حكم قول القائل عند الإقامة: أقامها الله وأدامها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
من المعروف أنه لا فرق بين الأذان والإقامة من حيث التسمية لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ))1، والإقامة تعد نداء، وتعد أذاناً كما في الحديث الذي أخرجه البخاري – رحمه الله – وغيره من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيّ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: ((بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ – ثَلَاثاً – لِمَنْ شَاءَ))2.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: "يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون أُطْلِقَ عَلَى الْإِقَامَة أَذَانٌ لِأَنَّهَا إِعْلَام بِحُضُورِ فِعْلِ الصَّلَاة، كَمَا أَنَّ الْأَذَان إِعْلَام بِدُخُولِ الْوَقْت"3، وقال ابن رجب – رحمه الله -: "وقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن" يدخل فيه الأذان والإقامة؛ لأن كلاً منهما نداء إلى الصلاة صدر من المؤذن))4.
لذلك فإن متابعة المؤذن في الإقامة عمل مشروع، وعلى هذا جماهير أهل العلم، لكن هل يشرع أن نقول: أقامها الله وأدامها عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة؟
قال بمشروعية هذا القول علماء الأحناف: قال في رد المحتار: "وَيُجِيبُ الْإِقَامَةَ نَدْباً إجماعاً كالأذان، وَيَقُولُ عِنْدَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا"5، وعلماء المذهب الشافعي قال الإمام النووي – رحمه الله -: "ويستحب أن يتابعه في ألفاظ الإقامة، إلا أنه يقول في كلمة الإقامة: أقامها الله وأدامها، هكذا قطع به الأصحاب إلا الغزالي فحكي في البسيط عن صاحب التقريب وجهاً أنه لا يستحب متابعته إلا في كلمة الإقامة، وهذا شاذ ضعيف"6، وقال في موضع آخر: "يستحب أن يقول من سمع المؤذن والمقيم مثل قوله، إلا في قوله: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإنه يقول في كل لفظة: لا حول ولا قوة إلا بالله، … ويقول في كلمتي الإقامة: أقامها الله وأدامها"7.
وذهب إلى هذا القول أيضاً علماء المذهب الحنبلي8 واستدلوا بحديث رواه أبو داود – رحمه الله – في سننه قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَنَّ بِلالاً أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ فَلَمَّا أَنْ قَالَ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا، وقَالَ فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – فِي الْأَذَانِ)).9، وقد ضعف هذا الحديث كلاً من: الضياء المقدسي قال: في إسناده رجل لم يسم10، والإمام النووي قال: إسناده ضعيف جد11، والإمام ابن كثير قال فيه: ليس بثابت12، والإمام ابن رجب قال: في هذا الإسناد ضعف13، والحافظ ابن حجر14 قال فيه: فيه راو مجهول15، والإمام الشوكاني قال فيه: في إسناده شهر بن حوشب وفيه مقال معروف 16، والإمام الألباني قال: إسناده ضعيف17، وقال – رحمه الله-: "قال – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول)) تخصيصه بمثل هذا الحديث لا يجوز لأنه حديث واه، وقد ضعفه النووي والعسقلاني وغيرهم، ولا يغتر بقول صاحب "التاج الجامع للأصول" : "سنده صالح"، وبهذه المناسبة أقول: إن كتاب "التاج" هذا ملئ جداً بالأخطاء العلمية…18"، وقال في موضع آخر: "اشتهر بين كثير من أهل العلم وطلابه أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في فضائل الأعمال، ويظنون أنه لا خلاف في ذلك كيف لا والنووي – رحمه الله – نقل الاتفاق عليه في أكثر من كتاب واحد من كتبه؟ وفيما نقله نظر بيِّن لأن الخلاف في ذلك معروف، فإن بعض العلماء المحققين على أنه لا يعمل به مطلقاً لا في الأحكام ولا في الفضائل قال الشيخ القاسمي – رحمه الله -: حكاه ابن سيد الناس في عيون الأثر عن يحيى بن معين، ونسبه في فتح المغيث لأبي بكر بن العربي، والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضاً … وهو مذهب ابن حزم.19
وهذا هو الحق الذي لا شك فيه عندي لأمور: الأول: أن الحديث الضعيف إنما يفيد الظن المرجوح ولا يجوز العمل به اتفاقاً، فمن أخرج من ذلك العمل بالحديث الضيف في الفضائل لابد أن يأتي بدليل وهيهات. الثاني: أنني أفهم من قولهم: في فضائل الأعمال أي الأعمال التي ثبتت مشروعيتها بما تقوم الحجة به شرعاً، ويكون معه حديث ضعيف يسمى أجراً خاصاً لمن عمل به، ففي مثل هذا يعمل به في فضائل الأعمال لأنه ليس فيه تشريع ذلك العمل به، وإنما فيه بيان فضل خاص يرجى أن يناله العامل به، وعلى هذا فالعمل به جائز إن ثبت مشروعية العمل الذي فيه بغيره مما تقوم به الحجة، ولكني أعتقد أن جمهور القائلين بهذا القول لا يريدون منه هذا المعنى مع وضوحه لأننا نراهم يعملون بأحاديث ضعيفة لم يثبت ما تضمنته من العمل في غيره من الأحاديث الثابتة مثل استحباب النووي إجابة المقيم في كلمتي الإقامة بقوله: أقامها الله وأدامها مع أن الحديث الوارد في ذلك ضعيف)20.
وأخيراً: اعلم أخي القارئ أن الاستحباب حكم شرعي، والأحكام الشرعية من واجبات ومندوبات ومحرمات ومكروهات لا تقوم إلا على أدلة صحيحة، فلا يمكن إثبات حكم بدون دليل محفوظ، والأصل في العبادات التوقيف، وألا يعبد الله إلا بما شرع، قال العلامة ابن عثيمن: "الذين يقولون أقامها الله وأدامها يستندون إلى حديثٍ ضعيف، لأن أحد رواته مجهول، وفيه أيضاً شهر بن حوشب، والكلام فيه معروف، وعليه يكون في هذا القول نظر لأنه مبنيٌ على هذا الحديث الضعيف، والضعيف كما هو معلوم عند أهل العلم لا يحتج به لإثبات حكمٍ شرعي"21.
فالأولى ترك هذه اللفظة لاسيما والحديث ضعيف، وقد أفتت بالمنع اللجنة الدائمة للإفتاء22.
والله تبارك وتعالى أعلم بالصواب.
1– صحيح مسلم (1/288).
2– صحيح البخاري (1/225).
3– فتح الباري (2/431).
4– فتح الباري (4/210).
5– رد المحتار (3/238).
6– المجموع (3/117).
7– الأذكار (1/36 ا).
8– المغني (2/250 ا)؛ الشرح الكبير (1/416-417)؛ الإنصاف (2/183).
9– سنن أبي داود (1/200)؛ سنن البيهقي الكبرى (1/411).
10– السنن والأحكام (1/327).
11– المجموع شرح المهذب (/252).
12– إرشاد الفقيه (1/105).
13– فتح الباري لابن رجب (3/457).
14– تلخيص الحبير (1/347)؛ نتائج الأفكار (1/361).
15– هداية الرواة (1/320).
16– تحفة الذاكرين (166)؛ ونيل الأوطار (2/38).
17– ضعيف أبي داود (528)، الكلم الطيب (78)؛ تمام المنة (35).
18– تمام المنة (1/150).
21– موقع الشيخ ابن عثيمن – فتاوى نور على الدرب.
22– فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (24/215).