الشارع.
وسنتحدث حول خصلة من هذه الخصال ألا وهي الختان، فالختان من الخصال التي حددها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أنها من خصال الفطرة كما سبق في الحديث السابق، ومعنى الختان هو أخذ القلفة أو الجلدة التي تكون على رأس القضيب، وهو من أهم أسباب وقاية الأطفال من التهاب المجاري البولية، إذ بقاء هذه الجلدة تتسبب في ضرر على الطفل، "والختان أيضاً يقي بإذن الله من الإصابة بسرطان القضيب، حيث يؤكد الدكتور روبسون في مقال له: أن هناك أكثر من 60 ألف شخص أصيب بسرطان القضيب في أمريكا منذ عام 1930م، ومن العجيب أن عشرة أشخاص فقط من هؤلاء كانوا مختونين"20.
والختان مما يطالب به اليوم المتخصصون في مجال الطب؛ لاكتشافهم أن في الختان وقاية للإنسان من الإيدز، فقد "طالبت منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز بإدراج ختان الرجال ضمن استراتيجيات الوقاية من مرض نقل فيروس الإيدز، يأتي ذلك بعد أن أظهرت دراسات طبية أن ختان الرجال يخفض احتمال نقل فيروس الإيدز من المرأة إلى الرجل، وأظهرت ثلاث دراسات أجريت في أفريقيا (كينيا، وأوغندا، وجنوب أفريقيا) أن الختان يؤدي إلى خفض احتمال الإصابة بفيروس الإيدز بالنصف على الأقل (60%)"21، والحق ما شهدت به الأعداء.
فهذه بعض فوائد الختان من وجهة نظر طبية حديثة، ولا يزال العلم الحديث يكتشف دلالات وأسرار النصوص النبوية التي جاء بها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -.
والإسلام حينما حثَّ على الختان، وأمر به؛ فإنما شرعه لما فيه من فوائد نعلمها وأخرى لا نعلمها، شرعية أو صحية، وكذا لما له من آثار وقائية كبيرة، فها هو يحثُّ على ضرورة الإسراع في ختان الصبي، وينهى عن تأخيره بشدة، ويُصرَّح بأن في تأخيره ضرراً على الفرد والمجتمع والبيئة، وأن الختان ينتج منه الطهارة والنظافة، وجاءت دعوة الإسلام إلى الختان متوافقة مع الحنيفية ملة إبراهيم – عليه السلام – فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ – عَلَيْهِ السَّلَام – وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُّومِ))22.
حكمة الختان:
"الختان من محاسن الشرائع التي شرعها الله سبحانه لعباده، ليجمِّل بها محاسنهم الظاهرة والباطنة، فهو مكمل للفطرة التي فطرهم عليها، هذا مع ما في الختان من الطهارة والنظافة، والتزيين وتحسين الخلقة، وتعديل الشهوة التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات، وإن عدمت بالكلية ألحقته بالجمادات، فالختان يعدلها، ولهذا تجد الأقلف من الرجال والقلفاء من النساء لا يشبع من الجماع"23.
ومع كل هذه الفوائد الدينية والطبية التي سبق الحديث عنها؛ إلا أنا نجد أن في أوساط المسلمين من يتشاءم من أن يختن ابنه في شهر صفر، ويتجنبه، غير مبالين بخطورة ما يقعون فيه من المحذور الشرعي أي التشاؤم، فقد نهى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عن التشاؤم بشهر صفر كما جاء عن أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ))24 فأبطل – صلى الله عليه وسلم – بهذا الحديث كل اعتقاد كان يعتقده أهل الجاهلية من الاعتقادات الباطلة التي تؤثر في إيمان العبد، وتوكله على الله – عز وجل -، وتضعف حسن الظن بالله – عز وجل -، وفي هذا الحديث يأتي إبطال قضية التشاؤم في شهر صفر، وأنه ليس من الدين في شيء، وأن شهر صفر شهر من الأشهر التي عدَّها الله – عز وجل -، وأيامه من أيام الله – تبارك وتعالى -، فليس فيها ما يدَّعيه بعض الجهلة بالدين؛ من الذين لبَّست عليهم الشياطين.
وعقيدة التشاؤم عقيدة جاهلية أبطلها الإسلام، وقضى عليها؛ لأن التشاؤم من الزمان، أو المكان؛ غير جائز في الدين الإسلامي، وهذا مما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، إذ جاء في نص الفتوى: "الختان من سنن الفطرة لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في الصحيحين أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ))25، وما ذكر من عدم التزوج، أو الختان ونحو ذلك في شهر صفر نوع من التشاؤم من هذا الشهر، والتشاؤم من الشهور أو الأيام أو الطيور ونحوها من الحيوانات لا يجوز؛ لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ))26، والتشاؤم بشهر صفر من جنس الطيرة المنهي عنها، وهو من عمل الجاهلية، وقد أبطله الإسلام، وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"27.
وعليه فإن الزواج والختان هما من الأمور المطلوبة شرعاً، وهي جائزة في أي وقت من أوقات العام، إلا في حق الحاج أو المعتمر، ومن يحرم أو يكره الزواج أو الختان في أي وقت فقوله مردود، ورأيه خاطئ قد جانب الصواب في قوله، وابتعد عن الجادة في رأيه، ولا دليل شرعي يدعم ما ذهب إليه، وعليه أن يتقي الله – عز وجل – في هذا، وأن يلتزم بما ثبت عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – من الأقوال والأفعال، وألا يبتدع في الدين ما ليس منه؛ لأن الدين مُكمَّل من الله ليس بناقص {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}28، ولن يكون أعلم من الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا من أصحابه الكرام – رضوان الله عليهم أجمعين -.
نسأل الله – عز وجل – أن يوفقنا إلى كل خير، ويبعدنا عن كل شر، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
1 سورة الروم (21).
2 سورة الأعراف (189).
3 تفسير ابن كثير (6/309).
4 سورة الرعد (38).
5 البخاري (4678)، ومسلم (2486).
6 البخاري (4685)، ومسلم (2488).
7 الترمذي(1579)، حسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي(4/155).
8 سورة النساء (1).
9 سورة المؤمنون (5-6).
10 الترمذي (1005)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (3/85).
11 سبل الهدى والرشاد (2/165).
12 السيرة النبوية لابن كثير (4/611).
13 مسلم (234).
14 البخاري (5439)، ومسلم (377).
15 بيان تلبيس الجهمية (1/373).
16 حاشية ابن القيم (12/318).
17 فتح الباري لابن حجر (16/479).
18 شرح سنن النسائي (1/11).
19 مسلم (131).
22 البخاري (3107)، ومسلم (4368).
23 تحفة المودود بأحكام المولود (1/185-186) بتصرف.
24 البخاري (5316)، ومسلم (4116).
25 البخاري (5439)، ومسلم (377).
26 البخاري (5316)، ومسلم (4116).
27 فتاوى اللجنة الدائمة (1-4) بتصرف.
28 سورة المائدة (3).