إقامة دوري ثقافي – رياضي لأهل الحي

إقامة دوري ثقافي – رياضي لأهل ال

إقامة دوري ثقافي – رياضي لأهل الحي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

إن لمسجد الحي دور كبير، فليس عمله فقط أن يصلي فيه المسلمون ثم ينصرفون، بل لابد أن يكون المسجد كل شيء بالنسبة لأهل الحي، ولكي يكون كذلك فلابد أن يتدخل في الكثير من شؤونهم وما يحتاجونه في حياتهم وذلك بقدر ما يستطيع، ومما يحتاجه أهل الحي التطوير الثقافي المستمر، وتنمية المهارات الفكرية، وشيئاً من الرياضة البدنية التي يصح بها الجسم، ويحصل بممارستها الود والإخاء، والمنافسة المفيدة… إلى غير ذلك.

ونحب أن يكون هناك بادرة تقوم بها إدارات المساجد تحيي بها هذه الجوانب، وتنعش أهل الحي بشيء من الأنشطة والفعاليات، ومن ذلك: إقامة دوري ثقافي، وآخر رياضي، ويكون هذا الدوري خاص بأهل الحي، لأن الملاحظ أن بعض المساجد قد تهتم بطلاب التحفيظ، وتجعل لهم الكثير من هذه الأنشطة، وهذا شيء جميل ولا شك، لكن الأجمل من ذلك أن تشمل هذه الأنشطة أهل الحي أيضاً، فأعناقهم تشرئب إلى كل جديد، وأرواحهم تهوى التجديد، ونفوسهم تتوق إلى الفريد، فإن أهل الحي – وإن اختلفت أعمارهم ودرجاتهم الاجتماعية – كلهم يحتاجون لمثل ذلك.

ولهذه الأنشطة الكثير من الفوائد التي يجنيها المسجد، ويحصل عليها أهل الحي، فمن ذلك:

1- حصول زيادة الحب للمسجد من قبل أهل الحي، فعندما يشارك المسجد الناس في بعض احتياجاتهم، ويلبي لهم بعض رغباتهم المباحة؛ فإن ذلك له الأثر الكبير في النفوس، وهو سببٌ رئيسٌ في زيادة تعلق المصلين بالمسجد.

2- تصحيح مفهوم منتشر لدى الناس وهو أن أهل الدين ليس عندهم ترفيه ولا مزاح بل تشدد مقيت، وهذا ليس بصحيح؛ إذ أن الإسلام دين سماحة ويسر، فهذا النبي – صلى الله عليه وسلم – يمازح أصحابه، بل ويتسابق هو وعائشة – رضي الله عنها -، فقد ثبت عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "خرجت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم، ولم أبدن، فقال للناس: ((تقدموا))، فتقدموا، ثم قال لي: ((تعالي حتى أسابقك)) فسابقته فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدنت، ونسيت، خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس: ((تقدموا))، فتقدموا، ثم قال: ((تعالي حتى أسابقك))، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: ((هذه بتلك))"1.

3- أيضاً من الفوائد غرس بعض المفاهيم والمبادئ عن طريق الدوري الثقافي، فتطرح فيه الأسئلة المفيدة، والمعلومات الضرورية للمسلم، وغير ذلك من أمور دينه ودنياه.

4-  يتوفر لأهل الحي في هذه الأنشطة الجو الأخوي، إذ يبرز فيه التعاون، وتحلق في أجوائه الأخوة، ويحيطهم الود من كل جانب.

5- ومما يكون من خير في هذه الأنشطة تنمية المهارات لدى أهل الحي؛ فيكتشف الأذكياء والمثقفين، وأصحاب الخبرات والتخصصات.

6- تجديد النشاط للعبادة، وتهيئة النفوس للإقبال على الله – عز وجل -، فممارسة المسلم بعض المباحات المفيدة يكسبه نشاطاً وهمةً ينطلق بهما إلى تطبيق أوامر الله، وترك نواهيه، وقد نقل ابن القيم – رحمه الله تعالى – في إغاثة اللهفان كلاماً جميلاً في هذا، يقول: "عن وهب قال: مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه، وساعة يتخلى فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عوناً على تلك الساعات، وإجماماً للقلوب"2.

7- وفي هذا النشاط فائدةٌ عظيمةٌ، وكفى بها فائدة إن حصلت؛ وهي جذب البعيد من أهل الحي عن المسجد، وربط العاصي منهم بالصالحين، وذلك بما يحصل من أنشطة جذابة مثل النشاط الرياضي؛ فغالب الناس يحبه خاصة الشباب.

وقد يكون هناك العديد من الفوائد، ويحصل أكثرها بتطبيق النشاط، وممارسته الفعلية، والدخول في مفرداته، وهنا أحب أن أشير إلى بعض أنواع الأنشطة التي يمكن أن تتطبق ويحصل بها بإذن الله – عز وجل -:

1- يرتب نشاط رياضي على شكل دوري، ويكون عبارة عن سباق من محطة انطلاق إلى خط النهاية، ويكرم الفائز، ويكون على مجموعة متكافئة، وبمقاييس محددة، فتراعى الأعمار في كل مجموعة.

2- يقسم أهل الحي إلى مجموعات متساوية ذات قدرات متقاربة، ويقام بينهم دوري لكرة القدم، أو كرة السلة، أو أي نوع يسهل فعله.

3-  يجعل كل المشاركين من أفراد الحي في مجموعات، ثم تقام بينهم بعض المسابقات المناسبة لثقافتهم ومستوياتهم العلمية والمعرفية.

4-  يمكن أن يفتح باب الدعم المالي لهذه الأنشطة من قبل الميسورين حتى  تكون الجوائز قيمة ومؤثرة.

5- يراعى في إقامة هذه الأنشطة انتقاء المكان المناسب، والوقت المناسب، فلا يكون في مكان يسبب إزعاجاً للآخرين، ولا يكون في وقت قد انشغل فيه أهل الحي بأعمالهم وخصوصياتهم.

نسأل الله – تعالى – أن يتقبل صالح الأعمال، وأن يبارك في الجهود، ويسدد الخطى، ويكتب أجر من أحسن عملاً إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.


 


1 رواه أحمد بلفظه (25075)، وأبو داود (2214)، وقال الأرناؤوط: إسناده جيد، انظر مسند أحمد المذيل بأحكام الأرناؤوط على الأحاديث (6/264).

2 إغاثة اللهفان (1/79).