دور أئمة المساجد في الأحداث

دور أئمة المساجد في الأحداث

دور أئمة المساجد في الأحداث

الحمد لله رب العالمين، ولي المتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد الغر المحجلين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، أما بعد:

فما أكثر الأحداث التي تجري في محيط بلاد المسلمين، وما أشد الملمات التي يقدح شررها في ربوع ديارهم

ففي كل جزء من بلادي مشهد             يروي ضياع كرامة الإنسان

هذه النوازل المدلهمة بأمة الإسلام؛ بحاجة ماسة إلى لبيب يحسن توجيه الناس فيها، وقائد يجيد ترشيدهم لما ينبغي عليهم صنعه إزاء ها، وكيف لهم أن يتعاطوها أو يتعاملوا معها؟

وحقيقة لا يضطلع بهذا الدور مثل أئمة المساجد الذين ارتضاهم الناس ليكونوا لهم أئمة في أعظم شعيرة افترضها الله عليهم ألا وهي الصلاة، فكيف بما هو دونها من القضايا والمسائل والنوازل؟

ولعل من نافلة القول أن نشير إلى أسباب تدعم استئثارهم بهذا الدور أكثر من غيرهم إذ هم:

أولاً: محل ثقة الناس، وموطن قبول عندهم، فما صدر منهم يجد طريقه إلى نفوسهم وقلوبهم.

ثانياً: أن المساجد مهوى أفئدة الناس، وفيها اجتماعهم، وهم المخولون على القيام برسالة المسجد الربانية، ولنا أن نسأل إذا لم يقوم بهذه المهمة أئمة المساجد والقائمون عليها فمن إذاً سيقوم بها؟

ويجدر بنا أن نجلي هذا الدور الذي تنتظره الأمة من أئمة مساجدها حيال النوازل، ومجريات الأحداث، وفتيل نار المصائب والضربات، ودعنا نجتهد سوياً في تجلية صور هذا الدور؛ عسانا أن نخرج بصورة أكثر اشراقاً ووضوحاً، وما أغفلناه ينبغي أن تذكره أيها الإمام فمن ذلك:

أولاً: التأكيد على أن هذه المحن التي عصفت ببلاد المسلمين، وحلَّت في دورهم وأرضهم؛ ما كانت لتكون لولا ذنوبنا وتقصيرنا وتفريطنا في جنب الله، وأن كل معصية نقترفها ما تزيد إخواننا إلا نكالاً ووبالاً، والمرء يعتبر شريكاً في صنع مأساة إخوانه ما دام والحالة هذه كما قال سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}1 {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}2 وأنه لا تقع مصيبة في الأرض إلا بذنب، ولا ترفع إلا بتوبة.

ويستشهد على ذلك بالآيات والأحاديث، والمواقف الناطقة من تاريخ المسلمين، حتى تجد في قلوب السامعين قراراً مكيناً، ويذكرهم بأن الملاذ من شرها، والمخرج من هولها؛ هو الاعتصام بحبل الله، والالتياذ بجنابه، والعودة الصادقة إلى كتابه، وتحكيم شريعته، والابتعاد عن أسباب سخطه وغصبه، إذ لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا عاصم من الله إلا هو.

ثانياً: إيضاحه أن ما يحدث في الكون من الأزمات والمدلهمات، والنكاية بالمسلمين من أعداء الله؛ تجري وفق تدابير ربانية، وحكم إلهية شاءها الله وأرادها، وعلم خيرها لمن وقع فيها، وإن كان الظاهر خلاف ذلك، وهي في كل واقعة بحسب؛ إلا أن الله قد جلَّى بعضها فمن ذلك:

         أنها تمحيص لأهل الإيمان كما قال سبحانه: {وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}.

    الاصطفاء والانتقاء: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء}3 فيقف على ما يفتح الله – سبحانه – عليه من الحكم الباهرة في إرادته، القاهرة والنافذة في النوازل، ويدعو الناس للتسليم بأمر الله فيما يحدث على ظهر هذه البسيطة من السراء والضراء فله سبحانه {الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ}4.

ثالثاً: إمعانه النظر في سنن الله الكونية، والتي اقتضت أن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى أن تقوم الساعة، وأن دول الكفر لا تفتأ تقارع أهل الحق ما دامت لها القوة والمنعة، والصولة والجولة، وأنهم كلما أوقدوا ناراً للحرب وأطفأها الله، أشعلوا ناراً أخرى في بقعة ما من الأرض، بغيتهم ما قال الله {حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ}5 و{حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}6 ولكن عزاء أهل الإيمان أن الغلبة والتمكين والاستخلاف بيد الله، وقد وعد به عباده الموحدين: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}7.

رابعاً: دفعهم للتفاؤل بالواقع وإن كان اليأس بالمرصاد، وإيراده لنصوص الشريعة من الكتاب والسنة التي تدعو المؤمن أن يعيش هذه الروح المتفائلة التي عاشها النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحلك الظروف، وأشد المواقف، بل كان – صلى الله عليه وسلم – يعجبه الفأل، ويستعرض الوقائع من التاريخ والسير والمغازي في تغير الأحوال، وغلبة جند الإيمان؛ رغم اشتداد المحن، وبزوغ نجم الكفر والفتن، ويستخدم في ذلك العبارات المرهفة كقولهم: "المنحة في قلب المحنة"، و"الآلام محاضن الآمال"، و"من رحم المعاناة يولد النصر"؛ ليبعث في النفوس المكلومة الأمل، ويرسم على الشفاة المحرومة معنى الابتسامة.

خامساً: يبين الأسباب التي لو أخذت بها الأمة كان النصر حليفها، ويقف أيضاً على الأسباب التي أخرت النصر عن الأمة، وجعلتها في ذيل القافلة، ومؤخرة الركب، ويؤكد على أن النصر يصنعه كل مسلم على ظهر الأرض لا يتخلف عن ذلك أحد، وما ينبغي للمسلمين فعله حتى يجعل الله النصر حليفهم، ويعيد الهيبة لهم.

سابعاً: يشير إلى أن الألم الذي يعتصر القلوب هو تعبير عن الحياة، والانتماء، والإحساس بالشعور الأخوي ((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ))8 وهو استجابة عفوية لمعاناة في جزء مجروح في هذا الجسد الكبير، وما أعظم أن يعيش الإنسان حال إخوانه ومأساتهم مستشعراً معنى الجسد الواحد، واللحمة الواحدة كما أخبر المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))9 وهذا يعدُّ أقل الواجب المفروض تجاه إخوانه.

ثامناً: أن يتطرق إلى مسألة مدافعة القدر بالقدر كما قال عمر – رضي الله عنه -: "نفر من قدر الله إلى قدر الله"، فمن مدافعة القدر أن نستفرغ وسعنا كله في مساندة المصابين، ورفدهم ودعمهم بكل ممكن مقدور، فالدعوة الصادقة بظهر الغيب ((تفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب – عز وجل -: "وَعِزَّتِى لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ"))10 حتى لو كانت من كافر أو فاجر مظلوم، فكيف بدعوة المسلم الموحِّد.

والقنوت في الصلوات، وتوجيه الدعاء على الظالمين أن يحصيهم الله عدداً، ويقتلهم بدداً، ولا يبقى منهم أحداً، وأن يردَّ كيدهم في نحورهم، ويهزمهم، والاستغاثة بأسمائه الحسنى، واسمه العظيم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، ولا بد أن في مليار مسلم ونيف من لو أقسم على الله لأبرَّه، ولا يحسن أن يتشتت الناس، وتتفرق قلوبهم في تطويل الدعاء، والانتقال به إلى موضوعات لا تخص النازلة، فلندع أن يجعل الله المحنة برداً وسلاماً على أهل غزة كما جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم.

والكلمة الطيبة في قناة، أو إذاعة، أو مقالة، أو جريدة، أو موقع، أو مجلس، أو عند مسئول، أو سواه، أو على منابر المساجد.

وتوظيف وسائل الاتصال من مواقع إلكترونية، وقوائم بريدية، ومنتديات، ومحطات.

والتبرع بالدم للمصابين.

والتبرع بالمال والمواد العينية حيث المراكز المفتوحة المخصصة لذلك.

والمشاركة بوسائل الاحتجاج في كل بلد بحسبه، وممارسة الضغوط على أصحاب القرار؛ ليتحركوا بشكل صحيح تفاعلاً وتجاوباً ونصرةً لإخوانهم في الدم والعقيدة.

وفي الختام: فليتأكد إمام المسجد أن هذه المسئولية مناطة به أكثر من غيره، فليعقل جواده، وليتوكل على الله، وهو حسبه وكافيه، ثم لا ينسى أن يفتح باباً بينه وبين الله يرجو منه المدد والإلهام، والتوفيق في الإفهام، فالمسألة تتعلق بأمة وجهت أعناقها إليك تنتظر من يحسن توجيهها، وأنت أعظم المخولين لذلك، كان الله في عونك، وليرعك حيث كنت.

والله ولي التوفيق.


 


1 سورة الروم (41).

2 سورة الشورى (30).

3 سورة آل عمران (140).

4 سورة الروم (4).

5 سورة البقرة (217).

6 سورة البقرة (120).

7 سورة الأنبياء (105).

8 رواه البخاري برقم (459)، ومسلم برقم (4684).

9 رواه مسلم برقم (4685).

10 رواه الترمذي برقم (3522)، وابن ماجه برقم (1742)، وأحمد برقم (7700)، وضعفه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير برقم (6339).